جامعة أسيوط تعقد ورشة عمل حول جودة التعليم كمدخل للتحول لجامعات الجيل الرابع    جداول امتحانات الفصل الدراسى الثاني 2023- 2024 بالجيزة لكل الصفوف    تحسين معيشة المواطن وزيادة الإنتاجية.. وكيل "قوى عاملة النواب" توضح مستهدفات الموازنة الجديدة    مدبولي لرؤساء المجالس التصديرية: نستهدف زيادة صادراتنا "من 15-20 %" سنوياً    وزير الخارجية السعودي: جهود وقف إطلاق النار غير كافية    الزمالك يطلب السعة الكاملة لاستاد القاهرة في مواجهة دريمز    مانشستر يونايتد يدخل صراع التعاقد مع خليفة تين هاج    بمشاركة 1500 لاعب .. انطلاق بطولة الجمهورية للاسكواش في مدينتي    سوبر هاتريك «بالمر» يشعل الصراع على الحذاء الذهبي    بالفيديو والصور .. الحماية المدنية تحاول السيطرة على حريق هائل بمول تجاري بأسوان    إصابة فني تكييف سقط من علو بالعجوزة    «مالمو للسينما العربية» يُكرم المخرج خيري بشارة.. و4 نجوم في ضيافته (تفاصيل)    بالأسماء.. رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات تعيين وتجديد ل 19 رئيسا لمجالس أقسام علمية    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    «طب قناة السويس» تكرِّم أساتذة ومؤسسي قسم الباطنة العامة    في فصل الربيع.. كل ما يخص مرض جفاف العين وكيفية العلاج (فيديو)    تأجيل محاكمة 16 متهما بتهريب المهاجرين ل 13 مايو    وزير الخارجية ونظيره الصيني يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    قرعة علنية لعروض مهرجان بؤرة بجامعة دمنهور (صور)    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    وزير الأوقاف: إن كانت الناس لا تراك فيكفيك أن الله يراك    القاصد يشهد اللقاء التعريفي لبرامج هيئة فولبرايت مصر للباحثين بجامعة المنوفية    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    مصطفى كامل يوضح أسباب إقرار الرسوم النسبية الجديدة على الفرق والمطربين    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    على مدار 4 أيام.. فصل التيار الكهربائي عن 34 منطقة ببني سويف الأسبوع المقبل    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    هل يحصل على البراءة؟.. فيديو يفجر مفاجأة عن مصير قات ل حبيبة الشماع    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    ناقد رياضي يوضح أسباب هزيمة النادي الأهلى أمام الزمالك في مباراة القمة    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    دورة تدريبية حول القيادة التطوعية في مركز شباب سفاجا    ضبط خاطف الهواتف المحمولة من المواطنين بعابدين    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    رئيس وزراء الهند: الممر الاقتصادى مع الشرق الأوسط وأوروبا سيماثل طريق الحرير    مرسى مطروح تعلن عن كشوف قبول طلبات التصالح ومعاينات ملفات التقنين    حسن الرداد يكشف عن أحدث أعماله السينمائية مع إيمي سمير غانم    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    اقتراح برغبة حول تصدير العقارات المصرية لجذب الاستثمارات وتوفير النقد الأجنبي    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    برلماني يطالب بمراجعة اشتراطات مشاركة القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لوثةُ الأنوثة
نشر في الوطن يوم 24 - 09 - 2014

فى مقالة الأسبوع الماضى، رأينا معاً أن حلم إحياء «الخلافة» هو مجرّد وهمٍ تجارىٍّ قابعٍ بلا دليلٍ عقلى أو سندٍ دينى أو حُجة تاريخية، فى قاع عقول الدواعش وأشباههم القدامى والجدد. وهو عادةً ما يُستعمل سياسياً كوسيلةٍ للوصول إلى السُّلطة المُطلقة فى النواحى، والفترات، المنكوبة داعشياً. وفى خاتمة المقالة، أشرتُ إلى أن وَهْم الخلافة، الزاعم بأن الحاكم هو ظلُّ الإله فى الأرض، يرتبط بمجموعةٍ من التصورات الخاصة والخسيسة عن النساء.. ولذلك تكون «المرأة»، عادةً، هى الضحية الأكثرُ بؤساً والأشدُّ معاناةً، عقب أىّ نجاحٍ مؤقّتٍ لتلك الفورات والانفجارات الداعشية الناشرة للتعاسة، حسبما يظهر لنا من الخبرات التاريخية والوقائع المعاصرة.
