أثار تصريح السيد رئيس الجمهورية بأن المعايير الدولية لحقوق الإنسان (المعايير الأوروبية) لا يمكن أن تطبق عندنا، أسئلة كثيرة حول طبيعة الالتزام بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وهل فعلاً هناك معايير أوروبية وعربية ومصرية وأفريقية، وكذلك لو كان هناك اختلاف فى الواقع المصرى عن الأوروبى بما يؤدى إلى عدم الالتزام بمعايير حقوق الإنسان هنا يدق السؤال لماذا تصدق مصر على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ وفى الحقيقة لا يسعنا هنا إلا أن نختلف مع سيادة رئيس الجمهورية فى هذا الموضوع، فحقوق الإنسان قيم عالمية ساهمنا من اليوم الأول لمناقشة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى سان فرانسيسكو حتى إعلانه فى قصر دى شيون بباريس والذى وضع قيم ومبادئ حقوق الإنسان فى صورة الإعلان العالمى. وهنا نذكر بأهم مؤتمر دولى عقد فى العصر الحديث حول حقوق الإنسان فى مدينة فيينا عام 1993 وأثناء تولى الدكتور بطرس غالى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وفى هذا المؤتمر تم إرساء مبادئ أساسية أهمها عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة، أى هى وحدة واحدة تتساوى فى القيمة، فالحقوق المدنية والسياسية تأخذ نفس أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهى التزام على الدول والحكومات بتنفيذها. كذلك عدم التذرع بالخصوصية الثقافية للتحلل من الالتزام بحقوق الإنسان كأن تقول إن حقوق الإنسان لا يمكن تطبيقها عندنا لاختلاف واقعنا الثقافى عن الواقع الأوروبى مثلاً، فمبادئ حقوق الإنسان عالمية. كما أن دستور مصر لعام 2014 قد أقر الالتزام الكامل بالمواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر وصدّق عليها البرلمان فى المادة 93 من الدستور الذى قرر أن الاتفاقيات المصدّق عليها تعامل معاملة القانون الداخلى، أى تطبق مباشرة. ومن أهم التطورات التى تؤكد عالمية حقوق الإنسان ووحدة المعايير هو تحويل لجنة حقوق الإنسان إلى مجلس حقوق الإنسان عام 2006 وإنشاء آلية لفحص مدى التزام الدول بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وهى آلية التقرير الدورى الشامل UPR. وهى تلزم كل دول العالم أن تقدم تقريراً دورياً كل أربع سنوات تؤكد فيها كل ما قامت به سواء تعديلات تشريعية أو سياسات محددة أو آليات وطنية من أجل تعزيز واحترام حقوق الإنسان. وقد سبق أن قدمت مصر تقريرها الأول عام 2010 قبل ثورة يناير 2011 والثانى 2014 بعد ثورة 30 يونيو وفى كلا التقريرين أعلنت الحكومة قبولها التوصيات الصادرة من الدول الأعضاء بالمجلس الدولى لحقوق الإنسان وبلغت التوصيات فى التقرير الأخير حوالى 300 توصية أعلنت الحكومة قبول 260 توصية تتعلق بتعديلات تشريعية لقانون الجمعيات ومكافحة التعذيب وتحسين أوضاع السجون وحقوق المرأة والأقليات وغيرها من حقوق الإنسان وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان المتفق عليها والتى أصبحت معايير عالمية. فضلاً عن أن أغلب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان شاركت مصر فى المناقشات من خلال خبراء وزارة الخارجية وساهمت عبر مجموعات أقلية مثل منظمة الوحدة الأفريقية (المجموعة الأفريقية) أو جامعة الدول العربية (المجموعة العربية) أو منظمة المؤتمر الإسلامى (المجموعة الإسلامية) أو مجموعة عدم الانحياز. أى إن هذه المعايير الدولية والقانون الدولى لحقوق الإنسان قد شاركنا فى صنعها وإنشائها، لا سيما أن مصر من الدول التى ساهمت فى هذه المواثيق منذ عام 1948 حتى الآن. فى الحقيقة سيادة الرئيس لم تعد عالمية حقوق الإنسان محل نقاش بل كل الدساتير فى العالم أجمعت على الالتزام بها، بما فى ذلك الدستور المصرى.