يبدو أن هناك فى تفاصيل البرنامج المقدم للحصول على قرض صندوق النقد ما تريد حكومة الدكتور هشام قنديل أن لا يعلمه أحد سواها، حيث لم تعلن عن تفاصيل البرنامج سوى مجرد عناوين على شاكلة «الدفع بمعدلات النمو وتطبيق أطر الحوكمة ومحاربة الفساد وكذلك توجيه الدعم لمستحقيه». لكن الحكومة لا تدرك أنه لا شىء يبقى فى الخفاء، فكل المؤسسات الدولية تتعامل بشفافية، فبيانات صندوق النقد الدولى المبدئية عن البرنامج والتى نشرت على موقعه فور توقيع الاتفاق المبدئى فتضمنت تفاصيل -وإن كانت محدودة- إلا أن لها دلالات متعلقة بالمحاور الرئيسية للبرنامج، والتى تشكل حالة التوقيع النهائى للاتفاق الوضع والسياسات الاقتصادية لمصر خلال السنوات القادمة.
مدير عام قطاع البحوث بالبنك الأهلى سابقا الدكتورة سلوى العنترى قالت ل«التحرير» إنه كعادة البرامج المبرمة مع صندوق النقد الدولى، تتطلب مجموعة من السياسات التقشفية التى تنصب آثارها بالدرجة الأولى على الفقراء والفئات محدودة الدخل.
يمكن تقسيم تلك السياسات التقشفية إلى ثلاث مجموعات، تتعلق الأولى بميزان المدفوعات، والثانية بالموازنة العامة للدولة، والثالثة بسياسات الاستثمار، وحسب العنترى فإن برنامج الحكومة فى ما يتعلق بميزان المدفوعات مبنى على «تعزيز القدرة التنافسية لمصر»، وهو الاسم الحركى الذى يطلق عادة على تخفيض قيمة العملة، بحجة أن ذلك يؤدى إلى انخفاض أسعار المنتجات والخدمات المصرية أمام العالم الخارجى، وبالتالى زيادة الصادرات وتنشيط السياحة، وتشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، لا سيما أن البرنامج يتضمن أيضا رفع سعر الفائدة فى البنوك «تحت شعار تخفيض التضخم»، وأخذا فى الاعتبار أن مصر مستورد صاف للغذاء كما تعتمد على الاستيراد فى توفير مستلزمات الإنتاج والمنتجات البترولية والسلع المصنوعة والآلات والمعدات، فإن تخفيض قيمة العملة يعنى ارتفاع أسعار الواردات من الغذاء والسلع المختلفة، وارتفاع تكلفة الوقود والإنتاج الصناعى المحلى، لتكون النتيجة اشتعال المستوى العام للأسعار وارتفاع معدلات التضخم. وتصبح مهمة السياسة النقدية هى العمل على تخفيض تلك المعدلات باتباع سياسة انكماشية تترجم فى ارتفاع تكلفة التمويل للمشروعات المختلفة.
العنترى تضيف أنه من خلال قراءة ما بين سطور الشق المتعلق بالموازنة العامة والقائم على خفض العجز عن طريق خفض الإنفاق على الدعم، ولا سيما دعم الطاقة الذى يغطى حاليا البوتاجاز والبنزين بأنواعه المختلفة والمازوت والسولار والغاز الطبيعى، وهو الأمر الذى سيشعل لهيب الأسعار ويطيح بالقوة الشرائية لدخل الفئات الفقيرة. فقد أدى إلغاء الدعم على المازوت وتخفيض الدعم على الغاز الطبيعى خلال الأشهر القليلة الماضية إلى اشتعال فاتورة استهلاك الكهرباء وأسعار الأسمدة، فضلا عن الأسمنت وحديد التسليح.
أما استهداف الدعم للفئات المستضعفة وهو ما ذكره بيان الحكومة، فتقول عنه العنترى إن هذا المصطلح بمثابة «الاسم الحركى» المعتاد لتخفيض دعم المواد الغذائية وفى القلب منها الخبز، ولا توجد تفاصيل معلنة بالطبع عن الإجراءات التنفيذية فى هذا الشأن.
وفى ما يتعلق بسياسات الاستثمار، قالت العنترى إن البرنامج يركز على «أحدث صيحة» فى خصخصة المرافق العامة ممثلة فى الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى مجالات مياه الشرب والطرق والصحة وإعادة تدوير المخلفات الصلبة.
وخلاصة تلك السياسات جميعها، وفقا لرئيس قطاع البحوث بالبنك الأهلى سابقا هى اشتعال أسعار المنتجات النهائية، وأسعار الخدمات الأساسية التى تتم خصخصتها وارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار الوقود ومستلزمات الإنتاج وتكلفة التمويل، بما لذلك من آثار سلبية على معدلات التشغيل، وبالتالى تصاعد معدلات البطالة.
رد فعل المنظمات الاقتصادية على التفاصيل المعلنة من قِبل الصندوق جاء سريعا، حيث قالت مؤسسة فاروس للأبحاث الاقتصادية فى بيان صادر عنها أمس إن تفاصيل البرنامج تؤثر سلبا على مقاييس ربحية عديد من الشركات بسبب مثل زيادة الضرائب وارتفاع تكاليف الطاقة، وتوقعت «فاروس» أن يواجه التوقيع النهائى على القرض عقبات متعددة، أهمها ضرورة الموافقة الشعبية على البرنامج، وهو ما قالت عنه فاروس إنه صعب، نظرا لما سيواجهه البرنامج من معارضة من قبل القوى من غير الإخوان المسلمين.
الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار قالت إن التفاصيل التى حرصت الحكومة على إبرازها تؤكد رفض الحكومة فكرة فرض ضرائب تصاعدية على الشركات وقصرها فقط على الأفراد، والاكتفاء بالحد الحالى عند 25% من أرباح الشركات وبدلا من ذلك وعدت بتوسيع القاعدة الضريبية، موضحة أن صندوق النقد الدولى كان أكثر وضوحًا فى ذكر تفاصيل البرنامج، ومنها رفع تصاعدية ضريبة الدخل وتقوية إدارة المالية العامة لتعزيز شفافية الإنفاق العام، وفى سبيل تحقيق ذلك ستسعى الحكومة إلى توسيع نطاق تغطية حساب الخزانة الموحد، وهو ما يشير إلى نية الحكومة فى ضم أموال الصناديق الخاصة، كما كشفت الجمعية فى بيانها أن تمويل البرنامج سيتم من خلال خطة لاقتراض 14٫5 مليار دولار من مجموعة من الشركاء من بينها الصندوق نفسه، مضيفا أن الحكومة وعدت بالعمل على رفع الاحتياطى الأجنبى للعملات إلى مستوى 19 مليار دولار بنهاية العام المالى الجارى بدلا من 15٫5 مليار دولار حاليا، وهو ما يعد تراجعا عن الهدف الذى أعلنته فى بيان الحكومة والذى يقضى بزيادته إلى 25 مليار دولار فى الفترة المذكورة، مشيرا إلى تجنب الطرفان الحكومة والصندوق الحديث عن أى تفاصيل تخص برنامج هيكلة الدعم، واكتفى بيان الحكومة بالإشارة إلى العبء الذى يمثله حاليا، وهو ما يقتضى ضرورة تخفيضه