أعلنت الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي توصلهما إلى اتفاق مبدئي بشأن برنامج سداد القرض الذى طلبته مصر والذى تبلغ قيمته 8ر4 مليار دولار. وأوضح البيان الصادر عن الصندوق أن الاتفاق يدعم حصول مصر على حزمة تمويلية تبلغ 5ر14 مليار دولار فى شكل قروض وودائع بشروط ميسرة سواء من دول أخرى "شركاء ثنائيين" أو مؤسسات اقليمية ودولية " شركاء متعددى الأطراف" من بينهم صندوق النقد الدولي نفسه. وحدد البيان الصادر عن الصندوق أهداف البرنامج فى خفض العجز بالموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات، مع بناء الركائز المطلوبة لرفع معدلات التوظف بشكل متسارع. أى أن الهدف هو تحسين الوضع المالى الداخلى والخارجى، أما فيما يتعلق بالاقتصاد الحقيقى ، فالهدف لا يتجاوز " بناء الركائز" التى يمكن أن تحقق رفع معدلات النمو ومعدلات التوظيف فيما بعد. أما بيان الحكومة فقد انطلق يتحدث عن أن أهداف البرنامج هى الدفع بمعدلات النمو الاقتصادى والتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال إعادة ترتيب أولويات الموازنة العامة لصالح الفقراء، وتحقيق الاستقرار المالى والاقتصادى وتحسين مناخ الاستثمار. والواقع أن قراءة بنود الاتفاق وما يتضمنه من سياسات تؤكد أنه أبعد ما يكون عن دفع معدلات النمو أو تحقيق العدالة الاجتماعية. فلتحقيق التوازن المالى الداخلى وخفض عجز الموازنة يركز الاتفاق على خفض الإنفاق على الدعم ولا سيما دعم الطاقة الذى يغطى حاليا البوتاجاز والبنزين بأنواعه المختلفة والمازوت والسولار والغاز الطبيعى، وهو الأمر الذى سيشعل لهيب الأسعار ويطيح بالقوة الشرائية لدخل الفئات الفقيرة، فى ظل غياب أى سياسات جادة لمواجهة الاحتكار وضبط الأسعار و رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات. كما يشير الاتفاق إلى العمل على زيادة الإيرادات العامة بتوسيع قاعدة الضريبة على المبيعات وهى الضريبة التى تضاف إلى أسعار السلع والخدمات ويترتب عليها ارتفاع تكاليف المعيشة وبالتالى الإضرار بالفئات محدودة الدخل، فضلا عن تطبيق ضرائب تصاعدية على الدخل. علما بأن حد الإعفاء لايتجاوز فى أفضل الحالات 750 جنيها شهريا للموظف الحكومى. أى أن تصاعد الضريبة يبدأ بالاقتطاع من الفقراء والمستويات الدنيا للدخول. وعلى صعيد تحقيق التوازن المالى الخارجى يركز الاتفاق على " تعزيز القدرة التنافسية لمصر" وهو المصطلح الذى يعنى عادة تخفيض قيمة العملة لحفز التجارة وجذب التدفقات الداخلة لرأس المال. والحجة هى أن تخفيض قيمة الجنيه يؤدى إلى رخص أسعار المنتجات والخدمات المصرية أمام العالم الخارجى وبالتالى زيادة الصادرات وتنشيط السياحة، وتشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية. إلا أن الجانب الآخر من الصورة هو أن تخفيض قيمة العملة يعنى ارتفاع أسعار الواردات من الغذاء والسلع المختلفة، وارتفاع تكلفة الوقود والانتاج الصناعى المحلى، لتكون النتيجة اشتعال معدلات التضخم. وتصبح مهمة السياسة النقدية هى العمل على تخفيض تلك المعدلات باتباع سياسة انكماشية تترجم فى ارتفاع تكلفة التمويل للمشروعات المختلفة. أما بالنسبة للاستثمار وفرص العمل فيركز الاتفاق على ضمان فرص المنافسة المتكافئة لجميع المستثمرين، كما يبشرنا بالشراكة بين القطاعين العام والخاص فى مجالات مياه الشرب والطرق والصحة وإعادة تدوير المخلفات الصلبة. أى باختصار تطبيق الصيغة المحدثة لخصخصة المرافق العامة مع فتح الباب للاستثمار الأجنبى فى ذلك المجال تحت شعار الفرصة المتكافئة. باختصار شديد نحن بصدد سياسات انكماشية يتحمل أعباءها الفقراء, وخصخصة للمرافق الأساسية تفتح الباب لرأس المال الأجنبى حتى فى مجال مياه الشرب والصحة. ألم نخرج منذ عامين ثائرين على نفس هذه السياسات؟