رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات يشارك في برنامج تقنيات إعادة التدوير بألمانيا    وجهان لعملة واحدة.. نتنياهو وحماس!    كيف تحول بيراميدز من ناد استثماري إلى صائد للبطولات؟    مائل للبرودة في هذا التوقيت، الأرصاد الجوية تعلن حالة طقس الغد    مصر تستضيف الاجتماع الإقليمي حول تقنيات التشعيع برعاية وكالة الطاقة الذرية    خالد علي: استبعاد هيثم الحريري من انتخابات النواب يتنافى مع روح العدالة الدستورية    ننشر تعريفة ركوب سيارات الأجرة بمحافظات مصر بعد تحريك أسعار الوقود    فيديو.. عمرو أديب: الذهب أصبح عملة وأسعاره جنونية    «الخارجية» و«الطيران» تبحثان توسيع شبكة الخطوط الجوية مع الدول العربية والأفريقية    البنك التجارى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بمنتصف التعاملات    زراعة المنوفية: تنقية الحيازات وضبط منظومة الدعم للمزارعين    جامعة القاهرة تستعرض الأطر الأخلاقية والقانونية لتنظيم الذكاء الاصطناعي    موعد إطلاق وثيقة الأزهر الشريف لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي    بن جفير يدعو نتنياهو لاستئناف العدوان على غزة    وزير الخارجية: إطلاق مبادرة لتعزيز التكامل الاقتصادي بين دول البحر الأحمر ضمن فعاليات منتدى أسوان    الجيش الإسرائيلي يعلن التعرف على هوية جثة رهينة إضافية    اندلاع حريق في مصفاة نفط روسية بعد هجوم بطائرات مسيرة    «الأمم المتحدة» تطلق عملية واسعة النطاق لإزالة الأنقاض في غزة    اللواء طيار عمرو صقر: نسور مصر قادرون على تغيير الموازين    وليد صلاح الدين: معاناة اللاعبين من الإجهاد بسبب التوقف الدولي.. وتوفير طائرة خاصة ساعدنا    يونس: بيزيرا "هدية ثمينة" من جون إدوارد..وديكيداها بداية جديدة ل "فتوح"    يشم ويمضغ العشب.. زميل رونالدو يكشف عاداته في التدريبات    أحمد حمودة: توروب شخصيته قوية.. وإمام عاشور الأفضل في مصر    مواعيد مباريات اليوم الأحد 19-10-2025 والقنوات الناقلة لها    موعد مباراة ريال مدريد وخيتافي في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    لماذا يُعد الاعتداء على المال العام أشد حرمة من الخاص؟.. الأوقاف توضح    بتهمة خطف اشخاص السجن المؤبد ل4 متهمين و15 عاما لآخر بقنا    التعليم تعلن مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الثاني الثانوي العام شعبة علمي    بعد إشعالها حفل الجونة، ساويرس يوجه رسالة ل نانسي عجرم    ياسر جلال يكشف وصية الرئيس السيسي: أوصاني باحترام الدكتور مرسي خلال مسلسل الاختيار    عمرو سعد يتألق في الدراما والسينما ب3 مشاريع جديدة    السياحة والآثار: الوزير لم يتخذ أى إجراءات قانونية ضد أى صحفى    سامح الصريطي: الفن يرتقي بالإنسان وليس مجرد تسلية    منطقة كفر الشيخ الأزهرية: اليوم أخر أيام التقديم لمسابقة شيخ الأزهر لحفظ القرآن الكريم    توقيع وثيقة استراتيجية التعاون القُطري بين مصر ومنظمة الصحة العالمية    رئيس الرعاية الصحية: بحث إنشاء إطار إقليمي موحد لدعم أداء المنشآت الصحية    خدمات توعوية وفحوص طبية.. كل ما تريد معرفته عن مبادرة "صحة الرئة"    إصابة 12 طالبا بالجدرى المائى بمدرسة فى المنوفية    بعد الزيادة الأخيرة.. الوادي الجديد تعلن تفاصيل سعر أسطوانات البوتاجاز بالمراكز والقرى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 19-10-2025 في محافظة الأقصر    أمل جديد .. طرح أول لقاح يحمى من الإيدز بنسبة 100% يؤخذ مرة كل شهرين    