«أم فاطمة» سيدة عجوز كانت تجلس أسفل كوبرى الجلاء، أمام مبنى الأهرام، لتبيع أشياء بسيطة، لم أعرف عمرها، لكن خطوط الزمن العريضة التى كانت تشق جبهتها طولاً وعرضاً، تقول إنها قد جاوزت السبعين من العمر، منذ أن رأيتها للمرة الأولى وعلى مدار سنوات، وهى ترتدى نفس «الجلابية والطرحة السوداوين». وما لا أنساه من ملامح تلك السيدة العجوز ابتسامتها التى كانت تسيل على وجهها كالمياه العذبة عندما تشق أرضاً بوراً جافة.. ومن ضمن ما كانت تبيع، قلم جاف أسود من نوع «بريما»، الذى كنت أحب الكتابة به، وكنت أشترى منها ما أجده لديها من أقلام يومياً. وفى أحد الأيام كنت أسير متجهاً نحوها، لكن استوقفنى صديق على مقربة منها، حيث كانت ترانى، فإذا بها تجمع الأقلام التى كانت أمامها التى لم أحص عددها وخبأتها خلف ظهرها، فقط وضعت أمامها ثلاثة أقلام، وهى تراقبنى حتى لا أراها. فعلت ذلك لشعورها أننى لا أحتاج يومياً لهذا الكم من الأقلام، وأننى أشتريها من أجلها، ورغم حاجتها لذلك فإنها خبأتها، وسار صديقى واتجهت نحوها، ووجدت ثلاثة أقلام، وسألتها: مفيش أقلام تانية؟ قالت: الحمد لله يا ابنى بعتها كلها ومش باقى غير دول، وسألتها: هل لديك أولاد؟ قالت: بنت واحدة، لكن مريضة وجوزها طلقها لأنه ما قدرش يستحمل مرضها، وعندها 3 عيال، وكرد فعل تلقائى حاولت أن أعطيها مساعدة، رفضت، وقالت لى: يا بنى أنا قاعدة هنا علشان أبيع مش علشان أشحت فقلت لها: ربنا يعينك يا أمى. وفى أحد الأيام وجدتها تُعطينى ورقة مهلهلة، وتقول لى، يا بنى انت صحفى وأكيد بتشوف الريس، ممكن لما تشوفه، تديله الجواب ده، وتقول له، ده من أم فاطمة بتاعة بولاق، فسألتها: يعنى هو عارفك يا أمى، قالت بكل ثقة، يا بنى ده الريس أكيد عارف الناس كلها، وأنا سمعته مرة بيقول أنا عارف كل واحد عايش إزاى، فأخذته منها، وكتبته مرة أخرى على ورقة جديدة، وأرسلته لرئاسة الجمهورية، وتركت بياناتى كوسيلة للتواصل، لكن لم يتصل أحد، وكان نصه كالتالى بعد تعديل بعض الأخطاء الإملائية: «إزيك يا ريس، أنا أم فاطمة بتاعة بولاق، إحنا تعبنا أوى يا ريس، والبت بنتى المرض هَدّها، وكل ما أروح المستشفى يقولوا البت لازم تسافر بره تتعالج، طيب ليه يا ريس مفيش علاج عندنا، وبيقولوا إن البت عايزة 5000 جنيه علشان تسافر بره -طبعاً هى 500 ألف جنيه، لكنها لم تفهم الرقم، واعتقدت أنه 5000 جنيه- طيب منين يا ريس وانت عارف أنا بلم كل يوم 15 جنيه بالعافية بعد ما الشمس بتاكلنى وساعات بتعب وما بقدرش أروح السوق وما بنلاقيش حاجة ناكلها أنا وعيال بنتى، ده غير الراجل صاحب البيت إللى كل شوية عايز يطردنا علشان الإيجار، علشان كده أنا قلت لبنتى لازم الريس يعرف، والبت المجنونة قالت لى: ريس إيه يامّا، هما حاسين بحد، لكن أنا قلت لها عيب يا بت، الريس بس مشغول لكن إحنا لازم نفكره، معلش يا ريس البت ساعات من المرض بتهلفط فى الكلام، علشان كده أنا بعتلك الجواب ده، لو تعرف حد يعالج البت، ويقسط الفلوس، انت عارف يا ريس الضنا غالى، ربنا يخليلك جمال وعلاء والست الكبيرة، والنبى ما تنسانيش يا ريس لحسن البت مقطعة قلبى». عزيزى المرشح لرئاسة بلدنا، أم فاطمة بتاعة بولاق ماتت، قبل أن يقرأ السيد الرئيس خطابها، وقبل أن يجد لها «واحد يقسط لها فلوس عملية فاطمة، إللى هى فاكراهم 5000 جنيه». عزيزى المرشح لرئاسة بلدنا.. «والنبى ماتنساش مصر، لحسن مقطعة قلبى أوى، وأنت عارف لما التعب بيزيد عليها بتهلفط بالكلام».