رواية أكثر تفصيلاً لاجتماع «السقيفة» قدمها صاحب السيرة الحلبية ذكر فيها «لما تحقق موته صلى الله عليه وسلم، تخلف الأنصار بأجمعهم واجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة، وكان سعد بن عبادة مريضاً مزملاً بثيابه بينهم، أى اجتمعوا أولاً ثم تفرق عنهم أسيد بن حضير، رضى الله عنه، ومن معه من الأوس، واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر رضى الله عنه إلا علياً والزبير ومن معهما تخلفوا فى بيت فاطمة، رضى الله عنها، فقال عمر لأبى بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، أى فإنه أتاهم آتٍ فقال: إن هذا الحى من الأنصار مع سعد بن عبادة، رضى الله عنه، فى سقيفة بنى ساعدة قد انحازوا إليه، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم، وعن عمر، رضى الله عنه: بينا نحن فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رجل ينادى من وراء الجدران اخرج إلىّ يا ابن الخطاب، فقلت: إليك عنى فأنا عنك متشاغل، يعنى بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد حدث أمر، إن الأنصار قد اجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة فأدركهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون فيه حرب، قال: فانطلقنا نؤمهم -أى نقصدهم- حتى رأينا رجلين صالحين، أى وهما عويمر بن ساعدة ومعدة بن عدى، وهما من الأوس قالا: أين تريدون؟ فقلت: نريد إخواننا من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين». الواضح من هذه الرواية أن المهاجرين لم يكونوا على علم بالترتيبات التى نسج خيوطها الأنصار -بشكل مغلق- فيما بينهم، ولم تقتصر هذه الترتيبات على الخزرج دون الأوس، بل كانت تضم الجانبين، حتى إذا جد الجد ووجد الأوس أن الأمر سوف يؤول إلى زعيم الخزرج وجدوا أن من الأنفع لهم أن ينشقوا وينحازوا إلى المهاجرين، ويبدو أن العداوات القديمة بين القبيلتين التى استطاع النبى صلى الله عليه وسلم تذويبها عادت إلى القفز من جديد. ليس ذلك وفقط بل وبدأت الغيرة تدب أيضاً بين أبناء العائلة الواحدة، يشهد على ذلك مسارعة الصحابى بشير بن سعد الخزرجى رضى الله عنه (وهو ابن عم سعد بن عبادة) إلى مبايعة أبى بكر، وبرر ذلك بكراهة أن ينازع المهاجرين حقهم، حين ناداه «الحباب بن المنذر» وسأله: عققت عقاقاً، ما أحوجك إلى ما صنعت؟! أنفست على ابن عمك الإمارة؟! فقال: لا والله ولكنى كرهت أن أنازع القوم حقهم». وتبين رواية «السقيفة» -كما وردت فى السيرة الحلبية- مدى رضاء عمر بن الخطاب عن موقف الأوس، حين وصف الرجلين اللذين أبلغاه بأمر السقيفة ب «الصالحين». والأخطر فى هذه الرواية هو تلك الصيحة التى صاحها أحد الأنصار فى المهاجرين بأن يدركوا الأنصار «قبل أن يحدثوا أمراً يكون فيه حرب»، مما يؤكد أن الصراع على الحكم لم يكن يستند إلى مبدأ التفاوض وفقط، بل كانت الحرب وإعمال السيوف وارد أيضاً. يستطرد صاحب «السيرة الحلبية» فى سرد أحداث السقيفة قائلاً: «فقلت -أى عمر- والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم فى سقيفة بنى ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين أظهرهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: إنه وجع، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد ذفت ذافة منكم، أى دب قوم الاستعلاء والترفع علينا، تريدون أن تختزلونا من أهلنا، أى تنحونا عنه تستبدون به دوننا، فلما سكت أردت أن أتكلم، وقد كنت زورت مقالة أعجبتنى أردت أن أقولها بين يدى أبى بكر، فقال أبوبكر، رضى الله تعالى عنه: على رسلك يا عمر، فكرهت أن أغضبه وكنت أرى منه بعض الحدة فسكت، وكان أعلم منى، والله ما ترك من كلمة أعجبتنى فى تزويرى إلا قالها فى بديهته وأفضل، فقال: أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم له أهل، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحى من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وكنا معاشر المهاجرين أول الناس إسلاماً، ونحن عشيرته صلى الله عليه وسلم وأقاربه وذوو رحمه، فنحن أهل النبوة ونحن أهل الخلافة، وقال: لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر».