شهدت مكتبة الإسكندرية مساء أمس افتتاح ندوة "تاريخ الكتاب العربي ودوره الحضاري"، والتي تعقدها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ومكتبة الإسكندرية، في الفترة من 26 إلى 27 نوفمبر و افتتح الندوة كل من الدكتور عبد الحميد الهرامة؛ ممثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، والدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية. وقال الدكتور عبد الحميد الهرامة في كلمة الإيسيسكو إن الحضارة العربية هي أهم حضارة اهتمت بالكتاب، فموجودات مكتبة واحدة من المكتبات العربية مثل مكتبة الحكم المستنصر في الأندلس لا يوجد مثيلها في التميز والتنوع. وأشار إلى أنه حينما أدركت أوروبا الهوة العميقة بينها وبين الشرق، اعتمدت على الأندلس وصقلية كسبيل لنقل العلوم العربية، واتخذت من المشرق معبرًا لترجمة العلوم خلال الحروب الصليبية. وأكد أن الندوة تهتم بالبحث في الكتاب العربي منذ انطلاقه، وتبرهن بالحجة أن الكتاب العربي ساهم مساهة كبيرة في النهضة الحضارية في العالم. وأوضح أن الاعتراف بأثر العرب والمسلمين في الحضارة الإنسانية يدفع من ثقة الأجيال القادمة، حيث إن الأمة التي أسهمت في بناء الحضارة الإنسانية يمكن أن تساهم في صناعتها من جديد. من جانبه، قال الدكتور خالد عزب إن مكتبة الإسكندرية تهتم بتاريخ الكتاب الذي بدأ في الحفر على الحجر حتى وصل إلى الكتاب الإلكتروني، مبينًا أن المكتبة تضم مركزين لدراسة تلك المجالات؛ وهما: مركز الخطوط والنقوش والكتابات، ومركز المخطوطات. وأكد أن المكتبة معنية بالكتاب المطبوع وتاريخ الطباعة، حيث تضم معرض مطبعة بولاق الذي يحتوي على ماكينات الطباعة القديمة الخاصة بمطبعة بولاق؛ أول مطبعة مصرية، كما أنها أصدرت ببلوغرافيا للكتاب المطبوع. وشدد عزب على أن الندوة تمثل فرصة كبيرة لتوجيه دعوة لإنشاء كتاب مرجعي عن تاريخ الكتاب العربي منذ عصر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حتى الآن. وجاءت الجلسة الأولى للندوة بعنوان "واقع الكتاب العربي وقيمته الذاتية ودوره الحضاري"، تحدث فيها كل من الدكتور أحمد شوقي بينبين؛ مدير المكتبة الملكية (الحسنية) بالرباط، والدكتور محمود مصري؛ الأستاذ بجامعة السلطان محمد الفاتح بتركيا، والدكتور محمد خليل الزروق؛ أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة بنغازي، والدكتور أيمن فؤاد السيد؛ مدير مركز تحقيق النصوص بجامعة الأزهر، والدكتور فيصل الحفيان؛ مدير معهد المخطوطات العربية. وتحدث الدكتور أحمد شوقي بينبين عن ملحمة الكتاب العربي، مبينًا أن رحلة الكتاب العربي تعد ملحمة استغرقت 1400 سنة، وتميزت بعدد كبير من المحطات البارزة، والعديد من العقبات. وشدد على أن الكتاب العربي يعد ركن من أهم الأركان التي بنيت عليها الحضارة الإنسانية، وأن النهضة العربية أحدثت تغيير كبير في حياة الإنسان الأوروبي. وقال إن القرآن الكريم يعد أول كتاب دخل به العرب عالم الكتب، إلا أننا لا نعرف الكثير عن نسخه وجمعه. وأضاف أن مرحلة التحول الأساسي للكتاب العربي كانت خلال القرن الأول من الإسلام، مبينًا أنه لا يزال هناك أمل في العثور على المزيد من المخطوطات التي يمكن أن تساهم في دراسة تاريخ الكتاب العربي العلوم الدينية والدنيوية، وتعليم الصنائع والحِرَف، وبالجانب الجهادي، وتمثل في إعداد العدة، وتعليم الفروسية، واختيار