رحلة البحث عن المصابين فى أحداث ليلة أول من أمس تستوجب المرور بثلاثة مستشفيات قريبة من موقع الأحداث.. أحمد أمين، صديق أحد المصابين، ظل يبحث عن صديقه مهند ممدوح، الطالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة، لساعات طويلة بعد اتصال هاتفى تلقاه صباح أول من أمس يخبره فيه بأنه أصيب بخرطوش فى عينه وأنه طريح الفراش فى المستشفى، لينقطع الاتصال من دون أن يدرك أحمد أى مستشفى يرقد فيه صديقه. انطلق نحو مستشفيات جامعة عين شمس، يتساءل عن قسم الجراحة وعن صديقه ليخبره القائمون على المستشفى بأنهم لم يتلقوا أية إصابات من الأحداث، وأن مستشفى الزهراء الجامعى ودار الشفاء هما المنوط بهما استقبال المصابين، ومن داخل مستشفى الزهراء، الذى استقبل ما يقرب من 14 حالة منذ الصباح الباكر، يرقد داخل وحدة الجراحة 4 منهم، فى حالات حرجة، وفق تشخيص الأطباء. أحدهم محمود محمد، الذى وجدناه يرقد غارقاً فى دمائه، بعدما أصيبت عينه اليسرى بطلق خرطوش، علاوة على إصابات متفرقة فى جسده من جرَّاء طعنات بمطواة، بعد أن هجم عليه من سماهم «أهالى العباسية».. جاء محمود من منطقة الشيخ زايد هارباً من أهله بسبب خلافات أسرية، فلجأ إلى خيام المعتصمين معتبراً إياها مكاناً مناسباً يوفر له الطعام والمأوى. إلى جواره يرقد أحمد السيد، طالب فى الثانوية العامة، عمره 15 عاماً، كان فى طريقه إلى مركز الدروس الخصوصية، ولفتت انتباهه الاشتباكات التى وقعت، فوقف على جانب الطريق يتابع ما يحدث، لكنه تعرض لإصابة فى قدمه اليسرى، وتم نقله إلى المستشفى فى انتظار أن يتم إجراء جراحة له لاستخراج بقايا شظايا علقت فى قدمه. الدكتور محمود مبروك، مدير عام مستشفى الزهراء الجامعى، أكد أن المستشفى أعلن حالة الطوارئ منذ أول من أمس لاستقبال الحالات التى تتوافد عليه من الأحداث، خاصة أنه على بعد مسافة بسيطة من مكان الاشتباكات؛ حيث زاد عدد الأطباء من الجراحة العامة والعظام، مشيراً إلى أن المستشفى استقبل 14 حالة حتى صباح أول من أمس توفى منها حالة واحدة فقط لمواطن يدعى عاطف فتحى عبدالفتاح، 40 عاما، استقبله المستشفى فى الثالثة والنصف فجر أول من أمس مصاباً بطلق نارى فى الصدر مات إثره بعد ساعات. وأشار مبروك إلى أن الحالات جميعها مصابة بجروح قطعية وكدمات وسحجات فيما عدا 6 حالات مصابة بطلق نارى، وهى التى مازالت تخضع للجراحة. فى وحدة الاستقبال لم تنقطع عملية استقبال الحالات ما بين صراخ الحالات المصابة وتعليمات الأطباء التى تعلو بين الحين والآخر لإفراغ المكان من الأهالى حتى يتم التعامل مع الحالات بهدوء، ضجيج مستمر بالاستقبال ينتهى تماماً أمام باب المشرحة؛ فمسئولها يجلس بحزن شديد وترقب لما يراه أمامه بعد أن جاء أهالى المتوفى الوحيد ليخبروه بأن «عاطف» لم يكن مشاركاً فى المظاهرات، لكن القدر قاده لمكان الاشتباكات ليلقى حتفه هناك. الصراخ والعويل خيما على شارع غرب القشلاق المجاور لمستشفى دار الشفاء؛ حيث اتشحت السيدات بالسواد وعلا نحيب الرجال على فقدان ذويهم الذين أصيبوا فى الأحداث على بعد خطوات من المسشفى الذى كان له نصيب الأسد من الحالات المصابة والمتوفين؛ حيث استقبل منذ ليلة أول من أمس 59 حالة بينهم حالات حرجة و5 وفيات، أغلبهم أصيبوا بطلق