زمان قالوا ياما في السجن مظاليم ..أما اليوم فأصبح أيضا يوجد لاجئين سوريين ..هذا هو الواقع الذي يحياه الان العديد من السوريين اللاجئين في مصر ،بعد أن تم القبض عليهم في محاولة للهجرة غير الشرعية...أصبح مصيرهم إما العودة إلي قبضة بشار ..أو الانتظارحتي تقبل أي دولة أوربية دخولهم إليها ..وضع صعب يتحمله معهم أطفالهم بلا ذنب ..فهي في النهاية مجموعة بشر لايرغبون سوي في حقهم في الحرية والحياه...لذلك قامت " بوابة أخبار اليوم" بالتواصل معهم لعرض قضيتهم أملا في الوصول إلي حل زيارة ميدانية بعد مغامرة قصيرة لزيارتهم..لاتزال تلك الصورة هي الماثلة أمام عيني و في ذهني .. أيادي صغيرة وأعين امتزجت فيها الخوف ببراءة الطفولة ..متعلقة بالقضبان الحديدية التي تعلو سور الطابق العلوي للسجن, يشيرون بأيديهم بحثا عن الأمان والدفء!..أما في الداخل فكانت النساء والأطفال متجمعات في حجرة واسعة خالية من أي اثاث معلق علي بابها فقط ستارة،بينما كان الرجال خارجا يفترشون الأرضيات .. كانت النساء هن الأكثر إقبالا علي الحكي .. كن مهتمات برواية تجاربهن المريرة.. بحثا عن طوق نجاه .....أما الأطفال فقد انشغل بعضهم بهدايا صديقاتي ،وان ظلت في أعينهم نظرات الاغتراب ..سألت أحدهما "ماذا تريد من الهدايا؟..فرد بقوة قائلا "بدنا نُهرب"!!..تركته مبتمسة ..لأبدأ في الاستماع الي الروايات.. المُهاجرة يبدو أن رحلة عائلة آمال بحثا عن الأمان لاتنقطع..مسافات طويلة قطعتها أجيال العائلة بحثا عن حلم الاستقرار المنشود بلا جدوي ..فبعد ان تنقل أجدادها من فلسطين إلي سوريا ،اضطرت هي الي الفرار من المدافع ورائحة الموت في مخيم اليرموك إلي ارض الكنانة مصر..ولكنها لم تستطع تحمل الظروف المعيشية الصعبة ..وتابعت خطي أسلافها بتكرار الهجرة ،ولكن إلي دولة أوربية هذه المرة ،ولكنها فوجئت بان رحلتها البحرية قادتها إلي السجن وفي أحد جوانب غرفة الحجز بقسم المنتزة جلست آمال تقص الحكاية تنهدت طويلا ثم قالت .. "هربنا من الموت الي الموت".. خمس كلمات فقط اختصرت بها مشوارها الطويل ..كانت تسرد حكايتها بصوت منخفض وبوجه بدا مُجهد مُضطرب ،ورغم ذلك تلمح فيه إضاءة خفية ،ربما تشرق من نظرة الأمل التي تجاهد لتطل علي استحياء من عينيها الزرقاوتين .. فهي مازلت تنتظر بشغف تحقق أحلامها بالسكن مع زوجها وأطفالها الثلاثة،في أمان وهدوء في اي دولة أوربية.. تسترجع ذكرياتها"كنت قد حصلت علي إقامة بمصر لمدة 6 أشهر ولكن زوجي لم يجد اي عمل ،وساءت ظروفنا المالية فقررنا الرحيل ، بعد تحرك مركبنا بيوم واحد تقريبا ،حيث رصدتنا القوات الأمنية وتم احتجازنا في قسم شرطة المنتزة لأكثر من شهرين مع مجموعة أخري حاولت أيضا الهجرة ، وظل عددنا يتناقص بعد ترحيل جزء منا ،حتي بقي العشرات فقط ، ومعنا قرابة 20 طفلا يغلف حديثها شعوراً بمرارة الاحتجاز ،تقول " دخلنا في اضراب عن الطعام منذ الثاني والعشرين من نوفمبر وحتي أول ديسمبر ،للمطالبة بإعادة توطيننا في أي دولة أوربية ..