المواقع الحصينة للزوايا. وقال إن الزاوية البيضاء في الجبل الأخضر كانت أولى الزوايا التي أنشأها الإمام محمد بن علي السنوسي في برقة، وبعد عودته من الحجاز تخير الجغبوب ليقيم فيها زاوية، وهي قرية في الجنوب من برقة قريبًا من سيوة. وأوضح أن أهم وظيفة للزاوية السنوسية، مع وظائفها الاجتماعية والاقتصادية والدفاعية وغيرها، وظيفة التعليم، ففيها يُعّلم القرآن الكريم والعلوم الشرعية وأنواع الصناعات والحرف. وأشار إلى أن الإمام السنوسي كان مولعًا بجمع الكتب، فأسس في زاوية الجغبوب مكتبة جلب إليها نفائس الكتب مخطوطها ومطبوعها من كل مكان، وكان ينتدب جماعات من طلبته الأنجاب كل واحد أو أكثر يوجهه لجهة بقصد جمع الكتب شراءً وانتساخًا، ومهما سمع بمعاصر ألف كتابًا في الحديث إلا وكتب له عليه. وأضاف أن الحشائشي قال: "أما الكتب الموجودة بخزانتها فقد نيفت على الثمانية آلاف مجلد من تفاسير وأحاديث وأصول وتوحيد وفقه وغير ذلك من كتب العلوم المعقولة والطبيعية وغير ذلك. ولا يطبع كتاب في العالم باللغة العربية إلا ويبحثون عنه، ويظفرون به". وأضاف أنه قد أصاب هذه المكتبة ما أصابها من التلف والضياع منذ حل الطليان هذه البلاد، وما زالت تتعاورها يد الزمن إلى أن استقرت البقية القليلة الباقية منها في مكتبة جامعة بنغازي الآن. وأكد أن مخطوطات جامعة بنغازي من أهم المجموعات المخطوطة في (ليبيا)، وهي نحو ثلاثة آلاف كتاب، جلها بقية مكتبة الجغبوب، وباقيها من حاصل المكتبات والمساجد في برقة، من مكتبة الأوقاف ببنغازي، ومكتبة الجامعة الإسلامية بالبيضاء. وقد صدر لها فهرس في ثلاثة أجزاء منذ سنوات. وتناول الدكتور أيمن فؤاد سيد في كلمته الإنتاج الفكري العربي الإسلامي في القرون الأربعة الأولى للإسلام كما يوضِّحه كتاب "الفهرست" للنديم. وأكد أن كتاب الفهرست للنديم يقدم أشمل عرض للإنتاج الفكري العربي الإسلامي في القرون الأربعة الأولى للإسلام، حيث يعرض لمناهج التأليف العربي الإسلامي وتنوع فنونه مع تطور المدارس الفكرية واللغوية والنحوية والأدبية والكلامية واستوائها في القرن الرابع الهجري، خاصَّةً بعد الاتصال بحضارات الأمم السابقة من خلال حركة الترجمة والنقل التي بدأت في عصر المأمون في بيت الحكمة. وقدم الدكتور أيمن فؤاد سيد تصوُّرًا لتطور التأليف في عدد من الفنون والعلوم العربية خلال هذه الفترة كما يعرضها كتاب الفهرست للنديم. وأكد أن الكتاب يبرز تنوع المؤلفات العربية بشكل ملحوظ، كما أنه يرصد تنوع المؤلفات التي تتناول موضوعات لا تتوافر فيها مؤلفات عديدة الآن، ومنها ديانات الهند والصين، وغيرها من الموضوعات. من جانبه، أكد الدكتور فيصل الحفيان أن الكتاب العربي مازال يعاني من فجوات تاريخية كبيرة داخلية وخارجية؛ فالداخلية الذاتية تنبع من أن معرفتنا به يشوبها القصور، أما الخارجية تنبع من أن علاقتنا بكتاب الآخر أيضًا يشوبها العديد من النواقص. وتناول الدكتور فيصل الحفيان في كلمته الكتاب النحوي، مبينًا أن علم النحو هو أول علم عربي متكامل نظريًا، وهو العلم الذي ارتبط بالقرآن الكريم ارتباطًا مباشرًا. وأوضح أن الفجوة في علم النحو تمتد إلى أكثر من قرن ونصف، فإن كتاب سيبويه هو أول كتاب وصل إلينا لكن ليس أول كتاب وجد في تراثنا عن النحو العربي. وأكد أن النحو العربي مجهول قبل سيبويه، وأن رقعة الإمام علي تعد أول كتاب في النحو العربي.