انتشار المال السياسي وتوجيه مباشر للناخبين ودعاية لأحزاب الموالاة….المصريون يواصلون مقاطعة انتخابات مجلس نواب السيسي    شركة القلعة القابضة تعتزم طرح 5 شركات تابعة بالبورصة المصرية خلال عامين    رونالدو: أعتبر نفسي سعوديا وجئت مؤمنا بقدراتها    بعد صورته الشهيرة.. ناصر ماهر ينفي امتلاكه حساب على "فيسبوك"    ياسر إبراهيم: كنا نعلم نقاط قوة الزمالك.. وزيزو لاعب عقلاني    مشاجرة الملهى الليلي.. النيابة تحيل عصام صاصا و15 آخرين لمحكمة الجنح    بالصور.. تعرض شيماء سعيد للإغماء خلال تشييع جثمان زوجها إسماعيل الليثي    بعد عرض جزء منه العام الماضي.. فيلم «الست» يعرض لأول مرة في الدورة ال 22 لمهرجان مراكش    «سنبقى على عهد التحرير».. حماس تحيي الذكري 21 لرحيل ياسر عرفات    غزة على رأس طاولة قمة الاتحاد الأوروبى وسيلاك.. دعوات لسلام شامل فى القطاع وتأكيد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية.. إدانة جماعية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. والأرجنتين تثير الانقسام    هيئة محامي دارفور تتهم الدعم السريع بارتكاب مذابح في مدينة الفاشر    مدير نيابة عن الوزير.. مدير «عمل القاهرة» يُلقي كلمة في افتتاح اجتماع «حصاد مستقبل الياسمين في مصر»    شعبة المواد الغذائية: قرار وزير الاستثمار سيساهم في تحقيق استقرار نسبي لأسعار السكر    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    تعرف على بدائل لاعبي بيراميدز في منتخب مصر الثاني    أوباميكانو يثير الجدل حول مستقبله مع البايرن    طن عز الآن.. سعر الحديد اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 أرض المصنع والسوق    مدير «عمل الغربية» يزور العمال المصابين إثر انهيار سقف خرساني بالمحلة    طقس الخميس سيئ جدا.. أمطار متفاوتة الشدة ودرجات الحرارة تسجل صفر ببعض المناطق    الأوراق المطلوبة للتصويت فى انتخابات مجلس النواب 2025    بقاعدة عسكرية على حدود غزة.. إعلام عبري يكشف تفاصيل خطة واشنطن بشأن القطاع    الشرع لمذيعة فوكس نيوز: لم نعد تهديداً لواشنطن.. ونركز على فرص الاستثمار الأمريكي في سوريا    «إهانة وغدر».. ياسمين الخطيب تعلق على انفصال كريم محمود عبدالعزيز وآن الرفاعي في «ستوري»    «الحوت يوم 26» و«القوس يوم 13».. تعرف علي أفضل الأيام في شهر نوفمبر لتحقيق المكاسب العاطفية والمالية    مراسل إكسترا نيوز ينقل كواليس عملية التصويت فى مرسى مطروح.. فيديو    «الشرقية» تتصدر.. إقبال كبير من محافظات الوجه البحري على زيارة المتحف المصري الكبير    وزارة الصحة تكشف النتائج الاستراتيجية للنسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للصحة والسكان    وزير الصحة يستقبل نظيره الهندي لتبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إدارة التراث الحضاري بالشرقية تنظم رحلة تعليمية إلى متحف تل بسطا    تحرير 110 مخالفات للمحال غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    تأكيد مقتل 18 شخصا في الفلبين جراء الإعصار فونج - وونج    معلومات الوزراء يسلط الضوء على جهود الدولة فى ضمان جودة مياه الشرب    اليوم.. استئناف متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في الجيزة    بعد قرأته للقرأن في المتحف الكبير.. رواد السوشيال ل أحمد السمالوسي: لابد من إحالة أوراقه للمفتي    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    بعد تعديلات الكاف.. تعرف على مواعيد مباريات المصري في الكونفدرالية    إقبال متزايد في اليوم الثاني لانتخابات النواب بأسوان    مشاركة إيجابية فى قنا باليوم الثانى من انتخابات مجلس النواب.. فيديو    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    شكوك بشأن نجاح مبادرات وقف الحرب وسط تصاعد القتال في السودان    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في تصادم 4 ميكروباصات بطريق سندوب أجا| صور    وفد حكومي مصري يزور بكين لتبادل الخبرات في مجال التنمية الاقتصادية    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي يشاركان في ندوة جامعة حلوان حول مبادرة "صحح مفاهيمك"    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    هدوء نسبي في الساعات الأولى من اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025    انتخابات النواب 2025، توافد المواطنين للإدلاء بأصواتهم بمدرسة الشهيد جمال حسين بالمنيب    بينهم أجانب.. مصرع وإصابة 38 شخصا في حادث تصادم بطريق رأس غارب    ضعف حاسة الشم علامة تحذيرية في سن الشيخوخة    بعد إصابة 39 شخصًا.. النيابة تندب خبراء مرور لفحص حادث تصادم أتوبيس سياحي وتريلا بالبحر الأحمر    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الداعشيةُ المعاصرةُ وأصولُها
نشر في الوطن يوم 17 - 09 - 2014


الظلُّ العالى
بفجورٍ مريع، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، وجَّهت الجماعة المعروفة إعلامياً باسم «داعش» (دولة الإسلام فى العراق والشام) ضربةً قويةً لصورة الدين الإسلامى فى الأذهان، شرقاً وغرباً. ولا أظنها مبالغةً أن نقول: إن ما فعلته «داعش» وأخواتها مؤخّراً فى سوريا والعراق وغيرهما من البلدان العربية المنكوبة بهم هو أقوى الضربات الصادمة التى تلقاها «الإسلام» عبر تاريخه الطويل، وأبشع صورةٍ رُسمت للمسلمين خلال تاريخهم الممتد خمسة عشر قرناً من الزمان.. صحيحٌ أن «الدواعش» القدماء والمحدثين، وأمثالهم من المهووسين الرافعين راية الدين للوصول إلى اللذات، أفسدوا فى الأرض باسم السماء، ارتكبوا سابقاً من الشنائع والفظائع ما يشابه أفعال الدواعش المعاصرين، وقد يزيد، إلا أن الواقع المعاصر اهتم بما جرى من جماعة «داعش» عند دخولها إلى العراق، بسبب السُّعار الإعلامى المعطوب، الذى تسارع لنشر الشنائع الداعشية الأخيرة على أوسع نطاق، عربياً وعالمياً، للأغراض العلنية والمستترة التى ذكرناها فى خاتمة المقالة السابقة، عارضاً التقارير المصورة بالغة البشاعة و«الفيديوهات» الدموية المقزِّزة، التى اقتحمت بيوت الناس وقصفت قلوبهم بمشاهد حَزِّ الأعناق وتقطيع الأصابع والأطراف، مع الاعتذار عن إذاعتها تليفزيونياً بالعبارة السمجة (السخيفة) المعتادة: نعتذر عن بث هذا التقرير الذى يحتوى على مشاهد بشعة، ننصح بعدم رؤية الأطفال لها.
عجيبٌ أمرهم! وماذا لو كان هؤلاء الأطفال يجلسون فى بيوتهم وحدهم؟ ولماذا، أصلاً، صار هؤلاء الإعلاميون يسعون لترويع عموم الناس، لا سيما الآمنين فى منازلهم؟ وألم يسمع هؤلاء الإعلاميون المعتذرون قول القدماء: إياك وما يُعتذر عنه؟!
ولسوف تتوالى سلسلة الاعتذارات، وسيقول القائمون على قنوات التليفزيون الرخوة والجرائد اليابسة كالجريد إنهم صمتوا عن الفظائع الداعشية شهوراً لأنهم ما كانوا يعرفون ما يجرى فى سوريا، لصعوبة «تغطية» الأحداث التى كانت تجرى هناك. ثم تداركوا الأمر، فصاروا يبالغون فى بثِّ البلايا الداعشية (من بعد دخول هذه الجماعة إلى العراق) بهدف التنبيه إلى هذا الخطر المروِّع.. هذا زعمهم المتوقّع سماعه منهم، وربما لا يعلم هؤلاء «الإعلاميون» أو يعلمون أنهم شاركوا فى اكتمال هذه المأساة، وكانوا فى واقع الأمر يخدمون الأهداف الداعشية بالسكوت عنها فى بداية الأمر، حتى تتكامل قوى الدواعش الباطشة بالمعاونة والدعم الخارجى: القطرى، التركى، الأمريكى. «وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ». فلما أطلَّ الهولُ، بالغ الإعلام العربى والعالمى فى إذاعة ونشر المروِّعات الداعشية، التى تحقِّق أهدافاً رخيصةً للدواعش وللمُستترين من خلفهم. أهدافاً من مثل: النُّصرة عن بُعد بإثارة الرعب، عملاً بالحديث الشريف «نُصرتُ بالرعب».. تضخيم قوتهم بالاستعلاء على الجميع وترويع الأباعد عنهم والقريبين منهم، مثلما فعل المغول من قبلهم.. إعلان بلاياهم المؤدية إلى تحطيم جميع أشكال الحضارة الإنسانية باسم استعادة مجد الإسلام، بإحياء الخلافة.