ولكننا لم نصل إلي حل ..رغم أن كل مطالبنا هي حقوق إنسانية عادية .نريد لأولادنا الحياه " تضيف آمال " أنا مش متخيلة إني أرجع سوريا ثاني ،مابقي لي شئ في سوريا كل شئ تدمر ..تسكت برهة وكأنها تسترجع مشوارها الطويل جدا لتُقيم نقطة البداية قائلة .."حقا الحرب قاسية".. وفي الخارج كان يقف السوري أبو خالد .. لم يتمكن من التحدث طويلا ..طالب فقط بإيصال صوتهم .. قال "لجأنا إلي الاضراب عن الطعام قرابة أسبوع ولكننا أنهيناه بعد تدهور أحوالنا الصحية " يصمت ثم يقول ..بدنا تساعدونا باي شئ بدنا نعيش في امان"..تركته بوعد بإيصال رسالته ..لأنتقل إلي قصص أخري ولكن في محافظة البحيرة هذه المرة .. الحياه في خيمة! ."ايه اللي جبرك علي المُر .. قالوا اللي الأمر منه"..قالتها جومانا بصوت مرتجف وهي تلخص تجربتها المريرة التي دفعتها لإلقاء نفسها وأطفالها الخمس في عرض البحر ،متمنية أن يحملها إلي بر الأمان ..لينتهي بهم الأمر الي قسم شرطة ادكو !! فجومانا هي واحدة من قرابة مائتي سوري محتجزين في أقسام الشرطة ، اُلقي القبض عليهم بسبب الهجرة غير الشرعية ،التي لجأوا إليها هربا من أوضاعهم الاقتصادية الصعبة بمصر..ومازلت أحلامهم مؤجلة لحين الحصول علي تأشيرة خارجية . تعيش جومانا مع زوجها نضال واطفالهم الخمسة الذين تتراوح أعمارهم مابين السنتين وحتى 16 عاما داخل القسم متفرقين ،فالرجال فيمكنهم المبيت في غرفة الحجز.. أما النساء لديهم خيمة خارجية حين تهطل الأمطار تغرق!! تروى جومانا "للأخبار" قصتها قائلة "خرجت مع زوجى واولادي من مخيم اليرموك بعد قصفه إلى مصر فى 30 مارس 2013،اقمنا في مدينة الشروق بالقاهرة ..حاولنا التعايش بمصر وحصلنا على إقامة مؤقتة ..ولكن واجهتنا الظروف المادية الصعبة ،وبعد فترة سمعنا عن فرصة السفر إلى أحد الدول الأوربية ونجاح عدد من السوريين في ذلك ..فقررنا جمع مالدينا والاستعانة باقاربنا في الخارج لجمع النقود" وتتابع "أخذنا قرار الهجرة وتوجهنا إلى الإسكندرية ،ودفعنا لأصحاب المركب قرابة 3 الاف دولار علي كل شخص بالغ أما الأطفال فكان ركوبهم مجانى ،واتفقنا على لقائهم علي الشاطئ في ساعة معينة ،ووجدنا هناك أكثر من 100 شخص أخر معنا ..ولكن تبخرت أحلامنا في لحظة قبل ان نصعد للمركب..حيث اخبرنا أصحاب المركب ان قوات الأمن تراقب المكان ويجب علينا المغادرة ..ولكننا عجزنا عن الهرب للأسف تتوقف برهة وكأنها تستعيد الصورة وتكمل" كنا 11 شخص تم إلقاء القبض علينا ،ظننت حينها أننا سنخرج فورا لأننا لم نرتكب جريمة بحق أحد ..