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    خروج 6 مصابين بعد تلقى العلاج فى حادث انقلاب سيارة وإصابة 13 بالمنيا    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    ترامب: دمرنا غواصة ضخمة تهرب مخدرات كانت في طريقها للولايات المتحدة    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    حنان مطاوع تخوض سباق رمضان 2026 بمسلسل "المصيدة"    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    المشدد 15 سنة لمتهمين بحيازة مخدر الحشيش في الإسكندرية    استعدوا لأشد نوات الشتاء 2026.. الإسكندرية على موعد مع نوة الصليب (أبرز 10 معلومات)    «زي النهارده».. توقيع اتفاقية الجلاء 19 أكتوبر 1954    «الشيوخ» يبدأ فصلًا تشريعيًا جديدًا.. وعصام الدين فريد رئيسًا للمجلس بالتزكية    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    100 فكرة انتخابية لكتابة برنامج حقيقي يخدم الوطن    جدول ترتيب الدوري السعودي بعد خماسية النصر.. موقف الهلال والفتح    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصافير السادسة مساء
نشر في الوطن يوم 02 - 07 - 2012

السادسة مساء بموقف الميكروباص المتاخم لنقطة الشرطة المجددة للتوِّ بأموال التجار وأصحاب المحلات الكبرى بالمنطقة وعليها لافتتها المستبدلة والجديدة تعلن أن (الشرطة فى خدمة الشعب) بعد أن احتلت مكانها لسنوات لافتة (الشرطة والشعب فى خدمة القانون).
كسائر مساءات السبت الخاملة يتسول هذا الخط الركاب، بينما لا يماثله استجداء الزبائن جاره خط الميكروباص المتجه إلى رمسيس، والذى ينعم دوماً بوفرة فى سياراته وراكبيه.. كان على استعداد أن يدفع أجرة زبون مرتقب لا يأتى عوضاً عن مزيد من الانتظار، «ياللا يا اسطى.. هادفعلك راكب وربنا يسهّلك بالباقى من الطريق». قالها للسائق الذى بادره برده الآلى: «ما باخرجش من الموقف من غير فردة كاملة». أحبط رد السائق مخططاته فى الوصول فى موعده.. اقترح أن يدفع كل راكب جنيها ونصفا بدلاً من جنيه وربع، وبذا ستكتمل فردة السائق.. لم يستغرق وقتاً، ولم يستغرق منه جهداً إقناع المنتظرين بالميكروباص باقتراحه الذى لم يُنفذ، حيث تراجع الزبائن إثر قدوم طفلين يظهران بالكاد على سطح الأرض، سأل أحدهما الركاب: التحرير؟ وقبل أن يهم أحدهم بالإجابة قفز العصفوران داخل العربة بعد أن ضرب أصغرهما رفيقه موبخاً إياه ومستفسراً منه عن جدوى التساؤل، مؤكداً له أن وجهة هذا الميكروباص هى التحرير، وواصفاً أمه بالمفكوكة..
ظهور الطفلين أدخل الأرباع التى كادت أن تظهر للتعجيل بالانطلاق.. ليظهر بدلاً منها عبارات من شاكلة: «إللى بعتهم يبعت غيرهم.. هانت.. الصبر حلو.. » ليرد صاحبنا: «والانتظار مر»، وفى سره لعنهم ولعن الصغيرين اللذين صارحا الركاب والسائق: «احنا معناش فلوس.. احنا هنركب وهنّادى: تحرير تحرير، احنا رايحين نتظاهر، احنا ورد الجناين اللى هيحمى مصر». أردفاها بضحكة.. وحين سألت راكبة المقعد المواجه للطفل المشاكس: «تحمى مصر من مين؟» رد الصبى: «من الدولة، من الحكومة الحرامية، ومن الشعب»، تسأله مجدداً: «وانت مش من الشعب؟» فيجيب: «آه.. بس انا باشوفهم بيقولوا كده فى التليفزيون». ردت الفتاة بابتسامة وصمتت، والسائق على عدم اكتراثه، والزبائن مبهورون بجرأة وزقزقزة العصفورين..
كان أحدهما أبيض يميل للصهب، والآخر ارتسمت على ملامحه أصوله الصعيدية، ما كان يبعد أى احتمال أن يكونا شقيقين مثلما أكَّدا للركاب ريثما يكتمل العدد وتكتمل الفردة وينطلق الميكروباص صوب وجهته..
