الأمر في مصر شديد الخطورة، والتخطيط للمستقبل يكاد يكون غائبا خاصة في قطاع الأمن الغذائي الذي يعاني من فجوة غذائية إجمالية تتجاوز 55% من إجمالي غذائنا معرضة للزيادة في عام 2030 لتصل إلى 75%، إذا لم نسارع بتأسيس مراكز دراسات خاصة بمستقبل الأمن الغذائي. فليس من المقبول أن تتحول مصر من دولة مصدرة للعدس إلى دولة مستوردة لكامل إحتياجاتنا منه، ومن اكتفاء ذاتي في الفول إلى إستيراد 70% وكلاهما يمثلان غذاء أساسيا لعامة الشعب. القمح المحصول الإستراتيجي الأول والمنتج لرغيف الخبز والمكرونة في تراجع كبير بعد أن تربعنا على قمة الدول المستوردة له بنحو 10.5 مليون طن من إجمالي إحتياجاتنا البالغة 15 مليون طن بفجوة مقدارها 70% قابلة للزيادة بسبب نقص برامج الحد من الفقر لأن الفقراء يستمدون إحتياجاتهم الغذائية من المصادر النباتية وليس من المصادر الحيوانية الأعلى سعرا. نفس الأمر يتكرر مع السكر بفجوة غذائية تصل إلى 32% والذي يمثل مع الشاي أهمية بالغة في الريف ، بينما تصل فجوة زيوت الطعام إلى 92%، والذرة الصفراء المكون الأكبر لأعلاف الحيوانات والدواجن إلى 50% بنحو 5 مليون طن واردات سنوية وبارتفاع أسعارها تتضاعف أسعار الدواجن واللحوم لتدفع بالفقراء إلى إستهلاك المزيد من الخبز والمكرونة والبقول فترتفع أسعارها بالتبعية محملة أعباءً زائدة على الفقراء. اللحوم والأسماك أيضا تعاني من فجوة غذائية تصل إلى 50% ولكنها واقعيا أصبحت سلعا ترفيهية للعامة من الفقراء بما يهدد بإنتشار أمراض سوء التغذية بين المواليد خاصة في الريف، والتي تصل حاليا إلى 30%. إستيراد هذه الحاصلات تعني أن يشتريها فقراء مصر بنفس أسعارها في باريس ولندن ونيويورك مع مراعاة فروق الدخل. التوسع في إنتاج الحاصلات الغذائية الأساسية في مصر توفر الكثير من الأموال، أقلها تكاليف النقل البحري من مواني البلدان المصدرة إلى المواني المصرية ثم تكاليف التفريغ والنقل الداخلي، فإذا ما خُصصت تكاليف النقل السابقة لدعم الفلاح المصري، نكون لم نحمل الخزانة العامة للدولة أي تكاليف إضافية لدعم المزارعين وعملنا على زيادة دخل الفلاح ومحاربة الفقر والحد من الهجرة إلى المدن وتخلصنا من تأثير مضاربات البورصة على أسعار السلع الغذائية، ولكن يكون أهمها أننا أنتجنا غذاءنا من أراضينا، ولتبقى مبالغ إستيراد الغذاء لتدور في فلك الإقتصاد المصري. بقليل من الإرادة السياسية وحسن التخطيط نستطيع أن نحقق إكتفاء ذاتيا كاملا من الفول والعدس والذرة وزيوت الطعام والسكر، ونحقق أمنا غذائيا من القمح واللحوم الحمراء.