وقد ساد الاعتقادُ فى الذهنية العامة، العربية والإسلامية، بأن الحاكم هو «ظل الله فى الأرض» وتم دعم هذا الاعتقاد الوهمى بما لا حصر له من شواهد النصوص (خصوصاً الأحاديث النبوية)؛ بحيث لم يعد بإمكان أحد الشكُّ أو التشكيكُ فى هذه المسألة، وإلا واجهته التهمة المشهورة المعبَّر عنها بقولهم: إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة!.. وبالتالى، سيكون من الممكن الشكُّ فى المنطق وفى وقائع التاريخ وفى فلسفة الحضارات، كى لا يشكَّ أحدٌ أو يجرؤ على الشكِّ فى أن «الحاكم ظلّ الإله فى الأرض»؛ لأن هذا فى زعمهم «معلوم من الدين بالضرورة».. وبالتالى، يصير علينا أن نتقبّل، ونحن صاغرون بلا حولٍ ولا قوةٍ، أن حُكاماً مسلمين مثل يزيد بن معاوية (الفاجر) وعبدالرحمن الداخل (السفّاح) وأبى العباس (السفّاح) وفرج بن برقوق (الفاجر) وكافور الإخشيدى (الخصىّ) وغيرهم من أراذل الناس الذين حكموا الناس، كانوا جميعاً ظلال الله فى الأرض.
وقد سخر الشاعرُ، أعنى محمود درويش، من هذه التوهُّمات بأسلوبٍ مستترٍ فى قصيدته الملحمية الطافحة بالسخرية الهامسة، أعنى القصيدة البديعة التى جعل عنوانها: مديح الظلّ العالى.. ولحسن حظه، مات قبل أن ينتبه واحدٌ من هؤلاء المتسلّطين على الناس بالنصوص إلى أن الشاعر كان يسخر سخريةً عميقة من هذا الاعتقاد الوهمى القائل بأن الحاكم هو ظل الإله فى الأرض، ظل «العالى» سبحانه. وهكذا نفذ الشاعرُ، وبقينا نحن أحياءً حتى رأينا هؤلاء الدواعش يزعمون إقامة الشريعة، بتنصيب «ظلٍّ» للإله على الأرض، الأرض المحروقة، اسمه: أبوبكر البغدادى، خليفة المسلمين!
والدواعش جميعهم، قديماً وحديثاً، يتاجرون بهذا الوهم المسمى «خلافة» ويطرحونه على عموم المسلمين كأنه شرط من شروط الإسلام، ومبدأٌ أساسىٌّ من مبادئه.. مع أن الخلافة مجرد تسمية لنظام حُكم سياسى، تصادف أن أطلقه المسلمون الأوائل، حين أطلقوا صفة «الخليفة» على أول حاكمٍ لهم عقب وفاة الرسول، فحظى بالاسم «أبوبكر الصديق» من أجل دعم وتأكيد مكانته السياسية ببيان صلته بالنبى، وتبريراً لولايته للمسلمين، وبالتالى قطع المنازعة على السُّلطة السياسية بين المهاجرين والأنصار، بأنه خَلَفَ النبى فى الصلاة بالناس، فلا مانع من أن يخلفه فى الحكم! وهكذا سموه خليفة رسول الله.. بالمعنيين: الدينى والدنيوى.
فلما تولَّى من بعد أبى بكر بن أبى قحافة (الصدّيق)، رضى الله عنه وأرضاه، الفاروق عمر ابن الخطاب، سموه: خليفة خليفة رسول الله. ولكن، ومع تتابع الحكام الذين تولّوا الأمر بعد الشيخين (أبى بكر وعمر) وأخذوا بزمام المسلمين بالحرب والمكيدة فى أكثر الأحوال، لم يكن من الممكن أن تمتد صفة «خليفة خليفة خليفة رسول الله» إلى ما لا نهايةَ له. فما كان منهم إلا أن أسقطوا كلمة (رسول الله) من صفة الحاكم، وجعلوا مكانها كلمة (المسلمين)، فصار الحاكم الإسلامى يسمى اصطلاحاً: خليفة المسلمين، وصار نظام الحكم السياسى يسمى: الخلافة، تمييزاً له عن أنظمة الحكم السارية آنذاك تحت أسماء أخرى: الإمبراطور البيزنطى، الشاه الفارسى، النجاشى الحبشى، الخليفة الإسلامى.. هى إذن ليست أكثر من تسمية تم استعمالها أول الأمر للدعم وفض الاختلاف، ثم صارت اصطلاحاً يميّز نظام الحكم الإسلامى فى العصور المبكّرة، لا أكثر ولا أقل.