«تحرير.. تحرير» يستصرخ الصبى زبائن الغيب «ياللا عايزين نمشى..». من بعيد يستقدم العصفور الأبيض راكبين ظهرا أخيراً لبَّيا شقشقته وأجابا نداء التحرير.. وحده الراكب المتعجل سيدفع أجرة النفر المتبقى، هكذا كان عَرْضُه، وهكذا هو حاله دائماً، سيدفع وحده الضريبة الزائدة للوصول لمبتغاه بالكاد.
- «مش دى خطيبتك ياد.. » قالها العصفور الأصهب لأخيه المفترض.
- «لا مش هىَّ.. دى واحدة شبهها» يرد الأخ.
- «أصل احنا خاطبين» قالها العصفور الأبيض وأردفها بغمزة من عينيه لفتاة الميكروباص صاحبة الاستفهامات ولم ينتظر رداً منها، حرك رأسه باتجاه الشباك موجهاً حديثه لراكب الدراجة البخارية الذى طوَّقته فتاته بقوة، خوفاً من السقوط صائحاً لكى يسمعه رغم موازاة الميكروباص له: «على فكرة.. المُزَّة بتاعتك حلوة أوى»، يضحك الركاب من نزق العصفور الذى ظل يُخرج لسانه ويحرك حاجبيه باتجاه راكبى دراجة بخارية أخرى حين أمسكت الزوجة بزوجها وبينهما ابنتهما الصغيرة.
ولأول مرة يقرر الراكب المتعجل أن يسأل الصغيرين عن خطيبتيهما وتوقع تجاوباً منهما على الأقل إكراماً لدفعه أجرتهما: انتو خاطبين بجد؟
- أنا خاطب جنا، وهو خاطب بت كده. رد المشاكس.
- يعنى أيه كده؟ هو فيه كده وفيه كده وكده؟
- آه.. البت بتاعته بتمشى مع أى حد يقولها تعالى.. مش كده؟
رد العصفور الأسمر بتحدٍّ: لا مش كده..
- لكن خطيبتى بقى حاجة تانية.. بت تمام، لكن البت بتاعته مش تمام.
بادره دافع أجرتهما: إزاى بقى تمام؟
- أنا كشفت عليها.
- كشفت ازاى؟
- عند الدكتورة.. لَيكون حد عملها حاجة.. ولا خطيبها اللى قبل كده.. يعنى.
وجمت فتاة الميكروباص لفترة واستجمعت نفسها وسألته: وهىّ؟
- مالها؟
- كشفت عليك؟
- ليه؟
- زى ما انت من حقك تتأكد منها، هى برضه من حقها تتأكد منك وتطمن على صحتك، ولا إيه؟
- بس انا راجل.
باغتته قائلةً: «انت متخلف».
كان اجتراء الفتاة على العصفور الأبيض إيذاناً بفك صمت الركاب الذين هالهم أن يصدر مثل هذا الحديث من عصافير الميكروباص، تجاوز أحدهم صدمته معلناً أن العيال بتقول حاجات مابنقولهاش، وربما لا يفعلونها أيضاً كما أسرَّت الفتاة لنفسها.
هنا بادر العصفور الأسمر مذكراً أخاه: على فكرة الأستاذة عندها حق.. البت جنا كشفت عليك.
مستنكراً يرد الآخر: إزاى يا خفيف؟
- «فى العباسية يا روح امك». وينفجر ضاحكاً.. ويعجب الركاب من قصاص العصفور الأسمر وانتقامه.
يسألهما دافع أجرتهما: بس موضوع الخطوبة ده مش كبير شوية عليك؟
رد الصبى: إزاى بقى.. ده انا قده وقدود.. طب أنا لسه مديها امبارح علقة موت.
- ليه بقى؟
- شفتها بتشرب بيرة وسجاير.
- انت لحقت تفسدها؟
بادر راكب آخر بنصف ابتسامة: وإذا كانت بتعمل ده دلوقت أمال لما تتجوزوا هتعمل إيه؟
وشارك ثالث فى الحديث ساخراً: وأبوها ده عيل زييكوا برضه؟ يضحك الركاب وتتعالى قهقتهم.
حينها ينظر العصفور الأصهب إليهم بتحدٍّ، ثم يشيح بنظره عنهم باتجاه الشباك الذى يخرج رأسه منه وبملء فمه الصغير يدفع منه بصقة على نهر الطريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.