بريق "كرسي الرئاسة" يغري أصحابه بقوة، بين متمسك بمنصبه لفترة إلى من يتشبث به حتى آخر لحظة في حياته.. ذلك المنصب الذي "يشيطن" من يجلس عليه، فنرى الآراء تتبدل، والمواقف تتغير، تصريحات وأفعال متناقضة خرجت من قلب جماعة الإخوان، بدأت حينما كانوا في الحكم، وتحديدا على كرسي مجلس الشورى، رفض الإخوان الانضمام لاتفاقية "روما" في فبراير 2013، والخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية؛ بادعاء "تسييس المحكمة وسيطرة الدول الكبرى عليها، والتدخل في الشأن الداخلي المصري"، وردًا على طلب النائب السلفي عادل عفيفي، بتصديق مجلس الشورى على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، قال النائب عز الدين الكومي، عضو مجلس الشورى عن حزب الحرية والعدالة المُحل: "طالما المؤسسات الدولية عاجزة عن إلزام الدول الكبرى بالكف عما تفعله من جرائم، فلن يكون لها القدرة على تحقيق العدل المنشود". بعد توجيه هذا النقد إلى المحكمة الجنائية الدولية، تحول الإخوان موقفها وتلجأ إليها في موقف مغاير تماما، بعدما أعلن مجلس الشورى "المُنحل" من قاعة مناسبات مسجد رابعة العدوية، مقر اعتصام الإخوان بعد عزل مرسي، رفع قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية بأسماء قيادات في الدولة بادعاء "انتهاكات ضد الإنسانية ومجازر دموية في مصر"، أحلام واهية تعيش في ذهن الجماعة وأعضاء التنظيم الدولي في لندن لمحاكمة عدد من الرموز الدولة المصرية، على رأسهم المشير عبد الفتاح السيسي، المرشح الرئاسي، تسطّر فشلا جديدا في سلسلة الفشل الإخواني، الذي لحق بالجماعة منذ توليهم الحكم بعد ثورة 25 يناير، فقد رفضت الجنائية الدولية الدعاوى المقامة من الفريق القانوني الدولي للإخوان عن مجمل الأحداث منذ 1 يونيو 2013، رغم تأكيد رموز الجماعة أن الأمور تسير على ما يرام، وأن المحكمة وافقت على الدعاوى، وبصدد إصدار أحكام لصالحها. أرجع الدكتور، مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، سبب لجوء الإخوان إلى المحكمة الجنائية الدولية رغم رفضهم لها في السابق، أثناء وجودهم في مجلس الشورى، إلى ضعف الإخوان في مقابل الحكومة المؤقتة، وقال "السيد" في تصريحات ل"الوطن" إن الإخوان يرون قاعدتهم الشعبية تقل أمام شعبية الحكومة الحالية التي يأخذ نجمها في الصعود، لذا فهم يسعون إلى وضع عقبات أمامها، ويغيرون من مواقفهم بادعاء أن المحكمة الجنائية الدولية، والرأي العام العالمي معهم وأنهم الحكومة الشرعية في البلاد. وفي نفس السياق، قال سامح عيد، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، والمنشق عن جماعة الإخوان، إن فكرة التناقض تسيطر على تنظيم الجماعة منذ تأسيسها على يد حسن البنا، فتلوين الآراء السياسية في سبيل المصلحة، ليس بجديد عليهم، بل هو أسلوب حياة متبع، فهم يستغلون الدين بشكل سياسي لإباحة كل ما هو ضد العقل والمنطق، ودلل "عيد" على كلامه بتصريحات أفراد الجماعة يوم 24 يناير عندما قالوا إنهم لن ينزلوا للميادين "مع شوية عيال"، إضافة إلى مواقفهم التي لن ينساها التاريخ أثناء الحكم الملكي، ومع حكومة مصطفى النحاس والإنجليز، وعبد الناصر، و"حتى مبارك قالوا عنه إنه أبوهم". رغم تعاقد الجماعة مع مكتب "ICC" للمحاماة ببريطانيا، وتسليمه تقارير عن الأحداث التي شهدتها مصر، إلا أن رد المحكمة جاء بعدم الاختصاص؛ لأن مقدمي الطلب لا يمثلون الحكومة المصرية، لعدم توقيع الدولة المشكو في حقها على الاتفاقية الجنائية الدولية، إضافة إلى عدم مبادرة أمين عام الأممالمتحدة بتقديم طلب إلى مجلس الأمن يتعلق بإحالة موضوع معين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر لم يقم به أمين عام الأممالمتحدة، إلا أن الفريق القانوني الدولي المكلف من أعضاء في مجلس الشورى المحل وحزب الحرية والعدالة "الإخوانيان" يصر على تقديم الدعوى للمحكمة الجنائية الدولية، وبنى قراره على البند الثالث من المادة الثانية عشرة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وجاء في بيان الجنائية الدولية: "تم رد الطلب الهادف إلى قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في شأن مصر، باعتبار أنه غير مقدم نيابة عن الدولة المصرية.. في 13 ديسمبر 2013 قام عدد من المحامين الذين يمثلون حزب الحرية والعدالة وموكلين آخرين بإيداع طلب لدى رئيس سجل المحكمة الجنائية الدولية، بهدف قبول اختصاص المحكمة وفقاً للبند 3 من المادة 12 من نظام روما الأساسي في شأن الجرائم المدعى بارتكابها على أراضي الدولة المصرية منذ 1 يونيو 2013". وأضاف البيان: "إثر تسلّم الطلب، ووفقًا للإجراءات المعتمدة لدى المحكمة، تحقق سجل المحكمة لدى السلطات المصرية ما إذا كان هذا البلاغ مقدمًا بالنيابة عن الدولة المصرية، ولم يتسلّم ردًا إيجابيًا بهذا الخصوص، وبعد التدقيق أبلغ رئيس السجل مقدمي الطلب بعدم إمكان اعتباره بمثابة إعلان بقبول اختصاص المحكمة وفقاً للمادة 12.3 من نظام روما الأساسي". وأوضح سامح عيد، الباحث في مجال الشؤون الإسلامية ل"الوطن" أن تصريحات الإخوان منذ بداية ثورة 30 يونيو، تميل إلى أن أمريكا لن تقبل بما حدث في مصر، ولهذا رفعوا عدد من القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية، وليست قضية واحدة، وأشار "عيد" إلى أن ذلك نوع من أنواع الضغط على الحكومة الحالية، بمظاهرات داخلية، ومحاكمات خارجية، وأوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أن ذلك يعد تلويحا أيضا للرئيس القادم بأنه ستتم ملاحقته عقب استكمال مدة رئاسته.