كما يتصل وهمُ «الخلافة»، الخلافى، بتصوّرات أخصّ وأخسّ عن مفهوم «الأنوثة» باعتبارها النقيض التام للنزعة الداعشية، بمعناها العام. أعنى بمعناها الاصطلاحى الدال على النزعة الهمجية الهائجة المترعة بالرغبة فى الفتك، المتوسّلة للسلطة بالعنف المقدّس المسلح، المبررة لشهوة القتل بأن تلك هى إرادة السماء! وقد أنهيتُ مقالة الأسبوع الماضى بفقرةٍ ختاميةٍ تُلقى بعض الضوء على موضوع مقالة اليوم، الخاتمة لهذه «السباعية» الكاشفة عن الأصول والأُسس والدعائم القائمة عليها النزعة الداعشية، سواءٌ فى صورتها المعاصرة أو فى تجلياتها القديمة: اليهودية، المسيحية، الإسلامية. وكانت فقرة الأسبوع الماضى الختامية (المتعلّقة بموضوعنا اليوم) تقول ما مفاده: «.. ارتبطت الخلافةُ دوماً باستباحة النساء، سواء كانت المرأة زوجةً من أربع زوجات شرعيات أو كانت (أم ولد) أو واحدة من النساء اللواتى يُعرفن باسم (ملك اليمين)، أى يمين الرجل المالك. وهاتيك النسوة المملوكات لا حصر لعددهنَّ شرعاً. وقد تُستباح النساءُ فى إطار الخلافة الداعشية، عن طريق الإهداء من أخٍ داعشىٍّ أراد أن يُجامل أخاه الداعشى الآخر، ويذيقه من العسل المستطاب.. الحلال، على زعمهم.. المتاح لهم، من بعد طول حرمانهم.. المثير بالمجان للمجون والغرائز البدائية».
ولنُكملُ فيما يلى الكلام..
■ ■
عندما ارتاع العالمُ شرقاً وغرباً، خلال الأسابيع الماضية، من هول المشاهد التى نشرتها جماعةُ داعش للنسوة، اللواتى سيقت زُرافات منهنّ كالنعاج، بعد ذبح رجالهن، لبيعهنَّ علناً بأبخس ثمن فى أسواق الرقيق الداعشى. لم ينتبه كثيرٌ من الناس إلى أن الدواعش أنفسهم كانوا هم الذين قاموا بالتقاط الصور وبتصوير هذه الأفلام (الفيديوهات) التى تُظهر أسراهم من النساء المتسلسلات البائسات، المنتقبات عنوةً، وهنَّ فى الطريق إلى البيع فى العَرَصَات والميادين الداعشية. والعجيب، حسبما ظهر من الصور والفيديوهات، هو أن الدواعش رأوا فى مخازيهم هذه فخراً يستوجب النشر والانتشار على أوسع نطاق، لتأكيد أن دولة الإسلام فى العراق والشام (داعش) تقوم فعلاً بإحياء المجد التليد للإسلام؛ لذلك بدا أعضاءُ الجماعة بأسلحتهم فى تلك «المواد الإعلامية» المنشورة على أوسع نطاق وهُم سعداء! يعتزّون بالخزى الذى يفعلون.
وفى حقيقة الحال، فإنه من دلائل الجهل الداعشى «الفادح» أنهم يتوهّمون أن أفعالهم هذه دليلٌ على إحيائهم للتقاليد الإسلامية. وربما لا يعلم هؤلاء الجهّالُ، من الدواعش المعاصرين، أن تجارة الرقيق «الأبيض»، طيلة قرونٍ طوالٍ من الزمان المرّ، لم تكن مرتبطة بالإسلام تحديداً، وإنما كانت معروفةً من قبل ظهوره بقرونٍ طوالٍ، منذ الزمن المسمى عند العوام «الجاهلية»؛ فهى سمةٌ معتادةٌ فى الأزمنة السحيقة للعرب، العاربة والمستعربة، والرومان والروم والفرس والهندوس! وهى تقاليدُ قديمةٌ لا ترتبط بدينٍ معين أو أقوامٍ بعينهم. وإنما ظلت تسودُ وتسوّدُ الفترات القديمة كلها، أعنى تلك الفترات التى تحوّلت فيها الحضارةُ الإنسانيةُ من مراحل «التأسيس الأول»، الذى كانت فيه الأنوثة مقدّسة، إلى مرحلة التوسُّع المسلّح لإنشاء الممالك الممتدة جغرافياً فى الأرض، باسم التفوق العرقى لجماعة معينة أو باسم الإله «الذكر» الذى أزاح تدريجياً الألوهة المؤنثة من فوق عرشها السماوى، بعد آلاف السنين من عبادة الإلهات العظيمات: ننخرساج السومرية، عشتار البابلية، إنانّا الآشورية، أثينا اليونانية.. وإيزيس المصرية التى عُبدت فى مصر، وفى معظم الأنحاء القديمة، بأسماءٍ متعدّدة.
