سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كان واقف بعربية البطاطا فى المكان اللى اتقتل فيه.. كان بيحب"الملاغية" كان دمه خفيف.. وكان وكان وكان والد الضحية: عيلتى فى الصعيد تسد عين الشمس وأقول ل«مرسى»: جبناك من «البير»
وأنت فى طريقك إلى منزل الطفل الشهيد عمر صلاح بائع البطاطا.. يجب أن تخترق شوارع قرية بشتيل الضيقة.. هناك لا تتعثر «البغال» فقط.. لكن سيارات النصف نقل تتعثر.. الملاكى تتعثر.. الناس هناك تتعثر وتسقط على الأرض.. الشوارع غير ممهدة.. بها مطبات «طبيعية» كثيرة.. عند نزولك من الطريق الدائرى تجد سائقى التوك توك فى الانتظار.. يسلك بك أحدهم فى طريق يراها «سهلة» فى الوصول إلى هدفك.. وتجد نفسك تميل يميناً ويساراً ويجعلك تقترب من الأرض.. وقبل أن يعود إلى اتزانه يأخذك ويميل بك من جديد. هنا عامل فى سنترال ترك دراجته وبدأ فى إصلاح كابينة التليفونات المغذية للقرية.. وعلى بعد أمتار تجد كوماً من القمامة والنيران اشتعلت به.. الدخان المنبعث لم يمنع بائع الفاكهة من المناداة على «فاكهته والناس».. وإلى جواره تجد عربة فول مغطاة بإحكام.. بائعها عاد إلى مسكنه فى هدوء بعد أن تجاوزت الساعة الثانية من ظهر أمس الأول الخميس وانتهى من عمله.. المساكن هناك عجيبة.. وغريبة.. تشعر أنك «جارك معك».. الشرفات متقاربة والأبواب تنظر إلى أبواب مواجهة لها فى صمت عجيب. هكذا الوضع فى قرية قسمها الطريق الدائرى إلى نصفين.. وتصل إلى شارع الفحام.. وتسأل على رقم 45 وتجد بائعاً عجوزاً: «يا ابنى متسألش على الرقم.. قول عايز مين».. وتجيبه: صلاح عمران.. أبو عمر.. ينتفض العجوز أبو ولدنا «عمر».. آهو.. شايف دكان البقالة اللى على اليمين قدام.. روح هناك ونادى وقول يا صلاح أو يا أبو عمر.. آهو قدامك. تصل إلى المكان.. تجد ورقة معلقة أخفت الرقم 45 وعليها بخط اليد مكتوب «الشهيد عمر صلاح».. علقها أحد جيرانه بعد دفن عمر بساعات قليلة.. تنادى على الأب وتدخل إلى الشقة.. الأم تختفى خلف ملابس الحزن السوداء.. الرجل يتابع حلقة الإعادة من برنامج «آخر كلام» ليسرى فودة وضيفه بلال فضل.. ويتابعان فيديو عن «الدهان الفصيح» هكذا وصفه بلال وهو الرجل الذى دهن سور قصر الاتحادية وروى قصته وحكى عن راتبه وأن الرئيس «لا يرى» مَن هم خارج القصر ولا يشعر بهم. أنا أبو عمر.. أنا باوجه كلامى للناس اللى قالت إن عمر ده ملوش أب -هكذا يتحدث صلاح عمران شعبان 41 سنة-.. ابنى ليه أب وعيلتى فى الصعيد تسد عين الشمس.. والله آلاف فى سوهاج.. وتحديداً فى مركز طما قرية «المواطين».. غرب المدينة.. أيوه أنا بلديات الشهيد الحسينى أبوضيف.. ويوم ما جنازته طلعت من عمر مكرم كنت هناك وبكيت.. بكيت على الرجالة اللى بتروح. ويومها شفت أهلى وناسى وافتكرت أول يوم جيت فيه مصر وسبت الصعيد. لما سبت الصعيد كان عمرى كده 12 سنة زى سن عمر ولدى.. مات وهو عنده 12 سنة.. أنا هنا بابيع بطاطا من سنين.. شقتى آهى قدامك.. ملكى.. والبيت ده بتاع أبويا.. آه ضيقة لكن ستر وغطا علىّ أنا والعيال.. إحنا هنا 10 فى الأسرة.. أنا ومراتى.. و8 عيال.. بقينا 7 بعد ما عمر اتقتل بالرصاص قرب الجامعة الأمريكية.. وحقه مش هاسيبه وهيرجع غصباً عن التخين فى البلد. عمر ابنى جدع و«حِرك» و«يناغش» اللى قدامه.. عشان كده