ساعات قليلة بعد تصريحات السيد مجدى العجاتى التى أعلن فيها استعداد الدولة للتصالح مع عناصر جماعة الإخوان المسلمين غير المتورطين فى أعمال العنف، حتى تسرّبت معلومات حول قيام مستشار الرئيس للشئون الدينية، الشيخ أسامة الأزهرى، بإجراء مراجعات دينية مع عناصر الجماعة الإرهابية الموجودين فى السجون المصرية، إذا وضعنا تصريحات «العجاتى» وحركات «الأزهرى» معاً، نكون أمام توجّه دولة بإجراء مصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، وهنا نكون أمام خطأ قاتل من قِبَل المسئولين عن إدارة شئون البلاد اليوم، لاعتبارات مبدئية وعملية أيضاً فى آن واحد. فمن الناحية المبدئية فإن الدول المركزية وذات السيادة لا تدخل فى حوارات ولا تطرح فكرة المصالحة مع جماعة من الجماعات مهما كانت المبررات، فالدول ذات السيادة تحترم دستورها وتطبّق قوانينها، لا نتحاور مع جماعة فرعية ولا تطرح فكرة المصالحة من أساسها، فقط الدول الهشة، الرخوة والضعيفة، الممزقة والمنقسمة على ذاتها، والعاجزة عن السيطرة على ترابها الوطنى هى التى تتحاور مع جماعات فردية، وتبحث عن المصالحة مع جماعات من دون الدولة. الدول القوية ذات السيادة تحتكر استخدام القوة، وفق الدستور والقانون ولا نتسامح مع من يرفع السلاح فى وجه الوطن والمواطنين، من يرفع السلاح فى وجه الدولة، الوطن أو المواطن، يطبّق عليه القانون، ومن هنا فإن دعوة السيد العجاتى إلى المصالحة مع عناصر الجماعة الذين لم يرتكبوا أعمال عنف هى دعوة فارغة من المضمون، فمن لم يستخدم العنف أو يشرع فى استخدامه لا يكون محل مساءلة، لأن القانون لا يُحاسب على الأفكار والنوايا إلا إذا ترتب عليها ارتكاب أفعال مجرّمة أو انتهاك القوانين. أما من الناحية العملية، فالدولة حكاية طويلة مع قصة المراجعات الفكرية التى جرى الترويج لها فى عقد التسعينات من القرن الماضى، ودخلت الدولة ممثلة فى شيوخ الأزهر ومعمميه فى سلسلة طويلة من المراجعات الفكرية مع قيادات وكوادر تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية من أمثال «آل الزمر»، وعاصم عبدالماجد، وغيرهم، وأعلنوا نجاح المراجعات الفكرية ونبذ الجماعات للعنف وعدم العودة لاستخدام السلاح ضد الدولة والشعب مرة ثانية، وبعضهم أعلن الندم عما ارتكبت يداه من أعمال عنف وإرهاب، وتلطخت بدماء الأبرياء. كانت النتيجة الإفراج عن آلاف من قيادات الجماعة وكوادرها، لكن ما إن وقعت أحداث ثورة 25 يناير حتى خرج معظم قادة الجماعة على أفكار المراجعة، عادوا إلى أفكارهم التكفيرية ودعواتهم التحريضية، ومع تسلم «مرسى» للسلطة وسيطرة الجماعة على مقاليد السلطة فى البلاد، انخرط قادة من الجماعات التى قامت بالمراجعة، فى العودة إلى السلاح مجدداً، هدّدوا القوى المدنية وحشدوا قواهم وتحالفوا مع السلفيين الذين أخرجوا التنظيمات المسلحة ممن سموا السلفية الجهادية، وأخبرته فى الهواء أفكار المراجعة وأحاديثها وباتت أثراً بعد عين. السؤال هنا إذا كانت فكرة المصالحة مع جماعة إرهابية تضرب مبدأ الدولة ذات السيادة، وإذا كانت أحاديث المراجعات الفكرية لا تعدو أن تكون وهمية وتتطور إلى نصب على الشعب؟ الجماعات تقبل فكرة المراجعة عندما تتعرّض لهزيمة، ومن ثم تبحث عن التكيف من أجل البقاء، وتحين الفرصة للخروج مجدداً وحمل السلاح ضد الدولة والمواطنين من جديد، إذا كان ذلك كذلك، فلماذا يتحدث بعض المسئولين اليوم مجدداً عن فكرة المصالحة؟ ولماذا يعود الحديث مجدداً عن المراجعات الفكرية الوهمية؟ هل لم يتعلموا الدرس؟ أم أنهم يحملون فكراً قريباً من فكر هذه الجماعات؟ أم أن هنالك من يريد إعادتها إلى معادلة «مبارك» من جديد، سيكون مؤداها صحيح أننا لم نقم نظاماً ديمقراطياً، لكننا المعتدلون مقارنة بالبديل الوحيد المتاح، وهو حكم المرشد والجماعة؟ الشعب المصرى لفظ الجماعة وركلها خارج السلطة بعد عام واحد وأراد نظاماً مدنياً وإبعاد رجال الدين عن السياسة والحكم، فهل يريدون إعادتنا مجدداً إلى معادلة «السادات - مبارك»؟