بطريرك السريان يزور الكردينال جان مارك رئيس أساقفة أبرشية مرسيليا    دليلك الكامل ل بطاقة الخدمات المتكاملة 2024.. الاستعلام وشروط التسجيل والأوراق والمزايا    أبرز تصريحات وزير المالية بشأن تخفيف الأعباء الضريبية| إنفوجراف    البحيرة: وصول 103 آلاف شجرة بالمرحلة الثانية ل "المبادرة الرئاسية"    «المنشاوي» يشيد بالعمل المتواصل بجامعة أسيوط من أجل بيئة أفضل    المبعوث الأمريكي إلى لبنان: وقف الحرب بغزة ينهي التصعيد بين لبنان وإسرائيل    نتنياهو: بلينكن أكد سعي أمريكا لإلغاء قيود تقديم السلاح لإسرائيل    مقتل وإصابة 23 شخصا وفقدان 20 جراء انهيارات أرضية في الإكوادور    سرب نحل يغزو ملعب ألمانيا ضد المجر قبل مباراة غد فى يورو 2024.. صور    روسيا: نتعامل بشكل جدي مع تغيير عقيدتنا النووية    كولر: أرفض «التلقيح» بشأن موديست.. وغير مقبول التشكيك في سمعتي    كولر: أرفض "التلقيح" حول علاقتي بموديست.. وترتيب المهاجمين مُتغير    إنقاذ 61 حالة من الغرق وتسليم 87 طفلا تائها إلى ذويهم برأس البر    إقبال على الحدائق والمتنزهات العامة بالشرقية خلال عيد الأضحى| صور    مساعد وزير الداخلية الأسبق: الجرائم تكتمل بمجني عليه «جاهل طماع» ومتهم «ذكي محتال»    الأمم المتحدة: نعانى فى إدخال المساعدات من معبر كرم أبو سالم    ⁠توافد كبير من الزائرين على المواقع الأثرية والمتاحف خلال عيد الأضحى    أحلام تطمئن الجمهور على حالتها الصحية قبل حفلها في الكويت (فيديو)    تفاصيل أكبر حفل جماهيري لتامر حسني في عيد الأضحى 2024 (صور)    تناولها من النهارده، أطعمة تخلصك من وزنك بعد الفتة والرقاق    بيت الزكاة والصدقات يستعد لتوزيع 300 طن لحوم على المستحقين غدا    عاجل.. إيقاف قيد الزمالك رسميا    «ري كفر الشيخ»: متابعة مناسيب المياه بالترع والمصارف على مدار الساعة    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    دار الإفتاء عن حكم التعجل في رمي الجمرات خلال يومين: جائز شرعا    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    لسهرة مميزة في العيد، حلويات سريعة التحضير قدميها لأسرتك    مطران مطاي يهنئ رئيس مدينة سمالوط بعيد الأضحى    «دعم اجتماعي ومبادرات خيرية» كيف غيّرت قصة بائع غزل البنات من حياته؟    13 ذو الحجة.. جدول المصحف المرتل بإذاعة القرآن الكريم غدا    أخبار الأهلي : تصنيف "فيفا" الجديد ل منتخب مصر يفاجئ حسام حسن    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إنتاج وتكنولوجيا القطن بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    الجارديان: حل مجلس الحرب سيدفع نتنياهو لمواجهة الفشل وحده    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    البحيرة تنظم رحلات نيلية وكرنفالات وعروض فنية احتفالا بعيد الأضحى    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    الاتحاد الأوروبي والصين يعقدان الحوار ال39 بشأن حقوق الإنسان والعلاقات المشتركة    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام.. و«قلة الحياء»

لسنوات طويلة عشت مقتنعاً بأن «الحياء» سمة رئيسة من سمات الشعب المصرى، وأنه مهما تبدلت الأحوال، وتطورت الوسائل، وزادت تبعات التواصل مع العوالم الخارجية، فإن الجسم الأساسى للأخلاق الوطنية يتحلى بالتماسك، وينضبط ضمن خطوط حمراء وأسقف يصعب جداً تخطيها.
لكن المتابعة الفاحصة للمجال العام الراهن، وخصوصاً ما يظهر فيه ضمن الخطاب السائد فى الشارع والبيت والمؤسسة وفى وسائل الإعلام المختلفة، تنذر بمخاطر وخيمة على ذلك الحياء المفترض، وتكشف بوضوح عن اختلالات عميقة أصابت الوجدان الوطنى ولطخت ما عُرف عنه سابقاً من احترام ونقاء وتمسك محمود بالتقاليد الإيجابية والأعراف ذات الاعتبار.
يفرض علينا التردى الواضح فى لغة الخطاب المتداول ضمن المجال العام فى مصر راهناً إعادة الحسابات فيما يخص أسباب هذا التردى، والسياق الذى ينشط فيه، وتداعياته المتوقعة على سلم القيم الوطنية، والمخاطر التى قد يجرها علينا، وأخيراً كيفية تحجيمه، ومحاولة الحد من تغوله وتكرسه كحالة عامة لا يبدو منها فكاك.
ليس من المهم جداً معرفة نقطة البداية فى إشاعة هذا القدر الكبير من البذاءة والتدنى فى اللغة العامة المتداولة اليوم؛ إذ بلغ هذا التدنى درجة من الهيمنة والانتشار تُصعّب على أى جهد حقيقى مهمة تقصى مصدره الأول.
