انتقلت السلطة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى هدوء وسلاسة نتيجة للترتيبات الدقيقة التى قام بها أبوبكر الصديق رضى الله عنه عندما أحس بدنو الأجل. وقد تمثلت أبرز هذه الترتيبات فى استشارة كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار فى أمر الوصية بالحكم من بعده إلى عمر بن الخطاب وأخذ بيعتهم على ذلك. ويشير «ابن سعد» فى الطبقات الكبرى إلى أن هؤلاء الصحابة استحسنوا اختيار الخليفة ووافقوه عليه، ويذكر فى هذا السياق أن «أبا بكر الصديق لما استعز به، دعا عبدالرحمن بن عوف، فقال: أخبرنى عن عمر بن الخطاب، فقال عبدالرحمن: ما تسألنى عن أمر إلا وأنت أعلم به منى، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرنى عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به، فقال: على ذلك يا أبا عبدالله، فقال عثمان: اللهم علمى به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبوبكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأسيد بن الحضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى ويسخط للسخط، الذى يسر خير من الذى يعلن، ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه». ويلاحظ فى النص السابق أن أبا بكر اختار اثنين من «أهل الشورى الستة» الذين اختارهم عمر فيما بعد ليتم اختيار الخليفة من بينهم بعدما طُعن على يد أبى لؤلؤة المجوسى، وهما عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان. ومن الملفت أن الخليفة ذكر لعثمان أنه لو كان قد ترك عمر أو تجاوزه لكتب عهده لعثمان بن عفان، وكأنها كانت إشارة لنقل الحكم بعد عمر إلى عثمان، ومن عجب أن عبدالرحمن بن عوف هو الذى حسم هذا الأمر، عندما اشتدت المنافسة بين كل من عثمان وعلى رضى الله عنهما فوصلت الخلافة إلى عثمان. وحرص الصديق أبوبكر كذلك على أن يأخذ البيعة مسبقاً من أسيد بن حضير وهو أحد وجوه الأوس من الأنصار الذين لعبوا دوراً فى تأكيد حق المهاجرين فى السلطة، كما سبق وذكرنا. يستطرد «ابن سعد» فى سرد الأحداث والملابسات التى رافقت عهد أبى بكر بالحكم إلى عمر ويقول: «وسمع بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بدخول عبدالرحمن وعثمان على أبى بكر، وخلوتهما به، فدخلوا على أبى بكر، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبوبكر: أجلسونى، أبالله تخوفونى؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عنى ما قلت لك من وراءك، ثم اضطجع». لم يحدد «ابن سعد» من هؤلاء الصحابة الذين دخلوا على أبى بكر الصديق رضى الله عنه وعارضوه فى تولية الأمر لعمر رضى الله عنه محتجين فى ذلك بما هو معروف عنه من غلظة فى التعامل، وهو أمر لا يسىء إلى «ابن الخطاب» فى دينه بل يضر به فى الشأن السياسى. ومن دخلوا على أبى بكر رضى الله عنه وقالوا له ذلك فهموا من مجريات الأحداث بعد تولى أبى بكر أن اختيار شخصية الحاكم لا بد أن تستند إلى محكات سياسية وإن تدثرت ب«دثار» دينى، وهو المبدأ الذى وضعه أبوبكر ذاته حين أكد أن الأئمة من قريش، وأن العرب لن تخضع إلا لسلطان هذه القبيلة، بالإضافة إلى إبراز «الدثار الدينى» فى الموضوع حين أشار إلى أن الله طالب الأنصار بأن يعيشوا تحت لواء حكم المهاجرين الصادقين، بوصف القرآن «اتقوا الله وكونوا مع الصادقين». عزم أبوبكر أمره وقرر أن يولّى عمر بن الخطاب من بعده، ودعا -كما يروى ابن سعد فى طبقاته- عثمان بن عفان فقال: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبوبكر بن أبى قحافة فى آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إنى استخلفت عليكم بعدى عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإنى لم آل الله ورسوله ودينه ونفسى وإياكم خيرا، فإن عدل فذلك ظنى به وعلمى فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، سيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمة الله، ثم أمر بالكتاب فختمه».