وعند ذِكر الربّة المصرية «إسّت»، المنطوقة باللفظ اليونانى المشهور اليوم على الألسنة «إيزيس»، تجبُ الإشارةُ إلى سُهُوكة الإعلام (الغربى والعربى) الذى راح مؤخّراً يُمهّد بانهماكٍ شديدٍ للنوايا الأمريكية والأوروبية، الساعية إلى التدخل العسكرى فى منطقة «الهلال الخصيب»، الذى صار بالأسلحة الأمريكية والدعم التركى هلالاً مُجدباً؛ إذ أخذ هذا الإعلامُ الغربى، وتابعُه العربى، من بعد الصمت الطويل ينشر بكثافةٍ بلايا وأخبار جماعة «داعش»، مستعملاً اسمها المختصر: «إيزيس»! أو بحسب الحروف اللاتينية ISIS على اعتبار أن هذه الجماعة تسمى نفسها، أو بالأحرى اقترح عليها الغربُ أن تسمى نفسها، بالإنجليزية Islamic State in Iraq & Syria.. وكان يمكن تلافى هذا التطابق اللفظى بين اسم الربة المصرية التى علّمت الإنسانية الرُّقى، واسم هذه الجماعة الهمجية التى عادت بالبشرية إلى زمن ما قبل الحضارات، باستعمال مختصر لفظى أكثر مناسبةً للمسمى المكذوب الذى اختارته هذه الجماعة لنفسها. فيكون مختصر اسمهم، مثلاً، SISI على اعتبار الأحرف الأولى من ترجمة اسمهم الكامل إلى الإنجليزية StatE of Islam in Syria and Iraq فيصير اسم هؤلاء الدواعش أدقَّ من حيث جريانه على النسق المستعمل فى المسميات الغربية المعاصرة، ومقترباً من واقع الدواعش الحاليين الذين بدأوا بالانتشار فى سوريا قبل العراق، ومُبتعداً عن التطابق مع اسم الربة القديمة المجلّلة بالبهاء.. ومن اللافت للنظر، فيما يتعلق بهذه النقطة الدقيقة، أن المصريين لم يُحرّكوا ساكناً بسبب هذه السهوكة والزهومة الإعلامية (السُّهُوكة هى رائحة السمك العفن، والزُّهُومة رائحة اللحم الفاسد)، بينما تقود امرأةٌ أمريكية حالياً حملةً واسعةً لدفع وسائل الإعلام فى بلادها إلى تغيير هذا المختصر اللفظى «ISIS»؛ لأن هذه المرأة سُميت كما سُميت أمها «إيزيس»، تيمُّناً باسم الربّة المصرية القديمة.
ومع أهمية هذه النقطة «اللفظية» السابقة ودلالتها المعنوية، ومع خطورة الموقف الإعلامى المريب من الحالة الداعشية (الصمت التام حتى تستكمل الجماعة قوتها، ثم الصخب العام بنشر فظائعها تمهيداً لضربها وتحويل أصحابها إلى عصابات مسلحة، مثلما حدث سابقاً مع جماعات مماثلة كالقاعدة وطالبان والعرب الأفغان).. مع ذلك، فإن الأكثر أهميةً وخطورةً هو ضرورة الاقتراب من عمق الحالة الداعشية، لفهم موقف هؤلاء الدواعش وأشقائهم المختلفين عنهم فى الدرجة وليس فى النوع، من المرأة، وهو ما سوف يؤدى بنا إلى اكتشاف «لوثة الأنوثة» فى النفوس الداعشية على تفاوت أطيافها فى السُّخف والتكثيف؛ إذ إن هذه «اللوثة» من أهم الأسس والقواعد التى تقوم عليها اليوم هذه النزعة الداعشية عموماً، سواء فى العراق وسوريا أو فى غيرهما، وكانت تقوم عليها فى الزمن القديم أيضاً.. فحيثما ووقتما ظهر الدواعش، ظهرت معهم لوثةُ الأنوثة.
