حقوق الطالب: ربع الزيارات التي يقوم بها متحدثون "إسلاميون" لجامعات بريطانيا ينتج عنها فصل بين الفتيات والشباب ديلي ميل نشرت صورا بجامعة ليستر ب عنوان "دورة تدريبية على الدعوة الإسلامية" احتل الرجال المقاعد الامامية فيها من يرغبون في وضع المرأة في الصفوف الخلفية يستغلون مناخ التعددية الثقافية ويلعبون بقواعد حرية الرأي من أجل التميز ضد المرأة من الصعب أن يتخيل القارئ في العالم العربي أن تثير قضية الفصل بين الجنسين الجدل في بلد مثل بريطانيا. فالكثيرون في العالم العربي يعتقدون أن مثل هذا القضايا لم تعد موجودة أصلا في الغرب وهناك من يظن أن الاختلاط في الجامعات الاوروبية مباح على الغارب حتي في غرف نوم المدن الجامعية وهو تصور مغلوط برمته. فالجامعات البريطانية تحكمها ضوابط صارمة في الكثير من مناحي الحياة الجامعية ومقاعد الدراسة وبالتأكيد في المدن الجامعية ومن يخرج عن هذه القواعد لا يسلم من المُسألة ولا يأمن من العقاب. غير أن الجدل الدائر في الجامعات البريطانية الآن والذي وصل إلى أعتاب داوننج ستريت واستدعي تصريحا قويا من رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" أوضح فيه بجلاء أن لديه رأي ثابت في قضية الفصل بين الجنسين في مقاعد الدراسة الجامعية وأنه ليس من المقبول أن يملي أي متحدث في منتدي جامعي إرادته علي الحياة الجامعية التي تتمتع بتقاليد راسخة في حرية التعبير وخاصة في المؤسسات التعليمية. كان من الممكن لأي رئيس حكومة غربية أن يفلت بهذا التصريح ويسمع الكثير من المديح أو حتي التأييد والموافقة على ما يقول. لكن بريطانيا صاحبة التقاليد العتيدة دائما ما تعود إلي القوانين والقواعد. فالقوانين لم تُسن لتُخرق ولم تُوضع كي تُنتهك إنما هي الفيصل في النزاعات والخلافات كبيرة كانت أم صغيرة. والقوانين تشير إلى أن من حق المؤسسات الجامعية أن تطبق "طواعية" الفصل بين الجنسين في بعض المناسبات داخل الحرم الجامعي كما أكدت "نيكولا دانريدج" الرئيسة التنفيذية للجامعات البريطانية. والتي أصرت علي أن الجامعات يجب ألا تفرض مبدأ الفصل فرضا قسيرا لكنها يمكن أن تسمح بالفصل إذا ما ابدي المشاركون في ندوة أو تدريب ما رغبة في ذلك. لكن القوانين والقواعد الجامعية ليست هي الحاضرة في هذا الجدل فحسب فمن يعرف المجتمع البريطاني حق المعرفة يعلم تمام العلم أن الفصل بين الجنسين مبدأ ثابت وأصيل في كثير من المؤسسات الجامعية والمدرسية أيضا. وأنا شخصيا أتذكر عندما كنت أقوم باختيار مدرسة لابنتي فوجئت بأن غالبية المدارس التي تتمتع بسمعة جيدة في المجال الاكاديمي والتربوي مدارس منفصلة ونفس الحال بالنسبة للاولاد. فكثير من التربويين في بريطانيا يؤمنون بأن الفصل بين الاولاد والبنات في المراحل الدراسية الاولي يعود بالفائدة على الأطفال ذكورا كانوا أما أناثا. كما أن هناك العديد من الكليات النسوية في بريطانيا التي تتمتع بسمعة أكاديمية ممتازة لكن ذلك راجع الي التقاليد البريطانية العتيقة التي كانت تحرم البنات فيما مضي من قسط وافر من التعليم فتحولت هذه المؤسسات التعليمية إلى مراكز تنوير ودعوة لمنح الفتاة قسطا عادلا من التعليم يناهز أقرانها من الذكور. كان من الممكن أن يبقي الجدل والنقاش في أروقة الجامعات والمدارس وبين ضفاف الدراسات التربوية والنسوية إذا ما جاء الحديث عن الفصل في المقاعد الجامعية في سياقه الطبيعي لكنه لم يكن كذلك. كانت البداية مع تقرير أصدرته مؤخرا هيئة تطلق علي نفسها اسم "حقوق الطالب" اشار إلى أن مايزيد على ربع الزيارات الأكاديمية التي يقوم بها متحدثون "إسلاميون" إلى الجامعات البريطانية ينتج عنها فصل بين الفتيات والشباب في أروقة الجامعة. تلقفت بعد ذلك الصحف ذات التوجهات اليمينية مثل ديلي ميل الموضوع ونشرت صورا لندوة استضافتها جامعة ليستر في فبراير الماضي تحت عنوان "دورة تدريبية على الدعوة الإسلامية" ظهر فيها القاعة وقد احتل الرجال المقاعد الامامية فيما تُركت المقاعد الخلفية للنساء. نشر الصورة التي لا تختلف كثيرا عن مقاعد الدراسة في القاهرة أو بني غازي أو حتي صنعاء أثار الكثير من الاستهجان: فكيف تُجبر المرأة في بريطانيا البلد صاحب التقاليد العريقة في الحفاظ على حرية الرأي والتعبير والتي تنادي بالمساواة - على الجلوس في المقاعد الخلفية وأين ؟ في قاعة دراسية في أحد أكبر الجامعات البريطانية؟ تحت ضغط الهجوم في الصحافة البريطانية اضطر المتحدث في هذه الندوة بعينها"سليم شاغاتي" الذي ينتمي إلى هيئة تطلق على نفسها "الاكاديمية الاسلامية للتعليم والبحث" في الدفاع عما بدا في الصورة من تميز ضد المرأة وقال إن النساء المسلمات اللاواتي حضرن الندوة كان من الممكن لهن الشكوي إذا ما كن قد شعرن بأن ظلما قد لحق بهن. مضيفا أنه لابد وأن الصورة التقطت في بداية الندوة قبل امتلاء القاعة بالنساء. لم يقف دفاع "شاغاتي" عند هذا الحد فقد احتمي بدوره بالقوانين والقواعد مشيرا إلى أن منظمي الندوة استشاروا لجنة حقوق الانسان للحريات والمساواة التي (أي اللجنة) أفادت بأن ما قامت به الندوة من فصل بين النساء والرجال في إطار القانون طالما تم توفير منطقة بها مقاعد مختلطة لمن يرغب في ذلك ( وهو ما لم يحدث واقعيا بالطبع ). ولم يقف "سليم شاغاتي" عند هذا الحد بل قال إن على ديفيد كاميرون أن يقوم باداء "فروضه المدرسية" واستذكار القواعد الخاصة بهذه الموضوع بدلا من أن يحاول التربح مشكلة غير موجودة أصلا". لكن هذا الدفاع من الهيئة المسماة "الاكاديمية الاسلامية للتعليم والبحث" لم يمنع الكثير من اللغط حولها حيث تم منع الأكاديمية من إدارة نقاش تحت عنوان " هل هناك رب؟ " كان من المفترض أن تستضيفه كلية لندن. وطلبت فيه أيضا الفصل في المقاعد بين الجنسين. غير أن نفس الاكاديمية التي قيل إن عددا من أعضائها يتبنون طرحا متشددا خاصة فيما يتعلق باوضاع المرأة تم السماح لأحد أعضائها مجددا بدخول جامعة ليستر لكن أحدي الصور لمدخل القاعة التي استضافت الندوة والتي اظهرت بوضوح ضرورة دخول "الأخوة" من جانب و" الأخوات" من جانب أخر أثارت الكثير من اللغط وأجبرت إدارة الجامعة على التأكيد على عدم تكرار هذا النهج في الفصل بين الجنسين والتحقيق مع "الجماعة الأسلامية" أحدي الجامعات الطلابية في حرم الجامعة والتي تفاخر بتطبيق مبدأ الفصل بين الجنسين. لم يفلح دعاة الفصل بين النساء والرجال في مقاعد الدارسة الجامعية في التمترس طويلا وراء القواعد التي جعلتهم يستخدمون المبادئ التي وضعت من أجل حرية التعبير لغرض الحد من حرية التعبير. ولم يفلحوا كذلك في اقناع مناؤيهم بأن هذا القاعدة تستخدم لاسباب عقائدية وهو ما تحرص عليه الهيئة العليا للجامعات البريطانية كمبدأ أصيل. فبعد أن قالت الهيئة العليا للجامعات الشهر الماضي إن الجماعات الدينية الاصولية ( والتي تضم في هذه الحالة المجتمعات المسلمة) من حقها أن تمارس الفصل بين الجنسين في الندوات والاجتماعات العامة التي تعقد في أروقة الجامعة. عادت - تحت الضغط السياسي والاعلامي - لتعلن أنها ستقوم بالعمل مع لجنة حقوق الانسان للمساواة بغرض مراجعة القواعد الخاصة بالفصل بين الجنسين والعمل على تعديلها حتي لا تكون مجحفة بأي صورة من الصور للمرأة. لم ولن ينتهي الجدل في هذه القضية عند هذا الحد فمن يرغبون في فرض الفصل بين الجنسين ووضع المرأة في الصفوف الخلفية يستغلون مناخ التعددية الثقافية التي تباهي به بريطانيا كثير من الدول الأوروبية ويلعبون بقواعد حرية الرأي والعقيدة لصالح التميز ضد المرأة. لكن لن يبقي الأمر طويلا كي يكتشف المدافعون عن الحريات أن الأمر لا يعدو كونه "حق أريد به باطل".