فى الوقت الذى يمنع فيه الأطباء الزيارة تماماً عن الفنانة شادية، تجمهر عدد كبير من عشاقها ومحبيها أمام باب مستشفى الصفا لرغبتهم فى الدخول لغرفتها التى تحمل الرقم 215 من أجل الاطمئنان عليها، إلا ان الأمن منعهم وأكد للجميع أن طبيبها المعالج أصدر قراراً بمنع الزيارة عنها لعدم تعرضها للإرهاق، خاصة بعد أن استقرت حالتها نسبياً، ومن المقرر خروجها خلال أيام. وكانت الفنانة شادية قد دخلت المستشفى يوم الجمعة الماضى إثر تعرضها لأزمة صحية حادة نتيجة إصابتها بأنفلونزا شديدة، مما استلزم دخولها لغرفة العناية المركزة. والفنانة شادية واحدة من أهم الممثلات والمطربات التى جاءت بها السينما المصرية في القرن العشرين، اسمها الحقيقى فاطمة كمال شاكر، وهى من مواليد حى عابدين اما جذورها الأصلية فتنتمى إلى محافظة الشرقية. بدأت شادية رحلتها الفنية عام 1947 وهى في عمر الخامسة عشر، وكانت بداياتها على يد المخرج أحمد بدرخان الذي كان يبحث عن وجوه جديدة، وبعد ذلك رشحها بدرخان إلى المخرج حلمى رفلة لتلعب دور البطولة أمام الفنان محمد فوزى من خلال فيلم "العقل في إجازة" والذى حقق ايرادات عالية في ذلك الوقت، لتتوالى بعد ذلك الأعمال المشتركة التى جمعت بين شادية وفوزى حيث قدموا معاً أفلام "الروح والجسد"، "الزوجة السابعة صاحبة الملاليم"، "بنات حواء". وقد استطاعت شادية ترك بصماتها في كل دور لعبته على الشاشة واستحقت عن جدارة لقب"دلوعة" السينما المصرية، وبالرغم من ذلك إلا أنها قدمت كافة الأدوار حتى دور الأم المسنة وهى في سن صغيرة كما في فيلمها "المرأة المجهولة"، وظلت نجمة الشباك الأولى لمدة تزيد على ربع قرن. قدمت شادية للسينما المصرية ما يقرب من 112 فيلماً، أشهرها "معبودة الجماهير، دليلة، لحن الوفاء، لا تسألنى من أنا، شىء من الخوف، الظلم حرام، الهاربة، بشرة خير، الطريق، على ضفاف النيل، امرأة في دوامة، ليلة العيد، اشكى لمين، غلطة أب، نص ساعة جواز، يسقط الاستعمار"، بالإضافة إلى 10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة حققت من خلالها نجاحاً كبيراً على مستوى مصر والوطن العربي وهى "ريا وسكينة" وذلك رغم أن طبيعتها حسبما كان يؤكد المقربون منها خجولة للغاية لذلك كانت المفاجأة أن تواجه يومياً حشوداً كبيرة من الجماهير الذين كانوا يأتون لمشاهدة المسرحية. وعلى الرغم من أن اعتزالها جاء في عز مجدها، إلا أن الملايين من محبيها في مصر وعلى مستوى الوطن العربي لم يستطيعوا نسيانها، وكانت المفاجأة الكبرى لمحبي شادية عندما خرجت على الشعب المصرى بصوتها فقط بعد فترة صمت وابتعاد عن الأضواء دامت لأكثر من 30 سنة غياب سنوات منذ اعتزالها، أثناء مداخلة تليفونية مع الاعلامى عمرو الليثي خلال فترة الثورة، وكان حديثها قصيراً، لكنه مؤثر أوصت فيه شباب مصر بأن يخافوا على بلدهم ويحافظوا عليها، وناشدتهم بالتوقف عن ضرب بعضهم البعض. على مدار مشوارها الفنى، استطاعت شادية تكوين ثنائي رائع مع النجم كمال الشناوى، وقدما عدداً من الأفلام التى لاقت نجاحاً كبيراً منها "حمامة السلام"،"الروح والجسد" ،"ساعة لقلبك" ، و"المرأة المجهولة" والذى يمثل نقطة تحول في حياتها ، كما كونت ثنائياً رائعاً مع زوجها الفنان صلاح ذوالفقار حيث قدما معاً عدداً من الأفلام الكوميدية الناجحة منها "كرامة زوجتى"، "مراتى مدير عام"، "عفريت مراتى"، وأيضاً "أغلى من حياتى" حيث قدما معاً من خلال أحداث هذا الفيلم واحدة من أشهر وأروع قصص الحب في السينما المصرية واللذان اشتهرا فيها باسمى "أحمد ومنى" ولعل شادية كانت من أبرز الفنانات اللاتى جسدت عدداً من الروايات للأديب الكبير نجيب محفوظ منها "ميرامار، اللص والكلاب، وزقاق المدق". ومن الأدوار الفارقة في حياة شادية، والتى تأثر الجمهور بها فيلم "نحن لا نزرع الشوك" أو دور "سيدة" الفتاة الفقيرة التى ظلت منذ طفولتها تعانى من الظلم حتى أنها تضطر في فترة من حياتها للعمل كفتاة ليل وتتوالى الأحداث حتى أنها تفقد طفلها الرضيع وتنتهى الأحداث بوفاتها. ولا يمكن إغفال شادية المطربة، التى أثرت الملايين من محبيها بصوتها الذى كان يجمع بين الشقاوة، والرومانسية كما كانت تظهر في أفلام عبدالحليم وتحديداً فيلمها "معبودة الجماهير" واللذان قدما فيه واحدة من أروع دويتوهات السينما المصرية وهى أغنية "حاجة غريبة" ولا يمكن نسيان دور شادية التى استطاعت بصوتها أن تحشد الملايين في حب الوطن، تحديداً في أغنيتها الشهيرة "يا حبيبتى يا مصر" فلا يمكن أن تمر مناسبة بمصر دون أن تكون تلك الأغنية هى الأولى ، ولعل ثورة "25 يناير" كانت خير دليل على ذلك، فمن كان يتجول في ميدان التحرير كان يسمعها بجميع المنصات بمكبرات صوت ضخمة، ويظل الجميع يرددها. وستظل شادية معشوقة الملايين لمن عاصروها، ولمن يولدون في المراحل التالية، خاصة بعد أن قررت الاعتزال وهى فى قمة مجدها قبل أن تنحسر عنها الأضواء، فهى ليست مجرد ممثلة مرت على السينما المصرية ولكنها مؤسسة فنية تجمع بين التمثيل والغناء والاستعراض والكوميديا، ولهذا يدعوا الجميع لها بالشفاء ودوام الصحة.