لكن الأمر صار، فى زماننا القديم والمعاصر، تجارياً. يستعمله ويتكسَّب به كلُّ مَنْ أراد الوصول للسلطة باسم الإسلام، وللدنيا باسم الدين. وهو الأمر الذى ظهر حتى اشتهر، على يد كثيرين من أهل السلطة السياسية والساعين إليها، من أمثال: الخوارج، القرامطة، الأمويون فى الأندلس، الفاطميون فى مصر، المماليك فى الشام ومصر، العثمانيون فى الأناضول وما حولها، الوهابيون فى قلب الصحراء.. وغيرهم ممن وصلوا للسلطة أو فشل سعيهم للإمساك بها، فبدا الأمرُ للبسطاء من المسلمين (العوام) وللعلماء أصحاب الأغراض، كما لو كانت الخلافة شرطاً من شروط الإسلام لا يجوز الشكُّ فيه، وإلا صار هذا المتشكّك مُنكراً لما هو معلومٌ من الدين بالضرورة.. وعلى هذا النحو المغلوط، اكتوى الشيخ على عبدالرزاق بنار معاصريه حين أنكر شرط الخلافة، ونشر رأيه هذا فى كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم».
وعلى هذا النحو المغلوط البائس، سارع الدواعش المعاصرون بإعلان رجلهم المجهول أبوبكر البغدادى خليفةً للمسلمين، من دون أن يبايعه أحدٌ غيرهم، وهو الفعل الذى يعنى ضمناً، عند العوام والمعتوهين، عدة أمورٍ متسلسلةٍ يتبع بعضها بعضاً، من أهمها: أن الدواعش يطبقون الشريعة ويقيمون الحكم الإسلامى، أن الذى لا يدين بالطاعة للخليفة الداعشى ليس مسلماً، ومهما أعلن الشهادة وأدى الفرائض وأقام الشعائر، فهو على أحسن تقدير شخص «جاهلى» حلال الدم والمال والعِرض (اعتماداً على حديث منسوب للنبى يقول فيه: «مَنْ مات وليس فى عنقه بيعة، مات ميتةً جاهلية!»)، وأن الشخص الذى يقاوم الدواعش أو يعارضهم أو يعترض على الفتاوى الهزلية التى يفجؤنا بها كل حين خليفتهم المزعوم، هو شخصٌ يحارب الإسلام ورسوله. ومثل هذا الشخص جزاؤه عندهم بطبيعة الحال معروفٌ ومعلومٌ من الدين بالضرورة، وفيه «نصُّ» الآية القرآنية الواردة فى سورة المائدة ولا يصحّ معها الاجتهاد؛ لأنه لا اجتهاد فيما ورد فيه نصٌّ! تقول الآية: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ».. وهو ما تفعله «داعشُ»؛ امتثالاً لأمر الله! وتطبيقاً لشريعته الإسلامية السمحاء! وتنفيذاً لما ورد فى كتابه العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!
واستناداً إلى تلك الأغاليط المتتالية، يفتكُ الدواعشُ بأى شخصٍ لا يعترف بخلافة هذا «الخليفة» المزعوم الذى هو عندهم «ظلُّ الله على الأرض»، والذى لا يبايعه يكون حلال الدم والعِرض والمال، مهما كان هذا «الجاهلى» الذى يعيش وليس فى عنقه بيعةٌ للخليفة.. الإمام.. الظل العالى. وبهذه الحجة الشرعية، قتل الدواعش أشقاءهم الدواعش الذين اختاروا لأنفسهم اسم «جبهة النُّصرة» مع أنهم مسلمون، وسُنّة، وسوريون فى معظمهم، ومعظمهم داعشيون (ولكن بدرجة أقلّ همجية).. وقتلوا الأكراد مع أنهم مسلمون منذ أكثر من ألف سنة، وعلى المذهب السُّنى الذى يتمذهب به الدواعش.. وتوعَّدوا بالقتل بقية المسلمين الذين لم يُبايعوا بعدُ خليفتهم المزعوم، ومن بين هؤلاء الموعودين بالقتل والصلب وتقطيع أيديهم وأرجلهم: أعضاء تنظيم القاعدة الذين يعتبرهم الدواعش خوارج، الإخوان المسلمون ورئيسهم السابق الذى يعتبره الدواعش خائناً، خادم الحرمين الشريفين الذى يخدم «الكعبة» التى يريد الدواعش هدمها لأنها كانت فى الأصل بيتاً للأوثان.
