◄ اعتراف إسرائيل ب«أرض الصومال» لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين ◄ التقاء المصالح الإسرائيلية الإثيوبية بالصومال يهدد الأمن القومي المصري لا يمكن النظر فقط إلى المخاطر التى تهدد الأمن القومي المصري في منطقة مضيق باب المندب بجنوب البحر الأحمر من ناحية الاعتراف الإسرائيلي بدولة «أرض الصومال» المنشقة عن الصومال، بل يجب ربطها بالصورة كاملة، تتضمن هذا الاعتراف غير الشرعي بدولة غير شرعية - لا يوجد اعتراف دولي واسع بها منذ إعلان إقليم صومالي لاند استقلاله عن الصومال عام 1991 - وربطه بمحاولات تقسيم السودان التي تمثل امتدادا طبيعيا للأمن القومى المصري من الناحية الجنوبية، وكذلك بملف سد النهضة الإثيوبي الذي يمثل مخاطر شديدة على الأمن المائي المصرى، ومحاولة حصول إثيوبيا على منفذ بحري سواء فى إريتريا، أو فى أرض الصومال. كما يجب ربط الاعتراف الإسرائيلي بمحاولة تهجير سكان غزة التي يسعى لها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فبعد رفض مصر القاطع للتهجير تسعى إسرائيل لتوطين نحو 1.5 مليون فلسطينى فى أرض الصومال، بخلاف مخاطر ما سيخلقه تواجد قوات بحرية إثيوبية بالقرب من باب المندب من توترات على حركة عبور السفن بقناة السويس. وإذا أضفنا للصورة ما يحدث فى ليبيا غربا، والتوترات التى تسببها إسرائيل سواء فى غزة أو لبنان ستكتمل الصورة، لنجد أنفسنا أمام محاولات حثيثة ودؤوبة، بل مؤامرة مكتملة الأركان لحصار مصر من جميع الجهات. الاعتراف الإسرائيلى ب«أرض الصومال» يعيد الجدل حول مستقبل القرن الإفريقى، ليس بوصفه ملفًا محليًا يخص الصومال وحده، بل باعتباره جزءًا من نمط متكرر لإعادة تشكيل الدول الهشة فى محيط البحر الأحمر، فى توقيت تتفكك فيه السودان، وتتصاعد فيه النزاعات العرقية والسياسية فى إثيوبيا، ولا يمكن فصل هذا التزامن عن تحولات جيوسياسية أوسع تمس الأمن القومى العربى والمصرى بشكل مباشر. فالاعتراف الإسرائيلى ب«أرض الصومال» ليس خطرًا فوريًا على مصر، لكنه حلقة جديدة فى سلسلة تطويق النفوذ المصرى فى محيطه الاستراتيجى الجنوبى والبحرى، مما يتطلب يقظة دبلوماسية وأمنية مستمرة، فالإقليم المحيط بمصر يمر بحالة من إعادة التشكُّل الجيوسياسى العميق، وتتقاطع فيها النزاعات المسلحة مع مشاريع النفوذ الدولى والإقليمى، والاعتراف الإسرائيلى بإقليم «أرض الصومال» يعتبر حلقة جديدة فى سلسلة تحركات تؤثر بشكل غير مباشر ولكنه بالغ الخطورة على الأمن القومى المصرى، خاصة عند ربطه بتطورات الحرب فى السودان وتعقيدات ملف سد النهضة الإثيوبى. إقليم «أرض الصومال» يقع على الضفة الجنوبية لخليج عدن، بالقرب من مضيق باب المندب، الذى يعد أحد أهم شرايين التجارة العالمية، والبوابة الجنوبية للبحر الأحمر وقناة السويس، ولذلك فإن أى اعتراف إسرائيلى بهذا الكيان لا يمكن فصله عن السعى الإسرائيلى لتعزيز الوجود الاستخباراتى والعسكرى غير المعلن فى الممرات البحرية الحيوية، بالإضافة لبناء نقاط مراقبة متقدمة لحركة السفن والطاقة والتجارة.. وهو ما يتسبب فى زيادة القدرة على التأثير غير المباشر فى أمن الملاحة المتجهة لقناة السويس، وإدخال عنصر خارجى جديد فى معادلة أمن البحر الأحمر، بما يقلِّص من حرية الحركة الاستراتيجية المصرية. وتتسع دائرة الخطر عندما نربط ذلك بما تتمتع به إسرائيل من علاقات وثيقة مع إثيوبيا، خاصة أنها تشمل التعاون فى المجالات الأمنية، والتكنولوجية، والاستخباراتية، حيث إن توسيع النفوذ الإسرائيلى فى القرن الإفريقى يؤدى إلى تعزيز الدور غير المعلن لإسرائيل فى دعم الموقف الإثيوبى فيما يخص ملف سد النهضة، وتوفير عمق لوجستى واستخباراتى إضافى لإثيوبيا على البحر الأحمر، وهو ما كانت تفتقر إليه تاريخيًا. وسيتسبب ذلك فى التأثير على الموقف المصرى، سواء بتقليص أوراق الضغط الإقليمية المتاحة لمصر، أو تعقيد أى مساعٍ مستقبلية لفرض تسوية عادلة وملزمة قانونيًا بشأن ملء وتشغيل السد الإثيوبى. وفى ذات السياق يأتى الصراع فى السودان كحلقة مكملة