المهمة الرئيسية للجنة الثلاثية المكونة من أربعة خبراء وطنيين من كل من مصر والسودان وإثيوبيا، هى الإشراف على استكمال الدراستين الناقصتين لسد النهضة. الدراسة الأولى عن تأثير سد النهضة على إيراد النهر لكل من السودان ومصر وأثر السد على توليد الكهرباء من السدود السودانية ومن السد العالى، مع الأخذ فى الاعتبار عدة بدائل لارتفاعات سد النهضة ومقارنة الآثار السلبية لكل من هذه البدائل. والدراسة الثانية عن الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة على الدول الثلاث إثيوبيا ومصر والسودان. وقد شرحنا فى المقال السابق أنه بالطريقة الحالية لإدارة أعمال اللجنة الثلاثية، فإن اختيار المكتب الاستشارى على الأغلب لن يتم قبل بداية العام المقبل وسيتبقى فترة شهرين فقط لاستكمال الدراسات المطلوبة. وتوقعاتنا للفترة المطلوبة للانتهاء من الدراستين والتوافق حول نتائجها لن يقل عن عام كامل خاصة فى ظل التباطؤ الملحوظ لأعمال اللجنة الثلاثية. وقد يتساءل القارئ عن إجراءات تنفيذ هذه الدراسات وذلك بعد الانتهاء من اختيار المكتب الاستشارى والتعاقد معه، والإجابة أن المكتب الاستشارى سيقوم بالتشاور مع أعضاء اللجنة الثلاثية بإعداد منهاج عمل للدراستين المطلوبتين وعرضه على اللجنة الثلاثية للاعتماد. والخطوة التالية أن يقوم الاستشارى بتحديد البيانات المطلوبة لهذه الدراسات. والبيانات المطلوبة للدراسة الأولى على الأغلب تتمثل أولاً فى سلسلة فيضانات نهر النيل التى سيتم استخدامها فى النماذج الرياضية لحساب آثار سد النهضة. وقد يكون هناك خلاف بين مصر وإثيوبيا حول هذه البيانات، حيث تميل مصر إلى التركيز على سنوات الفيضان المنخفضة، وإثيوبيا تميل إلى سنوات الفيضان العالية لتقليل آثار السد على مصر. وتقع ضمن البيانات المطلوبة أيضاً سياسة التشغيل وسنوات التخزين لسد النهضة والتى لم تعلنها إثيوبيا حتى الآن. وتشمل قائمة البيانات استخدامات السودان الحالية من مياه النيل وهناك عدم توافق بين مصر والسودان عليها. حيث يزعم السودان أنه لا يستخدم كامل حصته المائية، ويزعم الجانب المصرى أن السودان يستخدم حصته بالكامل. والقياسات المائية منقوصة ومعظم أجهزة القياس المائية معطلة، بالرغم من أن مصر تنفق عشرات الملايين سنوياً على هذه القياسات. وتشمل البيانات أيضاً التوسعات الزراعية السودانية المخطط لها على مياه سد النهضة والتى تصل إلى عدة ملايين من الأفدنة. ومن البيانات المهمة أيضاً سياسات التشغيل الجديدة للسدود السودانية فى وجود سد النهضة، والذى سيتيح للسودان زيادة مناسيب التخزين وتعظيم إنتاج الكهرباء. وتشمل البيانات كذلك تقديرات فواقد البخر من سد النهضة، والزيادة المتوقعة فى فواقد البخر من السدود السودانية، والنقص فى البخر من السد العالى نتيجة لانخفاض مخزونه من المياه، ومن المتوقع أن تكون المحصلة النهائية هى زيادة سنوية فى فواقد البخر تتراوح ما بين 1 و2 مليار متر مكعب سنوياً. والبيانات تشمل أيضاً فواقد تسرب المياه إلى باطن الأرض من بحيرة سد النهضة التى يقدرها الخبراء ما بين 15 و25 مليار متر مكعب. والإجراءات التنظيمية للجنة الثلاثية تنص على ضرورة توافق أعضاء اللجنة على البيانات المقدمة للاستشارى، ويمكننا تصور مدى الخلافات التى تنشأ حول هذه البيانات، وإمكانية اللجوء إلى خبير دولى كما تنص عليه اللائحة للتوفيق بين أعضاء اللجنة، ومدى تأثير ذلك على فترة إعداد البيانات وحدها. وإذا ما تم التوافق على البيانات المطلوبة، فإن النتائج المتوقعة لهذه الدراسة سوف تتمثل فى عدة نقاط رئيسية: ■ نقص فى إيراد نهر النيل الوارد إلى مصر، ويزداد العجز مع زيادة سعة سد النهضة. ■ نقص فى توليد الكهرباء من السد العالى وخزان أسوان، ويزداد العجز مع زيادة سعة سد النهضة. ■ زيادة فى إنتاج كهرباء السدود السودانية، ولا يتأثر بأى نقص فى سعة سد النهضة. ■ توسعات زراعية فى السودان، وسوف تتأثر سلباً بأى نقص فى سعة سد النهضة. ويأتى بعد ذلك التوافق حول هذه النتائج، ولنا أن نتصور مدى اختلاف أعضاء اللجنة حول هذه النتائج، وخاصة تأثيرات السد على مصر، وصعوبة التوافق عليها. وإذا نجحت اللجنة فى التوافق حول بيانات الدراسة الأولى، فما هى البيانات المطلوبة للدراسة الثانية؟ البيانات المطلوبة تشمل الآثار البيئية السلبية على مصر والسودان بما فيها نقص المواد الرسوبية، وأثر ذلك على خصوبة الأرض الزراعية فى السودان وعلى زيادة معدلات النحر فى النيل الأزرق والترع وعلى مصانع الطوب فى السودان. وتشمل الآثار السلبية تلوث المياه فى النيل الأزرق وبحيرة ناصر وتأثير ذلك على استخدامات المياه المختلفة وعلى الثروة السمكية. وتشمل البيانات أيضاً تأثير النقص فى إيراد النهر على المخزون الجوفى فى مصر والسودان وعلى نوعية المياه فى البحيرات المصرية الشمالية وتأثير ذلك على البيئة الطبيعية هناك. وتشمل أيضاً البيانات آثار نقص إيراد النهر على كمية ونوعية مياه الصرف الزراعى، وأثر ذلك على مشاريع إعادة استخدام مياه الصرف المنتشرة فى أرجاء مصر. ذلك بالإضافة إلى أثر انخفاض إيراد النهر على الجانب الاقتصادى والاجتماعى لقطاعات الزراعة والسكان والصناعة والسياحة والثروة السمكية. فهل توافق مصر على توفير هذه البيانات وإتاحتها لمثل هذه الدراسة الدولية؟ وإذا وافقت مصر على ذلك، فما هو الوقت المطلوب لتوفير هذه البيانات التفصيلية عن مصر وأمنها القومى؟ وأخيراً ما هو الوقت المتوقع للقيام بالتحليلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة؟ مثل هذه الدراسات تستغرق شهوراً طويلة من الصعب حتى التوقع بمداها الزمنى. والأمر الثانى أن حسابات الآثار الاقتصادية والاجتماعية لن تبدأ قبل توافق الدول الثلاث حول نتائج الدراسة الأولى. ولكن ما الهدف من هذه الدراسة؟ هل الهدف هو إظهار أن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لإثيوبيا والسودان أعظم من خسائر مصر من السد؟! وأخيراً أود أن أذكر الجميع أن كل هذا الوقت والجهد فقط لاستكمال دراسات السد، وليس للتفاوض حول سعته التخزينية، بينما السد يتم بناؤه على قدم وساق.