وبالفعل حصلنا على إخلاء سبيل من النيابة ولكن مع ذلك تم احتجازنا منذ حينها لحين حصولنا علي تأشيرات للخروج لأي دولة والا يتم ترحيلنا إلي سوريا .. ومازالنا نعيش فى أوضاع صعبة" تتنهد وتبرر مغامرتها قائلة "حين سافرنا كانت كل التجارب قبلنا آمنة ،ولم تسجل اي حالات غرق.. ..ولو كنا نعرف اننا سوف نري هذه البهدلة ماغامرنا ..لم يخطر على بالنا هذا الأمر" أما عن إحساسها حاليا فتقول "إحساسي لايوُصف ..الحقيقة ان الواحد اتعدم الاحساس ..صار عندنا مناعة من كثرة الظروف الصعبة..خاصة مارأيناه من الدمار في سوريا ولكن اولادي الصغار صاروا خائفين بشكل غير طبيعي ..حتى صوت الالعاب النارية أصبح يرعبهم"..وتتابع "كل مانريده الان ان يساعدنا أحد في الخروج من هذا السجن.. نريد لمفوضية شئون اللائجين أن ترسل أسمائنا إلى السويد للحصول علي التأشيرات ..نريد الخروج فلم نعد نحتمل الأمر" مافيا! أما رنا فقد وصلت الي القسم بعد رحلة مريرة..تظل الأسئلة تلاحقها ليلا ونهارا..لاتصدق ماهي فيه الان ..تشكو حالها قائلة " لقد هربنا من قنابل بشار إلى مافيا الهجرة غير الشرعية لينتهى بنا الحال إلى السجن..فمتى ينتهى المرار؟!!" تروى الحكاية من البداية فتقول :"احنا اختين هربنا مع اطفالنا الخمس بينما ظلا زوجينا مع ابني الكبير في حمص بسوريا ، وصلنا مصر فى شهر اغسطس 2013 ورغبنا في السفر إلى اي دولة اوربية بعد ان سمعنا عن المعيشة الجيدة هناك " ولكن لسوء حظنا وقعنا في يد عصابة ، فبعد ان دفعنا قرابة 3 الاف دولار لأصحاب المركب الطامعين، واتفقنا علي السفر في 13 سبتمبر.. فوجئناباننا سنركب مع اكثر من 150 راكب في مركب صغيرة جدا ..كنا ملتصقين ببعضنا البعض او قل فوق بعضنا البعض .. .. وتعرضنا لارهاب نفسي بعد ان طالبتنا المافيا بدفع مزيد من النقود حتى نستكمل الرحلة .. وظللنا نبحر لمدة 6 أيام..مرض خلالها أطفالنا وصعب علينا حالنا حتى بكى الرجال ." وتتابع وصوتها يكاد يختنق بالبكاء "أما المفاجأة الأكبر فكانت تعطل المركب ..حتى بدأت المياه تتسرب من جوانبه ،فشعرنا بالهلع ،وحينها هددتنا عصابة المركب بانه علينا دفع كل مامعنا من نقود في سبيل انقاذنا والا سيلقون بنا فى عرض البحر .. ومع وصول لنشات صغيرة ..قربتنا قليلا إلي الشاطئ ..ثم ألقتنا في المياه لنعوم ..غير عابئين بأطفالنا الرضع .. " كانت لحظات صعبة فكانت تغطى المياه رأسى ..وكاد طفلى الصغير يغرق لولا ان انقذه احد الشباب معنا..رأينا الاهوال في هذه الرحلة لم اصدق أننا نجونا وبعد وصلولنا الي الشاطئ تم القبض علينا وتسليمنا الي الجيش ثم حجزنا في القسم حتى الان ومنذ حينها ونحن فى معاناة بانتظار تدخل مفوضية اللائجين أو ارسال أي دولة تأشيرة دخول إليها "