ورغم أن وضعاً مختلطاً كهذا لا يجعل من السهل إلقاء اللوم بالكامل على وسائل الإعلام تحديداً فى إشاعة قدر لا بأس به من تدنى الخطاب العام وتردى اللغة المتداولة وتكثيف الإيحاءات والصور البذيئة والترويج ل«قلة الأدب»، إلا أن تقصياً موضوعياً ونظرة إحاطية يقودان بوضوح إلى دور خاص للإعلام، يجعله مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن تسريع البذاءة وتدويرها، وربما إكسابها قدراً من المشروعية، وإخراجها من الأطر الضيقة الممجوجة إلى الإطار العام المتداول والمقبول.
لا ينفى هذا بالطبع أن الدولة فى الكثير من تعبيراتها بدت أكثر انفلاتاً وأقل حياء، كما يظهر فى تدنى لغة بعض الوزراء والمسؤولين إلى حد اعتماد مفردات خطاب مأفون لا يتم تداوله سوى فى الأوساط المشوهة والممسوخة فقراً وخلقاً. البرلمان أيضاً بات يطفح بملاسنات لا تليق سوى بلغة الحوارى المنحطة، بحيث أصبح المحذوف من المضابط، تعففاً وخجلاً، بحجم ما قيل عن الموازنات ومشروعات القوانين الخطيرة.
دعك من لغة الأحزاب السياسية التى تشهد صراعات بلطجة ومشادات ومعارك حقيقية ضمن سياق شامل من الانحدار فعلاً وقولاً، ودعك كذلك من اللغة غير المعلنة، التى يستخدمها بعض الرسميين، مهما كانت منزلتهم، وأياً كان جلال المواقع التى يشغلونها، فيعطون أسوأ الانطباعات عن أنفسهم وعن عائلاتهم وعن المجموع العام الذى يعبرون عنه من خلال مناصبهم، ويسحبون أتباعهم إلى طريق الانحدار والبذاءة ذاته؛ إذ يمكن القول دائماً إن تلك التجاوزات لا تجد طريقاً سهلاً إلى أسماع المواطنين وأفئدتهم.
لكن المجال العام بات مختنقاً بتداعيات ذلك الانحدار؛ والجيل الطالع يسمع السياسيين يتداولون السباب والألفاظ الشائنة، ويشاهد ويقرأ عبارات منحطة وشتائم يتم تبادلها فى البرلمان، ويتعرض إلى أبشع صور البذاءة فى الشارع والمدرسة والنادى والمصلحة والمرفق العام، ويتحول هدفاً سهلاً ومتاحاً، على مدار الساعة، لقدر ضخم وبث متواصل للتردى والانفلات الأخلاقى، عبر منظومة متكاملة من الأغانى والأفلام والبرامج والإعلانات المسيئة والمسفة والغارقة فى الانحلال والقبح.
وليت الأمر اقتصر على انفلاتات ما يسمى ب«الإعلام التقليدى» أو «الإعلام النظامى»، الذى يصدر أو تباع نسخه المطبوعة بقرار من سلطة إدارية، أو الذى يبث عبر أثير أو قمر اصطناعى خاضع لسلطة عامة، أو حتى ذلك الذى تملكه الدولة وتموله وتشرف على محتواه، ولكنه امتد إلى ما يسمى ب«الإعلام الجديد» أو «الإعلام غير النظامى»، وقوامه عدد من المواقع الإلكترونية غير معلومة الهوية وغير الخاضعة لقدر واف من المتابعة والضبط، والمحتوى التفاعلى على بعض المواقع الإلكترونية النظامية، والمحتوى المتداول عبر المجموعات البريدية والشبكات الاجتماعية، وبعض المدونات، ورسائل الهواتف المحمولة التى تحوى مقاطع مصورة يتم تداولها من دون أى ضابط.
من الصعب جداً أن يتبنى مثقف حقيقى أياً من إجراءات الملاحقة والتضييق على الحريات، كما أنه من غير المفهوم أن يدعو إعلامى إلى مزيد من الضبط والرقابة لبعض المحتوى المتداول ضمن وسائل الإعلام «التقليدية» و«الجديدة»، خاصة وأن الحرية شرط مهم لازدهار أى فكر أو إبداع وسياق ضرورى للنمو والتقدم فى شتى المجالات.
لكن المخاطر بدت أكبر من أى قدرة على المواراة؛ فقدر غير قليل من أسباب الفتنة الطائفية المشتعلة فى صعيد مصر راهناً يرجع إلى انفلاتات ما يسمى ب«الإعلام الجديد»، وذلك الإعلام نفسه بات، فى جزء منه، مصدراً للتطرف والفتن وترويج الانحلال، فيما يواصل «الإعلام التقليدى» انحداره باللغة والأخلاق، بحيث بات النفاذ والرواج عبره مقرونا بالبذاءة وقلة الحياء.
إذا لم نتوقف، الآن وهنا، ونسأل أنفسنا إلى أى قدر تورطنا جميعاً فى استبعاد الحياء من أخلاقنا الوطنية، فسندفع من أمننا وقيمنا وقيمتنا الكثير، وسنورث أبناءنا وطناً غير هذا الذى ورثناه.. وطناً بلا أخلاق وطنية.. مبتذلاً و«قليل الحياء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.