واستناداً لما سبق أيضاً، ولأن دولة الإسلام قامت (حقاً وفعلاً) فى ظن الدواعش المعطوبة عقولهم، حين تم تنصيب الخليفة المسلم أبوبكر البغدادى (الظل العالى)، فلا مانع من الانهماك فى القتل باسم الإله لإشباع النزعات البدائية الموروثة من الأزمنة الهمجية المبكرة؛ حيث كان البشر أقل درجة من الحيوانات.. ومن هنا قتل الدواعش الجميع؛ قتلوا العلويين الذين يعلنون أنهم مسلمون شيعة (مع أنهم «نُصيرية» منشقَّون منذ قرون عن الإسلام) وقتلوا المسيحيين لأنهم مسيحيون، والأيزيديين لأنهم أيزيديون، والأجانب لأنهم أجانب. ولو قدر الدواعش بعد حينٍ على «الدروز» لقتلوهم لأنهم دروز، ولو غلبوا رجال حزب الله الشيعى يوماً لفتكوا بهم لأنهم رجال حزب الله الشيعى.. ولو تمكنوا من كل الناس، لفعلوا بهم كل ما فعلوه مع كل الناس.
باسم الإسلام، والخلافة، يسعى الدواعش (القدماء والمعاصرون) للقتل ويجدون المبرِّر الدينى الذى يحقق لهم كل ما يبتغون: القتل للتنفيس عن النزعة الهمجية الكامنة فى النفوس.. القتل للاستيلاء على الأموال والأرض، التى كان يملكها المقتولون قبل قتلهم.. القتل لجلب السبايا من النساء، للتصبُّر حيناً بنكاحهم، إلى حين الالتحاق بالجنة ونكاح الحور العين والغلمان المشرقين كاللؤلؤ المكنون! فى القتل، كل الأمانى الداعشية لا يمكن تحقيقها وإضفاء المشروعية عليها، إلا من خلال إحياء وهم «الخلافة» والبهرجة على العوام بأنها شرطٌ من شروط الإسلام.
ومع أن لفظ «الخليفة» هو، من حيث اللغة، كلمة مؤنثة، إلا أن التصورات المرتبطة بمفهوم الخلافة تتضمن كلها إهانة المرأة والحطّ من شأنها.. فلا تصح ابتداءً خلافة النساء أو إمامتهنَّ، وأول شروط «الخليفة» عند المصدِّقين به، وعند عوامِّ الناس وجُهّالهم، أن يكون هذا الخليفة بالضرورة: رجلاً. ومن يُنكر ذلك يُقَم عليه الحدّ؛ لأنه أنكر ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة، وقد ورد فى النصّ (ولا اجتهاد فيما ورد فيه نصّ) قول النبى: «لا يفلح قومٌ ملكت زمامهم امرأة».. وقد رأينا كيف أُهين المصريون قديماً من غيرهم، عندما ملكت زمامهم وتولَّت أمرهم «شجر الدر» فعايرهم العراقيون بقولهم الساخر: إذا كانت مصر قد خلت من الرجال فأخبرونا لنبعث لكم رجلاً من عندنا ليتولى عندكم الحكم.. فاضطرت شجر الدر للدخول فى «عصمة» رجل، وجرى الدم من بعد ذلك أنهاراً.
كما ارتبطت الخلافة دوماً باستباحة النساء، سواءً كانت المرأة زوجةً من أربع زوجات شرعيات، أو «أم ولد»، أو واحدة من النساء اللواتى يُعرفن باسم «ملك يمين»، أى يمين الرجل، وهاتيك النسوة المملوكات لا حصر لعددهنَّ شرعاً.. وقد تستباح النساء فى إطار الخلافة الداعشية، عن طريق الإهداء من أخٍ داعشىٍّ أراد أن يُجامل أخاه الداعشى الآخر ويذيقه من العسل المستطاب.. الحلال، على زعمهم.. المتاح لهم، من بعد طول حرمانهم.. المثير مجاناً للغرائز البدائية.
طيب.. لقد طال الكلام وكاد يتجاوز المساحة المسموح بها، والقدر المتاح التصريح به، فلنستكمل كلامنا الأسبوع المقبل بالحديث فى المقالة المقبلة عن: النهج الداعشى ولوثة الأنوثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.