نارى فى الرأس والصدر، وطلقات الخرطوش، أحدهم طالب بكلية الطب يدعى أبوالحسن إبراهيم، كان يسكن فى المدينة الجامعية المجاورة للاشتباكات، ونظراً لارتفاع حالات الإصابات وقت الاشتباك تبرع بالنزول إلى المستشفى الميدانى لمساعدة الحالات المصابة، لكن القدر لم يسعفه لتحقيق رغبته؛ فبمجرد وصوله للمستشفى الميدانى لقى حتفه بطلق نارى وتوفى على الفور. حسين محمد، شاب عشرينى، لم يتمالك نفسه وانهار فى البكاء أمام باب المشرحة حين جاء للتعرف على صديق له أخبره المستشفى بأنه أصيب بطلق نارى فى رأسه وكان قد جاء للتعرف عليه والتأكد من هويته، لم يصدق أن صديقه الذى كان متجهاً إلى بيته من دون أن يلتفت أو يشارك فى تلك الاشتباكات يفاجأ بأن طلقات النار تلتهم جسده بين الرأس والبطن. فيما أكد الدكتور أسامة عبدالله، نائب مدير المستشفى، أن أغلب الحالات التى لفظت أنفاسها من سكان العباسية و2 فقط من خارجها، وذكر أن 59 حالة من الإصابات استقبلها المستشفى منذ ليلة أول من أمس ومازال يستقبل الحالات التى تأتى بين الحين والآخر كلما ازدادت الاشتباكات والإصابات. بدرية محمد جلست أمام باب المستشفى تبكى صغيرها إسلام صلاح، البالغ من العمر 20 عاماً، الذى أصيب بشظايا خرطوش فى مناطق متفرقة من جسده بلغ عددها 17 شظية أدت إلى تورم جسده بالكامل.. تقول بدرية إن ولدها كان فى طريقه إلى المنزل فى الواحدة صباحا وكان برفقة صديقه رأفت الحافى، الشهير ب«قطة»، وإن ولدها أخبرها أن عدداً من المعتصمين استقلوا دراجة بخارية وهاجموا ولدها وصديقه وقاموا بتسليط أشعة ليزر على وجهيهما مثل مسدسات القناصة قبل إطلاق النار وبعدها قاموا بتقطيع يدى «قطة» الاثنتين ومثلوا بجسده وتجمع الأهالى لنقله إلى المشرحة فيما جاء ابنها لتلقى العلاج. «هجيب حقك يا قطة».. بهذه الجملة التى سبقتها دموع وصرخات رضا محمود، والد رأفت الحافى الشهير ب«قطة»، أحد المتوفين فى الأحداث الدامية، فيما حمل أهالى الضحايا المجلس العسكرى مسئولية قتل أبنائهم، مستنكرين تخاذل الجيش وعدم التدخل لفض هذه الصدامات.. وتساءل محمد سالم، والد أحد المصابين: «لماذا نزل الجيش الآن بعد وقوع المجزرة ولم يتحرك منذ بداية الاشتباكات التى وقعت منذ 4 أيام؟»، مضيفاً «المجلس العسكرى عاوزها تولع»، بينما يؤكد رمضان محروس، أحد أهالى المصابين، أنهم ذهبوا إلى قسم شرطة الوايلى ليطلبوا منهم التدخل لوقف هذه المصادمات، لكن مأمور القسم رفض الاستجابة لهم، مبرراً ذلك بأن أمراً لم يصل له من المديرية التى يتبعها أو حتى من الوزارة. ويضيف محروس: بعد ساعة تقريبا وجدنا 4 فصائل أمن مركزى جاءت لحماية الكاتدرائية دون أن تحاول التدخل لفض الاشتباكات، متسائلاً: «لمصلحة من يحدث هذا؟». وحمَّل سعيد السيد، أحد أهالى المصابين، الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل مسئولية الأحداث، مشيراً إلى تصريحات سابقة للشيخ حازم أكد فيها أنه فى حالة استبعاده فإن رد الفعل سيكون قاسياً، مشيراً إلى أن أهالى العباسية أكدوا أن الصدامات بدأها أنصار أبوإسماعيل مستخدمين الخرطوش. وأثناء تسلم الأهالى بعض الجثث، حدثت اشتباكات بينهم وبين أمن المستشفى، وأطلق الأهالى أعيرة فى الهواء، وظلت الاشتباكات مستمرة لحين مثول الجريدة للطبع.