الصدمة المروعة والحالة المفزعة والعنكبة الجائرة أصابت الجميع بخرس تحليلى وبكم تفسيرى ووجم معرفى. الغالبية المطلقة والأكثرية المفعمة غارقة حتى أذنيها فى مشاهدة صور الرؤوس المقطوعة، والأيادى الذابحة، والوجوه المفعمة بالسعادة والهناء لهذا الإنجاز الجبار. والكل منشغل تماماً بمتابعة مقاطع الفيديو المحملة على الشبكة العنكبوتية، حيث إعلان «داعشى» هنا بنية خالصة لذبح هذه الرهينة أو تلويح مشابه باجتثاث أرواح أولئك المواطنين أو تمهيد مبين بأن الدواعش قادمون. صدمة متوقعة ونكبة متفهمة تعترى الجميع، لا سيما فى ظل ظاهرة الانشطار الداعشى. لكن محاولة متواضعة للتدقيق تشير إلى أن عطباً مريعاً أصاب مجتمعات الغرب -قبل الشرق- فى مقتل؛ فظاهرة هروب المراهقين والمراهقات من أبناء الجيل الثانى من المهاجرين أو أولئك المتحولين إلى الإسلام حديثاً من حياتهم المريحة وأجوائهم الآمنة ليرتموا فى أحضان «داعش» حرباً، أو تنخرط فى «جهاد النكاح» تعاطفاً! البعض يفضل أن ترتكز الجهود على تحليل أسباب انخراط، أو تعاطف، أو تفهم البعض من الشباب العربى المسلم مع الأهداف الداعشية (التى هى بالمناسبة غير معروفة، اللهم إلا رفع راية القاعدة السوداء وذبح الأبرياء ولعب الكرة بالرؤوس المقطوعة وتمرين الصغار على ألعاب سفك الدماء وهدم الأوطان بهدف إقامة دولة الخلافة). والبعض الآخر لا يعنيه سوى البحث عن مصادر تمويل «داعش» وتسليحه وتشجيعه. ولأن فهم هذا أو ذاك ينتظر تفسيراً من جهابذة العلوم الإنسانية، أو انفراجة معلوماتية توضح الحقائق، فلا ضرر من نظرة بعيدة على ظاهرة مراهقى «داعش» من بلاد الفرنجة. من قلب النمسا، بلد الجمال والروعة والسكينة والطبيعة، اتخذت فتاتان مراهقتان من أصول بوسنية قرار التوجه إلى سوريا للجهاد الداعشى. وهناك تزوجتا زواجاً داعشياً نجم عنه حمل كلتيهما. ويبدو أنهما لسبب أو آخر أيقنتا فجأة أن الطفلين القادمين سيحملان الجنسية الداعشية التى لا تمثل سوى قتل باسم الدين وذبح تحت شعار العقيدة ودماء على إيقاع التوحيد، دون إعانة بطالة كتلك التى يحصل عليها الآباء فى بلاد الغرب الكافر، أو ألبان أطفال مجانية كتلك التى تصرفها الأمهات فى بلاد الفسق والفجور، أو مواصلات آدمية كتلك التى يركبها الجميع فى بلاد بعضها لا يؤمن بدين، أو هواء نظيف وغذاء صحى وتعليم جيد وعلاج معتبر كتلك المتوافرة فى بلاد لا تعرف التوحيد. ومع المراهقتين النمساويتين شقيقتان بريطانيتان من أصول صومالية أعجبتا أيما إعجاب بالفكر الداعشى، فهجرتا بيتهما وتوجهتا رأساً إلى سوريا عبر الحدود التركية. وهما لم تُبديا رغبة فى العودة إلى أحضان بريطانيا الدافئة، عكس زميلتيهما النمساويتين. ومثلهن، هرب مراهق فرنسى من بيته ليرتمى فى أحضان «داعش» معجباً بالوجوه الملثمة، ورافعاً «كلاشينكوف» مثله مثل فان دام فى أفلام الأكشن والإثارة. هؤلاء وغيرهم مئات ممن يحاربون فى صفوف «داعش» الأمامية أو يجاهدون جهاد النكاح فى دهاليزه الخلفية يؤكدون أن العطب فى المجتمعات الغربية لا يقل عن عطب مجتمعاتنا، وإن اختلف فى فحواه. البعض فى الغرب يفسر ذلك فى ضوء يمينية عنصرية؛ حيث لوم الحكومات على سياسة لينة فى استقبال المهاجرين اللاجئين السياسيين، لا سيما من يعتنقون الإسلام الذى يعتبرونه فى الأصل ديناً سمته التطرف وقوامه التشدد. والبعض الآخر (الأكثر تسامحاً) يفسره فى ضوء تقاعس أنظمة الغرب فى دمج الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين فى حياة الغرب، ما يجعلهم فى مرحلة المراهقة كمن رقص على السلالم؛ فلا الغرب يعترف بهم مواطنين كاملى الوطنية والانتماء والشكل والعادات، ولا بلدانهم تعتبرهم أبناءها المرحب بهم؛ حيث مجتمعات تسير من تخلف إلى انحدار، ومن ديكتاتوريات وفساد إلى إرهاب ودمار. وتظل ظاهرة مراهقى «داعش» الغربيين فى حاجة إلى تفسير.