مستسلماً لمصيره بقضاء 6 أشهر من شبابه داخل مؤسسة عقابية، جزاء مشاركته فى مظاهرة أمام دار القضاء العالى، للتنديد بوفاة عصام عطا داخل سجن طرة فى واقعة تعذيب هى الأشهر بعد ثورة يناير 2011، معزياً نفسه بأن قائمة اللوائح والإرشادات التى تفتخر «المؤسسة العقابية بالمرج» بإبرازها للنزلاء والزوار، ستكون خير تأهيل للعودة مجدداً للحياة، لكن ما بين التعذيب البدنى والانتهاك الجنسى، عاش الصبى أياما قاسية من حياته تعتبرها الحكومة «تأهيل وإصلاح». مُلخصا تجربته بالقول: «ناس كتير من اللى بتخرج من العقابية.. بتبقى واخدة قرار إنها ترجعلها عشان تنتقم». «أ.ط»، صبى يبلغ من العمر 17 عاماً، ألقى القبض عليه فى 28 أكتوبر 2011، متهما بمحاولة اقتحام دار القضاء العالى واحتجاز 4500 قاضٍ، لمجرد وجوده فى منطقة الإسعاف أثناء مشاركته فى مظاهرة شهدت اشتباكات بين قوات الأمن المركزى وعدد من القضاة المعتصمين على رصيف محكمة الاستئناف. «كعب داير» كانت الرحلة طوال 3 شهور ما بين قسم الأزبكية والنيابات المختلفة، قبل أن يستقر به الحال فى المؤسسة العقابية بالمرج ليقضى العقوبة. «الضابط اللى وصلنى العقابية.. قال للمباحث هناك ده ابن ناس ويتعامل كويس بعيد عن الجنائيين»، عبارات عندما سمعها «أ.ط» تفاءل بأن تكون مدة العقوبة خفيفة، وفرصة للحاق بامتحانات الفصل الدراسى الثانى، بعدما تخلف عن اختبارات نصف العام بسبب «التحقيقات والمحاكمات»، فما دام سيظل بعيداً عن الاختلاط مع الجنائيين ومعتادى الإجرام، فالأمور ستسير على ما يرام، حسب ظنه، لكن لم تلبث تلك الأحلام أن تتحول إلى سراب بعدما غادر الضابط الذى يصفه «أ.ط» ب«الإنسان الجيد على عكس ضباط الداخلية»، ليجد نفسه أمام حفل استقبال ب«ضرب الأيدى والأرجل»، فضلاً عن السباب المستمر من مخبرى وضباط «الإصلاحية» كاسمها الشائع فى أوساط العامة، حتى وصل إلى محطة «العنبر». ويقول: «المجرمين اللى كنت بشوفهم فى الأفلام وكأنهم جوة الإصلاحية.. ولا أى حاجة بالنسبة للى بجد»، واصفا مشهدا احتفظت به ذاكرته طوال فترة العقوبة، 5 من النزلاء أغلبهم تخطى السن القانونية للبقاء داخل المؤسسة وهى 18 عاماً، الشرط الأساسى فى توليهم مسئولية إدارة العنبر هو أن تكون جريمتك «قتل أو اغتصاب أو سرقة»، فأنت بذلك تستحق ثقة الإخصائيين الاجتماعيين وضباط وحدة المباحث بالعقابية لتكون بديلا عنهم داخل العنبر. حفلة استقبال المخبرين تختلف بالتأكيد عن استقبال الجنائيين لك بالعنبر، فعليك أن تخلع ملابسك كاملة بإرادتك، بحسب «أ.ط»، وإلا ستجد نفسك مقيداً بواسطة 5 من زملائك الذين لا يستطيعون مخالفة أوامر «البوس» كما يلقبون العنصر الجنائى «مدير العنبر»، بعدها تجد رأسك داخل برميل ماء لكتمان الصراخ الناتج عن الاعتداء على جسدك ب«العصى والأحزمة»، هكذا يرحب المجرمون القدامى بزملائهم الجدد لتبدأ بعدها قواعد النظام «بص يا روح أمك انت.. مفيش حمام من غير إذن.. تستحمى كل أسبوعين.. عندنا بس هدوم وسخة اللى هتلبسها». فكرة إبلاغ الإخصائى الاجتماعى بانتهاكات العنبر كانت ضرورية فى البداية، بحسب «أ.ط»، كون لوحة اللوائح والإرشادات تقول: «فى حال مواجهة النزيل لأى أزمات.. عليه التوجه فوراً للإخصائى الاجتماعى لمساعدته»، لكن المفاجأة كانت الرد الذى وصله: «هو انت جاى هنا تعترض وتتشرط، انت تنفذ اللى يتقالك عليه»، ثم صفعه الإخصائى على وجهه، حسب قوله، ونهره وطالبه بعدم التفكير مجدداً فى الشكوى، ويقول: «حتى حينما حاول الطفل الاستنجاد بمؤسسات حقوقية دولية مثل هيومان رايتس ووتش، للاطلاع على مكان احتجازه، رفضت إدارة المؤسسة العقابية السماح لوفد المنظمة بالتفتيش، مكتفية فقط بالمنظمات الحكومية ومسئولى وزارة الشئون الاجتماعية الذين دائماً يدونون فى تقارير ملاحظات فرعية حول إغلاق الورش وقلة ساعات التريض»، متجاهلين الاعتداءات البدنية والجنسية. «فيه ناس ماتت من كتر التعذيب سواء بالضرب من ناس جوة العنبر أو من المخبرين»، يتحدث «أ.ط» عن وقائع تعذيب بعينها، كانت بدايتها مجرد مشاجرة بين نزيل وآخر، أو بين مخبر المباحث وطفل رفض الامتثال لأوامر منع التدخين، قبل أن تتحول لتعذيب ممنهج ترتب عليه حالات وفاة، مؤكداً أن إبلاغ الأهلية بوفاة ابنهم يأتى عن طريق مكالمة هاتفية من إدارة المؤسسة العقابية مفادها «ابنكم مات بعد خناقة فى العنبر.. تعالوا استلموا الجثة»، وكون الأسرة غالبا ما تكون نشأتها فقيرة، فالصمت هو الوسيلة الأفضل لهم. 6 أشهر كانت فترة كفيلة أن يتعرض ذلك الطفل للفصل من مدرسته الثانوية، كفيلة بأن يرى بعينيه انتهاكات جسدية وصلت لعلاقات «الشذوذ»، مختتماً حديثه عن تلك التجربة الأليمة قائلا: «ناس كتير من اللى بتخرج من العقابية.. بتبقى واخدة قرار إنها ترجعلها عشان تنتقم».