ولضبط الدلالات، خشية الغرق فى فوضى المفاهيم، فإن مقصودى بهذا المصطلح الجديد «لوثة الأنوثة» هو النظرةُ الذكوريةُ المتدنيةُ، والمتدينةُ غالباً، تجاه النساء. لا سيما فى ظلّ القوة البدنية المسلّحة للرجل، المنتصر؛ حيث لا تمثّل «المرأة» فى نظره تمام واكتمال مفهوم «الإنسانية» الذى لا يتمّ ولا يكتمل، ولا يتطوّر، إلا بتناغم الأنوثة والذكورة.. ولكن، ولأن الدواعش عموماً (القدماء منهم والمعاصرين) لا يعترفون أصلاً بمفهوم «الإنسانية» ولا يعتدّون به، بل هم يكرهون أساساً هذه النزعة الإنسانية لأنها النقيض التلقائى للنزعة الداعشية. ولذلك تراهم يُعادون -ويعتدون على- كل الأسس التى يقوم عليها مفهوم الإنسانية وما يرتبط به من معانٍ ساميةٍ، من مثل: التقدير العميق للفنون والآداب والآثار القديمة.. الاحتفاء بالقيم العليا (الحق، الخير، الجمال).. احترام التجارب الروحية والتنوع العقائدى عند عموم الناس.. إعلاء مكانة النساء.
وبعيداً عن تلك القواعد الراقية والأسس التى يقوم عليها مفهوم الإنسانية، وفى إطار النظرة الداعشية المتخلّفة عن المسار الحضارى العام، يُعادى الدواعش «الأنوثة» ويعتدون عليها؛ لأنها تمثّل فى أذهانهم المليئة بالأمراض النفسية «المعادل» لمعنى الإنسانية و«النقيض» المضادّ لهم وغير المتكامل معهم؛ لذلك تراهم يمدحون الرجل بأنه «رجل» أو بأنه مذكّر حيوان «أسد»، بينما يشتمون الشخص بأنه «امرأة» ويقدحون فى المرأة بأنها «أنثى الأسد»! وهم يرون النساء من جملة الغنائم المسلوبة عند نجاح الاعتداء المسلّح، باسم الرب! فالمرأة المنهوبة، من زاوية النظر الداعشية، جائزةٌ تساق إليه إذا انتصر فى الدنيا، وفى الآخرة هى واحدة من جملة المزايا الممنوحة له على سبيل الثواب بغير حساب.. ومن هنا قيل فى إحدى النكات (النكتة هى الدقيقُ من القول): إن امرأةً سألت زوجها: أنتم الرجال لكم فى الجنة الحور العين الأجمل من كل نساء الأرض، لتكتمل مُتعتكم، فإلى أين ستذهب نساؤكم فى الآخرة؟ فأجابها: سيعذّب الله بكم الكفّار فى النار.
■ ■
وأبشعُ الشنائع الداعشية تقع دوماً على النساء، تحديداً، مع أن ضحايا الفورات والانفجارات الداعشية كثيرون. منهم، مثلاً: قتلاهم من الدواعش الآخرين، كرجال وشباب جبهة النصرة. وقتلاهم من أهل القرى الآمنة الذين لم يحملوا أصلاً سلاحاً، ومع ذلك يعتبرهم الدواعش أسرى حرب. وقتلاهم من الأسرى السوريين أو المراسلين الأجانب، لترويع العالم، ناهيك عن التمثيل بجثث هؤلاء، جميعهم أو بعضهم، تنفيذاً لمشيئة السماء المعبَّر عنها بالنصوص الشرعية (حسبما يفهمها الدواعش) من أحاديث نبوية وآيات قرآنية، صاروا اليوم ينشرونها على نطاق واسع باستعمال الميديا المعاصرة، خصوصاً الإنترنت، منها الآيات القرآنية «الكريمة» والأحاديث «الشريفة» النبوية.
لكن ذلك كله، على بشاعته، يظل هو أخفَّ الشنائع الداعشية؛ لأن الذى يلقى حتفه على يد هؤلاء، ذبحاً أو بوابل الطلقات، هو فى حقيقة الأمر قد مات! فلم يعد يشعر بفظاعة التمثيل بجثته، أو برأسه المقطوع المتأرجح بين أيدى الدواعش؛ فالشاةُ لا يُضيرها سلخُها بعد ذبحها، كما قال «الخليفة» عثمان بن عفان الذى قُتل بطريقة مريعة، يمكن وصفها بأنها طريقة داعشية قديمة (وكذلك قُتل كثيرٌ من الخلفاء ومن المنازعين لسلطة الخليفة ومن الساعين إلى امتلاك الدنيا بالدين).
