مليونان ونصف المليون سوري، نصفهم من الأطفال، اضطروا إلى الفرار من سوريا منذ مارس 2011، قصد 100 ألف لاجئ سوري منهم أرض الكنانة، خضع منهم أكثر من 1500 لاجئ سوريّ وفلسطينيّ يحملون وثيقة سورية للاحتجاز في مصر بين أغسطس 2013 ويناير 2014، وذلك لمدة تراوحت بين بضعة أيام وأربعة أشهر، واستمر احتجازهم رغم صدور قرارات بإخلاء سبيلهم من النيابة العامة، ورغم عدم ثبوت ضلوعهم في أي مخالفات قانونية، أجبر 17 سوريًا على العودة مباشرة إلى داخل سوريا عقب إطلاق سراحهم، واضطر أكثر من 280 لاجئا للمغادرة إلى لبنان أو تركيا أو ماليزيا عقب إطلاق سراحهم. في أكتوبر 2013، لقى 12 لاجئًا سوريًا مصرعهم غرقًا حين تحطمت مركب استقلها عشرات اللاجئين من الإسكندرية، قاصدين الوصول إلى أوروبا بشكل غير رسمي، قصص من آلاف الوجوه المنسيه للاجئين السوريين، اضطرتهم الحرب الدائرة في سوريا إلى ترك وطنهم، وضاقت بهم سبل الحياة في مصر، رصدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أثناء احتجازهم، خلال محاولات خروجهم من مصر بشكل غير رسمي عبر البحر المتوسط قاصدين الساحل الأوروبي. عبد الغني السوري، البالغ من العمر 57 عاما، تاجر ملابس، كان يمتلك منزلًا كبيرًا ودكانًا في غوطة دمشق، إلا أن "الصاروخ نزل سوى البيت بالتراب"، حسب قوله. في تلك اللحظة قبل 16 شهرًا، حين فقد عبدالغني وأسرته منزلهم، قرر الخروج بهم إلى مصر خوفًا أن يصيبهم أنفسهم مكروه، بعد أن أصاب بيتهم.. "يسلملي ترابك يا سوريا" مقولة قالها عبدالغني، أثناء احتجازه في مصر، وكان عبدالغني يعتقد في بدء الأمر أن وجوده خارج سوريا أمر مؤقت، وأنه لابد عائد قريبًا، ومع تدهور الوضع في سوريا، ما بدأ مؤقتًا لم يعد كذلك، ولم تعد الإقامة في مصر مؤقتة، ولم تعد العودة إلى سوريا ممكنة. يحمل عبدالغني تأشيرة إقامة مختوم عليها خاتم "غير مصرح بالعمل"، كتلك التي يحملها كل لاجئ سوري، وتتفاوت مدتها من ثلاثة أشهر إلى سنة، رغم ذلك حاول عبدالغني الالتحاق بأي عمل يمكن أن يسهم في نفقات أولاده الاثنين الملتحقين بالتعليم الإعدادي والثانوي، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على أي عمل. في سبتمبر الماضي قرر عبدالغني خوض المغامرة، في محاولة للوصول إلى الأراضي الأوروبية، بعد عبور البحر المتوسط في أحد مراكب الهجرة غير الشرعية، قاصدًا إيطاليا ومنها إلى السويد، "قالوا لنا الفرصة الوحيدة هي أن تطأ قدمك أرضًا أوروبية.. بعدها كل شيء سيتم في سهولة ويسر". تم إحباط المحاولة، وأُلقي القبض على عبدالغني قبل التوجه إلى رشيد، حيث كان من المفترض أن يقوم المهرب المصري بتسهيل وصوله إلى المركب بعد أن تقاضى أمواله، ثلاثة آلاف دولار من كل راغب في السفر، وقضى عبدالغني شهرًا في نقطة شرطة كنيسة "أورين" بمحافظة البحيرة، قبل أن تقوم السلطات بإطلاق سراحه، معربًا عن رضائه بما لقاه من مصير "أنا حظي أفضل من غيري.. البعض أُجبروا على المغادرة.. البعض غرقوا في أثناء المحاولة". وشأن عبدالغني شأن آلاف السوريين الراغبين في الهروب من مصر إلي الشمال، ففي الوقت الذي أحبطت فيه محاولة عبدالغني الهرب إلى أوربا، كان خالد السوري البالغ من العمر 20 عاما، والحاصل على بكالوريوس تجارة من سوريا، يظن وجوده في مصر مسألة مؤقتة، وبعدها يعود لبلده، ثم بدأت الأمور في سوريا تتجه نحو مزيد من التدهور، فحاول خالد أن يحصل على فرصة عمل تؤمن لها دخلًا ليستطيع أن يؤمن معيشة تمكنه من أن يأتي بوالدته، التي ما زالت داخل سوريا. وبالفعل وفق خالد، وحصل على فرصة عمل في الأردن في سبتمبر الماضي، وبعد أن أقلته الطائرة من القاهرة إلى عمان، رفضت السلطات الأردنية السماح له بالدخول وأجبرته على العودة إلى القاهرة. "لو كان فيه أي فرصة في أي بلد عربي أذهب، لكن كيف المقارنة بين ما يحدث لنا في الدول العربية وبين ما تتيحه لنا دولة مثل السويد إذا ما وصلنا لأرضها؟".. هكذا يتحدث خالد بشغف عن فرصة الحياة الجديدة في السويد، التي يتمنى الوصول إليها يومًا ما، وطلب لم شمله بوالدته التي يستبد به القلق عليها بعد أن صارت كل الأخبار الواردة من سوريا أخبارًا عن الموت فقط. "17 دولة أوروبية فتحوا باب اللجوء.. أنا ذهبت لسفارات 9 منها، قالوا باب اللجوء مفتوح لكن ليس عبر السفارات.. مفتوح على أراضينا".. كان خالد يعتقد أن من يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر مراكب الهجرة غير الشرعية "مجانين"، ثم بمرور الوقت، وتضاؤل الفرص، وجد خالد نفسه يتحول إلى "مجنون" مثلهم. "ماذا أفعل في مصر بتأشيرة إقامة لمدة ثلاثة شهور مختومة بخاتم (غير مصرح له بالعمل)؟ جئنا هنا وكنا نظن شهر.. اتنين.. تلاتة.. ونرجع سوريا.. الآن الوضع اختلف".. هكذا يبرر الشاب العشريني رغبته في الهجرة غير الشرعية.