يا ويل من يقع فى خصومة مع الشعب المصرى! ده شعب لسانه طويل! ده شعب رداااح! معنى واحد يقال بأكثر من صياغة وطريقة، جملة سمعناها كثيراً خصوصاً فى مؤتمرات أو جلسات أو لقاءات خارج مصر، كتبت كثيراً ولو بين السطور، رددت كثيراً وفى أماكن أكثر. الذين يقولون أو يكتبون أو يرددون ذلك يسوقونه فى قالب كوميدى وكأنه إشادة بقدرة هذا الشعب على رد من يتطاول عليه، ودائماً يدللون على ما يقولون بثلاثة أمور، الأول برامج التوك المصرية، يذكرون أسماء وحالات بعينها ويوجد سباب فج يقال على الهواء مباشرة، ومازال مستمراً وبعض هؤلاء يتمادون فى التعميم بأن الإعلام المصرى هو إعلام رداح. أما الأمر الثانى، فهو مواقع التواصل الاجتماعى ورواده من المصريين والقدرة المتناهية على ابتكار أساليب للسباب والشتيمة وقلة الأدب. ثالثاً الدراما والسينما المصرية وفيهما جرعة زائدة على الحد فى الحوار من الشتيمة والسباب الصريحين، وفى النهاية يختم من يسوق هذه المبررات بابتسامة صفراء ويقول: «ابعد عن الشعب المصرى». والحقيقة أن الذى دفعنى للكتابة والتصدى لهذا الموضوع هو أن هناك صورة نمطية بدأت تلصق بهذا الشعب العظيم، مفادها «قلة الأدب، السباب والردح». ولو لم نقف فى وجه من يسعى لتأكيد هذه الصورة النمطية وفى وجه الممارسات التى تجعل الناس يقولون ذلك علينا سننتهى إلى صورة تسىء إلى قيمة وحضارة وعمق هذا الشعب، هذا الشعب الذى علم البشرية جميعاً وبلا أى استثناء معنى القيم والضمير الإنسانى ولعل «هنرى برستيد» فى كتابه «فجر الضمير» يؤكد تماماً هذا المفهوم وقس على ذلك المنجز الحضارى فى مصر من الفرعونية إلى مصر الحديثة. ثم إن ما يفتخر به المصريون لا ينطوى على ثراء أو أى شىء سوى منظومة تقوم فى معظمها على الثقافة والفن والتحضر، تبدأ من أخناتون أول من أوجد عقيدة التوحيد مروراً بالعظات الفرعونية القديمة وصولاً إلى رواد التنوير «الطهطاوى، طه حسين، على مبارك، العقاد، أم كلثوم، عبدالوهاب، ونجيب محفوظ» لتتخطى مصر حيز ومفهوم بوابة الشرق إلى بوابة العالم والكون فى نشر منظومة القيم الأخلاقية للشعوب. إذن، علينا ألا نسعد أو نرسم ابتسامة بلهاء حين نسمع صفة جديدة يسعى من يلصقها بهذا الشعب لنسف هذا التاريخ، كما يجب ألا نقبل بظهور تلك الموجة الشاذة لفريق الرداحين المصريين فى الإعلام أو فى الفن أو حتى فى الشارع، وهنا لا أدعو إلى تقييد حريات أو قمع أشخاص بل أدعو إلى إحياء موروث التحضر فى داخل المواطن المصرى، أدعو إلى محاربة المملوك الشتام القابع فى داخلنا. فالصورة النمطية التى تلتصق بالشعب تضر به، فلنا أن نتخيل تلك الصورة التى التصقت بالمرأة الفلبينية باعتبارها خادمة مع كامل تقديرنا لها ولدورها، أو تلك الصورة الأخرى التى ارتبطت بشعب آخر باعتباره كذا أو كذا. لذا أؤكد أنه ليس الأمن العسكرى وحده هو الذى يحقق الأمن القومى للدول بل هناك أنواع أخرى من الأمن ذكرها المتخصصون منها الأمن الاقتصادى والاجتماعى والتنمية وغيرها لكننى أرى، بل أطالب بأن يكون هناك نوع آخر من الأمن القومى وهو «الأمن الأخلاقى للشعوب». فإذا كانت أجهزة ومؤسسات الدول تحقق للشعوب أمنها داخل الحدود فإن قدرة وقوة منظومة القيم والأخلاق للشعب تحمى وتثبت وتقوى الاثنين معاً الدولة بمفهومها المؤسسى والشعب بمفهومه القيمى. وأشير أيضاً إلى أن هناك جزءاً من أزمة العقل العربى مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمنظومة القيم والأخلاق وهنا أشير إلى كتاب النقد الأخلاقى العربى للمفكر المغربى العربى الكبير محمد عابد الجابرى، الذى رصد بدقة كيفة بناء وانهيار منظومة الأخلاق والقيم العربية، وكيف يجب أن تكون هناك يقظة فى رصد أى تدهور أخلاقى للشعوب صاحبة المنجز الأخلاقى. ومن هنا أدعو، بل أطلب من الجميع أن نتبنى جميعاً حملة عنوانها: المصرى ميقولشى كده.. المصرى ميعملش كده.. تصرف بما يليق بكونك مصرياً.