مَنْ راح استراح. أما النساء اللواتى يسوقهنَّ القدرُ إلى الوقوع بين يدى «داعش»، فهنَّ المأساةُ الأنكى؛ لأنهن الباقيات اللواتى سيصير عليهنَّ احتمال صنوف العذاب: اقتيادهنَّ كالنعاج لبيعهن علناً فى سوق الرقيق.. استعمال أجسادهن لإطفاء شهوات الدواعش، تحت المسمى الحقير الذى طفر مؤخراً «جهاد النكاح».. استلابهنَّ من عزَّة الأنوثة إلى ذلّ القبول بأن أجسادهن مراحيض عامة لمن يمتلكهنَّ من الدواعش.. إثارة الخلل النفسى فى قلوب بعضهنَّ، حتى يُقبلن متطوعاتٍ على إتاحة أنحائهن الحصينة لمن أراد من الدواعش، على اعتبار أن هذه اللذة المجانية مبذولة فى سبيل الله! على زعمهم.
وربما تطوّر الأمرُ فى بعض الأحيان، خصوصاً حين يحتدم، فيصير لدينا «داعشيات» يقاتلن بالحقارة والخسّة اللتين يقتل بهما رجالهنَّ، ويرضين بكل سرور عمَّا يفعله الرجال الدواعش بالنساء اللواتى يسوقهن القدر الغشوم إلى الوقوع فى القبضة الداعشية.. وهذه هى أبشع صور «الاستلاب» وانتزاع الأنوثة، من نفوس هذا الصنف المريض من النساء الداعشيات.
■ ■
ما نتيجة ذلك؟.. هناك نتائجُ بعضها مباشر يظهر من اليوم الأول، وبعضها الآخر عميق وغير مباشر، وقد يتأخر ظهوره إلى ما بعد القضاء على الفورات الداعشية وانطفاء الهرج المريع الذى يُحدثه الدواعش المفسدون فى الأرض. فمن النتائج المباشرة: تصير المرأةُ مشوَّهة التكوين، قلباً وقالباً، وهو ما يؤدى بالتالى إلى تشوه الرجل؛ لأن الأنوثة والذكورة وجهان متقابلان لمفهوم واحد، هو الإنسان، فإن تشوَّه الجانبُ الإنسانىُّ الأنثوى فسوف يلحق التشوُّه بالجانب الذكورى، لا محالة.
ومن النتائج المباشرة: تصير النساء مبتذلات، رخيصات، فيزهد فيهنَّ المقاتلون بسبب وفرتهنَّ. وتنطفئ الغرائزُ التى كانت هائجة بسبب الحرمان، ثم أُشبعت فجأةً وبغزارةٍ تؤدى بالضرورة إلى الزهد فى النساء، والبحث عن شهوات أخرى تكون فى الغالب انحرافية. وفى تلك الحالة ينتشر نكاح الغلمان، مثلما حدث فى أفغانستان، حتى يصير اللواط ملمحاً أساسياً من ملامح الجهاد الداعشى.. ولن أطيل فى بيان هذه النتيجة القبيحة وشواهدها الأفغانية، ومَن أراد معرفة المزيد عنها فلينظر ما ذكرته عنها بوضوحٍ فى روايتى الأحدث صدوراً «جونتنامو».
ومن النتائج غير المباشرة: تدمير الأجيال التالية من البشر المشوهين، الذين سيأتون كثمار مريرة لهذا الهوس النكاحى والحالة الحربية المسعورة. ليس فقط لأن الحرب تُخرج أطفالَ شؤمٍ كلهم (كما قال زُهير بن أبى سلمى فى معلَّقته الشهيرة) وإنما أيضاً لأن المرأة فى النطاق الداعشى، سواء كانت أسيرةً تم بيعها أو متطوعة لجهاد النكاح أو مضطرة له، تكون قد تشوَّهت إنسانيتها. وليس بوسع امرأةٍ مثلها إلا إنجاب أطفالٍ مشوهين نفسياً. لن يمكن تربيتهم على أُسس إنسانية سليمة، لا سيما فى بلادٍ فقيرةٍ ومبتلاةٍ، كتلك التى تنفجر فيها عادةً النزعاتُ الداعشية. النزعات التى قد تنتهى جولتها فى وقتٍ قصير أو طويل، بتدخل أمريكى أو بقتل الدواعش لبعضهم أو بقوةٍ حضارية قاهرة. لكن الأثر المريع للفترة الداعشية، يبقى ممتداً من بعد زوالها، لزمنٍ مريرٍ «طويلٍ» ولن يكفى جيلٌ واحدٌ يخرج للحياة مشوَّهاً، للخلاص من آثار التدمير الداعشى العميق لمفاهيم: الإنسانية، الحضارة، الدين، الفن، القيم العليا.. وإنما ستمتدُّ آثارُ هذه البلايا الداعشية، لاحقاً، فى عدة أجيالٍ تاليةٍ.
أمر الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.