حتى الآن ما زال حزب الوفد، رغم كل تعثراته، يحمل عبق التاريخ ورمزية الاسم التى جعلته يحتل المركز الأول بين الأحزاب الليبرالية فى الانتخابات البرلمانية الماضية، ورغم تخبط حزب الوفد فى الفترة الأخيرة وضعف أدائه على مدى عدة سنوات من قبل الثورة، فإنه ما زال يملك ما لا تملكه كثير من الأحزاب الأخرى من الرصيد التاريخى والقدرة المادية. كان من البديهى أن يستوعب حزب الوفد طلائع التيار الليبرالى التى نشطت عقب الثورة، ولكنها لم تجد نفسها فى حزب الوفد بشكله الحالى فاتجهت لتأسيس أحزاب جديدة زادت من حالة التشرذم الموجودة بين القوى المدنية، وفى مرحلة الفرصة الثانية قبل الانتخابات لم يستطع حزب الوفد بناء تحالف واسع يضم هذه القوى الجديدة، وتأرجح بين التحالف الديمقراطى تحت رعاية الإخوان المسلمين، ثم اختلف مع الإخوان فى اللحظات الأخيرة وخاض الانتخابات منفرداً ليحقق نتيجة كان من الممكن أن تكون أفضل بكثير. يعانى حزب الوفد من مشاكل بنيوية داخلية نتج عنها غياب عنصر الشباب الفاعل الذى لم يجد الفرصة الملائمة لأخذ زمام المبادرة، كذلك اهتزت الثقة فى الوفد بسبب بعض المواقف السياسية المتقلبة أحياناً، التى لا يستطيع المتابع تفسيرها أو تحديد نسقها. لكن على المستوى اللوجيستى يمتلك حزب الوفد تقريباً أكبر عدد من المقرات الحزبية فى محافظات مصر ويمتلك القدرة المالية التى تتيح له تمويل حملاته الانتخابية، ولكنه يفتقد للكوادر الحزبية المتميزة التى عرف بها قبل ذلك، حتى إنه اضطر فى الانتخابات الماضية إلى الاستعانة بعدد من خارج أعضاء الحزب ليكمل قوائمه الانتخابية ومنهم أعضاء سابقون بالحزب الوطنى. وبما أن فكرة الاندماجات الحزبية تشكل صعوبة شديدة فى حيز التنفيذ وتنتهى مشاريع الاندماجات الحزبية إلى الفشل وتبادل الاتهامات، فإن إطار التحالف السياسى والانتخابى هو الإطار الأنسب والقابل للتحقيق، فإن التحدى الأكبر الآن يتمثل فى استعادة حزب الوفد لدوره التاريخى وتجميع القوى المدنية بمختلف أطيافها لبناء تحالف انتخابى وسياسى، يخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية القادمة تحت راية واحدة تمثل مشروع الدولة المدنية والاتجاه الوسطى لليبرالية المصرية المعتدلة. اقتراب بعض الرموز السياسية المهمة، ومنهم مرشحو رئاسة سابقون، من حزب الوفد قد يفتح الباب لإعادة هيكلة الحزب وانطلاقه من جديد بشكل يليق بتاريخه وتراثه السياسى المعروف، الفرصة السياسية الآن سانحة لبديل مدنى قوى يستطيع أن يتمدد ويملأ حالة الفراغ التى أعقبت التراجع النسبى للقوى الدينية خلال الفترة الماضية. الشهور القليلة القادمة تحتاج إلى ضبط الخطاب السياسى واتزان المواقف السياسية واتساقها والبحث عما يجمع ولا يفرق وتقريب من يستطيعون المشاركة فى بناء هذا التحالف المدنى القوى من أحزاب وشخصيات عامة مع الابتعاد عن عناصر التفجير والتمزيق الداخلى المعروفة فى الفضاء السياسى للجميع، على ألا يكون هذا التحالف نواة إذكاء لاستقطاب دينى مدنى مرة أخرى بل يجب أن يتجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة البرامج وخطط التنمية وحلول مشاكل مصر المزمنة التى لم يقدم أحد حتى الآن أى حلول عملية وبرامج للتعامل معها. الكرة فى ملعب الوفد ليمارس الدور الذى انتظره الناس منه ولم يحققه حتى الآن.. فهل يفعلها؟