للصورة، خاصة أن السودان يمثل العمق الاستراتيجى الجنوبى المباشر لمصر، وأى حالة عدم استقرار طويلة الأمد داخله تنعكس تلقائيًا على الأمن القومى المصرى، فتفكك الدولة السودانية أو إضعافها يحدّ من قدرة مصر على التحرك جنوبًا، ويفتح المجال لتدخلات إقليمية ودولية متنافسة، كما أن الاعتراف بكيانات انفصالية مثل «أرض الصومال» ودعم ميليشيات الدعم السريع فى السودان يخدم منطق تفتيت الدول المركزية فى محيط مصر الجنوبى، وهو ما يصب فى مصلحة القوى الساعية لإعادة رسم خريطة القرن الإفريقى بما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية. ونظرا للخطورة الشديدة لما يحدث بمنطقة القرن الإفريقى على الأمن القومى المصرى ترفض مصر مشاريع التقسيم والانفصال، لأن هذه المشاريع تخلق بؤر صراع دائمة، وتضعف الدول الوطنية، كما تزيد من احتمالات التدخل الخارجى. وهذا السيناريو لا يمثل تهديدًا عسكريًا مباشرًا لمصر فحسب، لكنه يعتبر تهديدا تراكميا طويل المدى، يعيد تشكيل البيئة الأمنية المحيطة بمصر من الجنوب (السودان)، والجنوب الشرقى (القرن الإفريقى)، والبحر الأحمر، وهو ما يُعرف استراتيجيًا ب «الضغط متعدد المحاور». إن الاعتراف الإسرائيلى ب«أرض الصومال» إذا تحول لواقع سياسى لا يمكن قراءته كحدث منفصل، بل كجزء من مشروع إعادة هندسة التوازنات بمنطقة القرن الإفريقى، ومع استمرار الحرب فى السودان وتعقيدات سد النهضة تواجه مصر بيئة استراتيجية أكثر تعقيدًا تتطلب رؤية شاملة، وتحركًا استباقيًا، وتنسيقًا إقليميًا واسعًا للحفاظ على أمنها القومى ومصالحها الحيوية، لأن الاعتراف الإسرائيلى ب«أرض الصومال» يرتبط ارتباطًا مباشرًا وخطيرًا بمحاولة إثيوبيا الحصول على منفذ بحرى فى «أرض الصومال»، وهو ما يمثل تطورًا بالغ الحساسية على الأمن القومى المصرى، لأن إثيوبيا تسعى للحصول على ميناء بحرى فى «أرض الصومال» مستفيدة من علاقتها الوثيقة مع إسرائيل، لتعويض تحولها لدولة حبيسة − بدون منافذ بحرية − منذ انفصال إريتريا عنها عام 1993، وهو ما أدى لاعتمادها بنسبة تفوق 90% على ميناء جيبوتى.. كما أن عدم وجود منفذ بحرى لإثيوبيا يقيّد طموحاتها الإقليمية، كما يحدُّ من تحولها لقوة إقليمية مؤثرة، ولذلك فإن الحصول على ميناء بحرى لها فى أرض الصومال لا يمثل خطوة اقتصادية فقط، بل تحولا استراتيجيا شاملا. وإذا نجحت إثيوبيا فى الحصول على ميناء سيكون لذلك تداعيات خطيرة على الأمن القومى المصرى، لأن إثيوبيا ستتحول من دولة حبيسة إلى لاعب بحرى، لأنها ستمتلك ذراعًا بحرية لأول مرة، وستكون قادرة على استيراد السلاح مباشرة، وتنويع التحالفات العسكرية، وتقليص الضغوط الإقليمية عليها، وهو ما يغيّر موازين القوى فى حوض النيل والقرن الإفريقى. كما أن وجود منفذ بحرى لإثيوبيا يعزز موقفها التفاوضى فى قضية سد النهضة، ويقلّل من تأثير أى ضغوط دبلوماسية أو اقتصادية محتملة، كما يفتح المجال لدعم لوجستى وتقنى أكبر لمشروعاتها المائية.. وتلعب إسرائيل دورا كبيرا فى ذلك من خلال اعترافها ب«أرض الصومال»، وتقديمها دعما دوليا محدودا لهذا الكيان، وهو ما يوفر مظلة سياسية وأمنية لصفقات من هذا النوع، وتسهيل دخول لاعبين خارجيين (منهم إسرائيل) كشركاء أمنيين، وهو ما يخلق محورًا يتضمن إثيوبيا، وأرض الصومال، ودعما خارجيا، مما يتعارض بشدة مع المصالح المصرية، لأنه يخلق تهديدا غير مباشر لأمن البحر الأحمر وقناة السويس من خلال تحول إثيوبيا إلى لاعب بحرى فى خليج عدن، وهو ما يمكن تفسيره بوجود قوة مرتبطة بصراعات مياه النيل على مقربة من باب المندب وطرق الملاحة إلى قناة السويس، وبالتالى يمثل خطرًا استراتيجيًا كامنًا، وليس تهديدًا عسكريًا فوريًا. ويزداد هذا التهديد بسبب ارتباطه بالصراع فى السودان الذى يشكّل العمق الجغرافى الجنوبى لمصر، لأن إضعاف السودان أو تقسيمه بالحرب يعزل مصر استراتيجيًا، ويقلِّص قدرتها على التأثير جنوبًا، وهو ما يتزامن مع تعاظم النفوذ الإثيوبى بحريًا، الذى يعزز من سياسة فرض الأمر الواقع فى ملف المياه.