خشب.. خشب.. خشب.. كل شىء فى بيتنا من الخشب، النوافذ والجدران وحتى اللعب.. ليتنى أعيش فى بيت من ذهب.. كلمات كان يرددها خالد كل يوم ويحلم بالبيت الذهبى الذى يراه من نافذته وقت الغروب تلمع جدرانه وتتلألأ نوافذه ببريق الذهب. فى قرية صغيرة هادئة، كان يعيش خالد مع والديه فى بيت خشبى جميل، صنعه والده نجار القرية الذى كان يعمل بحب ونشاط، يقضى يومه فى ورشته الصغيرة بين قطع الخشب، يقطعها بحب وصبر ويشعر بالسعادة عندما تحولها أنامله لأبواب نغلقها فتمنحنا الأمان، ونوافذ نفتحها فنطل على الحدائق ونلمس أشعة الشمس الذهبية ويغمرنا ضوء القمر الفضى الساحر، وقطع من الأثاث تحتضنها الجدران فتصير سكناً وبيتاً للبشر تدب فيه الحياة. وأحلى لحظات سعادته عندما يحول قطعة من الخشب للعبة من اللعب، يفرح بها الأطفال وترسم على وجوههم البسمة والجمال، فى كل يوم قبل الغروب، كان خالد ينظر من نافذته، ومن وراء التل الصغير يلمح بيتاً تتلألأ نوافذه ببريق الذهب، ينظر إليه بانبهار ويقارن بينه وبين منزله الخشبى الصغير، يسأل خالد والدته عن البيت الذهبى، فتجيبه قائلة: بيوت القرية متشابهة، كلها من الخشب، أنت تحلم يا خالد.. يطلب من والده أن يبنى له بيتاً من الذهب كالذى يراه من نافذته، يبتسم والده وهو يمسك بقطعة من الخشب يشعلها ويقول: وهل يستطيع الذهب يا خالد أن يمنحنا دفء الخشب؟ فى ليالى الشتاء الباردة يحنو علينا الخشب فيمنحنا الدفء، كالظل الذى منحه لنا فى أيام الصيف عندما كان لا يزال شجرة وارفة الظلال.. يرد خالد قائلاً: إذا كان الخشب يمنحنا الظل والدفء، فالذهب سيمنحنا الثروة والسعادة.. ترد والدته: السعادة فى الرضا والقناعة يا خالد.. لا يقتنع خالد بهذا الكلام ويعيش فى دنيا الأحلام، أحلام البيت الذهبى الذى قرر أن يحولها لحقيقة. مع أول خيوط شمس يوم جديد، خرج خالد وسار باتجاه التل، كان الطريق طويلاً ومع ذلك أصر على الوصول للبيت الذهبى، فربما وجده خالياً، فيقنع والديه بالإقامة فيه.. انتصف النهار وخالد لا يزال يسير وأخيراً وصل للتل ورأى البيت.. بسرعة طرق الباب وأطلت من خلفه فتاة رقيقة جميلة قال لها: أنا خالد.. ردت بابتسامة.. وأنا شروق.. سألها خالد: هل من الممكن أن أرى بيتك الذهبى؟ ضحكت شروق وتساءلت: وكيف عرفت أن بيتنا من الذهب؟ رد خالد بحماس: لأننى أراه من نافذتى كل يوم وقت الغروب تتلألأ جدرانه ونوافذه ببريق الذهب.. دعته شروق لدخول البيت وقالت: ها هى جدران البيت والنوافذ كلها من الخشب، لكن بيتنا مع ذلك من الذهب، فأنا وأبى وأمى وأختى نعيش فى سعادة لا ينقصنا شىء، حول منزلنا حديقة صغيرة تمنحنا زهورها الجمال، وطيورها البهجة، نزرع فيها الزهور الجميلة وبعض الخضراوات والفواكه نتعاون فى رعايتها وما يفيض عن حاجتنا نبيعه فى السوق.. تعجب خالد وتساءل: وهل هذه هى السعادة؟ آسف يا شروق أخطأت فى العنوان وبيتكم ليس هو البيت الذهبى الذى أبحث عنه.. ردت شروق: تعال معى سأدلك على العنوان.. من بعيد كان هناك بيت تتلألأ نوافذه ببريق الذهب.. قالت شروق: ها هو البيت الذى تبحث عنه.. جرى بأقصى سرعة، وأخيراً لمح من بعيد البيت الذهبى وعندما اقترب منه كانت المفاجأة.. كان البيت الذهبى هو بيته الخشبى! وأمامه كان والده ووالدته ينتظرانه.. نظر خالد للسماء فوجد الشمس تستعد للرحيل وتلملم أشعتها الذهبية التى انعكست على سقف البيت ونوافذه فتلألأت ببريق الذهب.. تساءل خالد بفرحة: كيف تحول بيتنا من الخشب للذهب؟ احتضنه والده وقال: بيتنا من الخشب وسيظل من الخشب، ما تراه يا خالد هو انعكاس أشعة الشمس الذهبية فوق سقف البيت ونوافذه، شعر خالد بخيبة أمل وتساءل: والبيت الذهبى الذى حلمت به؟ قال والده: الحب يا خالد أغلى من الذهب.. ولأول مرة يشعر خالد بجمال الأشجار التى تحيط ببيته الصغير، وبروعة تغريد طيور الكنارى التى تقف على نافذته تهديه أنغامها العذبة.. أشرقت شمس يوم جديد، وأمام باب البيت وجد خالد سلة، تطل منها زهور الفل والقرنفل تحيط بها ثمار البرتقال والبطاطا، ورسالة قرأ سطورها.. إلى صديقى خالد صاحب البيت الذهبى، من صديقتك شروق.. فرح خالد بالرسالة والهدية، وذهب مع والده لورشة النجارة واختار قطعة من الخشب، قطّعها ولوّنها بلون أخضر جميل كتب عليها (البيت الذهبى) علقها على باب بيته الصغير وهو يشعر بالسعادة بتحقيق حلمه.. لم تتغير جدران البيت وظلت من الخشب، الذى تغير هو خالد الذى شعر بحب كل شىء حوله وبالجمال والرضا الذى ملأه فتلألأ قلبه ببريق الذهب.