كتب الأستاذ مجدى الجلاد مقالاً بعنوان «أنا مكسوف»، وكان هذا المقال من وحى حضوره لقاء الإعلاميين مع سيادة الرئيس.. ويبدو أن الرجل لأول مرة جمعته صدفة اللقاء ببعض هذه الوشوش التى تطل يومياً على المشاهدين الغلابة، والأكيد أنه صُدم صدمة كبيرة فى المستوى العقلى والمهنى بل والأخلاقى أيضاً لبعضهم. وهنا أستغرب جداً؛ هل كان الأستاذ مجدى الجلاد بحاجة إلى لقاء مباشر ليكتشف حقيقة وخطورة هذه الوجوه؟ أسئلة كثيرة تجعلنى أتصور أن الرجل طوال الفترة السابقة كان قابضاً على جرح، تحمّله صامتاً حتى لا يغضب بعض المحسوبين عليه أنهم زملاء مهنة، ولكن حين أدرك أن الاكتراث بغضب الآخرين سيكون على جثة الوطن انفجر بكم تساؤلات كان محلها ومكانها طاولة الرئيس. يا صديقى «مجدى».. كنا سنصفق لك كثيراً لو طرحت أسئلتك على الرئيس مستثنياً الجادين منهم: هل هؤلاء الذين تراهن عليهم فى إعادة تشكيل الوعى العام؟ هل باتت شاشات الفضائيات نوافذ مجانية لمن ليس لديهم سوى شهوة الكلام؟ هل هؤلاء هم المسئولون عن مواجهة المخاطر التى تواجهنا؟ لكن السؤال الذى لا يقل أهمية عن هذه الأسئلة أيضاً: أليس يا سيادة الرئيس توجيه دعوة لهذه النوعية، وهذه الوجوه، اعترافاً بها؟ بل مباركة لمجهوداتها؟ ألم تتصور يا سيادة الرئيس شعور أهل غزة وهم يرون من ظلَّ أسابيعَ يكيل السباب إليهم متوهماً بجهل أن كل غزة هم حماس؟ ألم تتصور كم سيؤلمهم وهم يرونه جالساً على طاولتك وأنت توزع له الابتسامات بين الحين والآخر؟ ألم تتخيل يا سيادة الرئيس شعور أولئك الذين انتُهِكَت خصوصياتهم ونشرت تسجيلاتهم على الهواء مباشرة وهم يرونك تمازح من أذاع وفضح ونشر؟ ألم تتصور يا سيادة الرئيس أن استضافتك لمن يتفاخر يومياً بعلاقاته مع أمن الدولة وأنه «مصدرها الدائم فى الإعلام» ستجعل الدولة كلها فى مأزق بأنها تزرع مخبريها فى الإعلام؟ مجدى الجلاد لم يتحمل ما سمعه وجهاً لوجه من بعض هذه الأصوات.. فكيف لهذا المشاهد المسكين الذى تركته قبيلة الإعلام الجاد ومؤسسات الدولة مستباحاً أمام أبواق ليس لديها شهوة الكلام كما وصفها مجدى فقط بل لديها شهوة التخريب. واضح أن مجدى الجلاد يعرف سبب المشكلة حين قال «أقسى ما آلمنى أن فى مصر رجال أعمال وأصحاب أموال يفتحون محطات فضائية دون أن يضعوا معايير لمن يظهر على الناس». هذه هى بداية المشكلة وأصل الحل، وهنا أؤكد فى البداية أننا لسنا ضد أن يكون هناك رجال أعمال يستثمرون فى الإعلام المرئى أو المكتوب ولكن نريدهم أن يستثمروا فقط، لا أن يستثمروا ويديروا ويتدخلوا. لا يضر على الإطلاق أن يسلم رجال الأعمال جزءاً من الأمر إلى «الإعلانى» ولكن فليسلموا جزءاً آخر إلى «الإعلامى» الحقيقى صاحب الخبرة والدراية وينسقوا بين عمل الاثنين حتى لا تطغى «نون» الإعلانى على «ميم» الإعلامى. أما ما يخص الدولة فإن عليها أن تتدارك بسرعة تلك المقولة التى تكرست فى الوسط الإعلامى والثقافى العربى -وهذا ما سمعته فى أكثر من مؤتمر وندوة ولقاء وحاولت جاهداً أن أشرح أن تلك الأصوات ما هى إلا أصوات نشاز يستهجنها المواطن المصرى العاقل قبل أن يستهجنها المواطن العربى- هذه المقولة هى: «الدولة المصرية ومؤسساتها تؤجر وتستخدم أصواتاً إعلامية قبيحة لتصفية خلافاتها مع شعوب دول بعينها ومؤسسات وأفراد». دولة مصر وأصواتها المخلصون باتوا مسئولين أمام الله والتاريخ عن دحض هذه المقولة، حين تتجاوز الأخطاء الإعلامية مفهوم الأمن القومى إلى مفهوم الأمن الأخلاقى وقتها سنجد أنفسنا منشغلين طيلة الوقت بالاعتذار لشعوب عربية بأن مصر ليست ما تتابعونه على شاشاتها بل هى بريئة منه، وكأننا أمام نوعين من الإعلام، إعلام ردّاح وهو الأعم الغالب، وإعلام آخر يعتذر ويتأسف ويدافع عن وجه مصر الجميل وعن مدرسة الإعلام المصرى الرزين الذى أسس رواده معظم القنوات الفضائية الناجحة الآن.