هو معروف هنا فى المكان ونص بشتيل عارفاه.. وكان ليه زملاء كتير فى ميدان التحرير لأن دمه كان خفيف.. ويعرف يرد ويلاغى الزباين وكان بيقف بعربية البطاطا فى المكان اللى اتقتل فيه.. وأنا أصلاً باشتغل بعربيتى عند جنينة الحيوانات فى الجيزة.. لكن فى أيام كده بانزل فيها التحرير عشان ناكل عيش. اللى زينا مينفعش ينام فى البيت.. لو نمت مش هلاقى آكل.. يوم بيوم.. وعمر كان ساندنى.. يوم ما قتلوه.. كنت فى التحرير.. لقيت عيّل بتاع لب جاى يجرى ناحيتى.. وقال لى الحق يا عم صلاح.. الحق عمر اتعور ونقلوه على المستشفى.. خد طلقة فى كتفه.. جريت على المكان لقيت دم ولدى سايح على الأرض.. جنب العربية.. وسألتهم هو فين.. ورُحت المستشفى وهناك قالوا لى: «انت أبو الواد.. البقية فى حياتك.. ابنك خد رصاصتين.. ومات على طول.. جالنا ميت».. كان همى أدفن الواد.. وشرّحوه وجيت على هنا ودفناه.. أقسم بالله.. آلاف كانت فى الجنازة.. والعيلة كلها جات من الصعيد عشان تشاركنى الحزن. رحت لمكان الجريمة وسألت: حصل إيه.. قالوا لى عسكرى فى الجيش كان واقف بسلاحه.. وقال ل«عمر».. عايز بجنيه بطاطا.. عمر قال له طب أدخل حمام قريب وأرجع لك.. العسكرى قال له عايز حالاً وإلا هاضربك بالنار.. واضح إن الموضوع كان هزار.. وصوّب سلاحه على ولدى وقتله.. يعنى ينفع يكون الهزار بالسلاح.. ولدى خد طلقتين ومات ومحدش سأل فينا خالص.. 10 أيام.. ولا أعرف مصير القاتل إيه.. حبسوه ولاّ مشوه.. استجوبونى فى القسم وخدوا منى كلمتين قبل ما أستلم الجثة.. وخلاص. ابنى كان يطلع من هنا الساعة 7 الصبح.. ويتوكل على الله.. ويفضل هناك ونرجع مع بعض فى وقت متأخر.. وأحياناً لما الدنيا تكون «بايظة» والضرب شغال والمواصلات صعبة.. كان ولدى ياخد جنب وينام قريب من عربيته.. عمر هو الثالث بين إخوته وأصغر منه 5.. وهو خرج من المدرسة فى الابتدائى.. آهى ظروفى مكنتش حلوة أيامها.. وكان بيقف معايا على عربية البطاطا وأخد منى الصنعة.. وكان قرش منى على قرش منه فاتح البيت. آخر مرة كان هنا قبل ما يتقتل بساعات.. والصبح كان خارج ولقى جارتنا كبيرة فى السن شوية.. وقال لها «خليكى انتى يا ست أم محمود أنا هاجيب لك العيش ما تقفيش فى الطابور».. ولدى كان جدع وحقه هيرجع يعنى هيرجع.. دم ابنى فى رقبة الرئيس مرسى.. ووزير الدفاع.. أنا والله ما انتخبت مرسى ولا انتخبت حد.. أنا من الصعيد زى ما قلت.. ومفيش حد من المرشحين ملا عينى.. من أيام عبدالناصر مفيش حد حبيناه وحكم البلد زيه.. أنا بقول لكل الناس.. ابنى دمه فى رقبة مرسى وعايز عقوبة الإعدام للى قتله وأقول للريس: «احنا جبناك من البير.. يعنى من تحت وخليناك رئيس يبقى تعيد الحقوق وتشوف الغلابة اللى فى البلد عايشين ازاى وبياكلوا ازاى وبيناموا ازاى.. جبناه من البير يعنى جه من تحت من وسطينا.. من الناس الغلابة. أنا من يوم ما الواد مات منزلتش الشغل.. وبكره الأحد ال «15» بتاعته.. يعنى هنجيب شيخ وقرآن وسرادق كبير.. الناس فى الحتة هنا بيحبوه عملوا له بوستر كبير.. مش عارف هارجع الشغل إمتى.. ده أنا مؤجر عربية البطاطا اللى شغال عليها ب 5 جنيه فى اليوم.. يوم القتل.. سبتها وجريت على ولدى.. وبعد يومين رجعت فى نفس المكان.. لقيتها اتسرقت.. ولاد الحلال «خدوها».. وراحت زى ما «عمر» ابنى راح.