مدير عام آثار القاهرة والجيزة: الصرف الصحى يدمر آلاف القطع تحت أرض المنطقة عبدالفتاح البنا: زيادة مياه الصرف تقلل احتمالات استخراج الآثار تعد المطرية أقدم عاصمة مصرية دينية، وكانت تسمى فيما مضى «أون» وسميت بعد ذلك ب«هليوبولس»، أى مدينة رب الشمس. ووفق كلام زاهى حواس وزير الآثار الأسبق، فإن المطرية بها الكثير من المعابد الموجودة تحت مساحات كبيرة تحت الأرض، والتى بنى عليها منازل حديثة الآن، مشيرًا إلى أن المطرية أو (أون) تعد من أقدم عواصم العالم القديم، وذلك فى عهد ما قبل الأسرات، وكانت فى ذلك الوقت مدينة متكاملة تمتد بأرض النعام فى منطقة المطرية الحالية، وكانت بها الغابات المقدسة التى تنمو فيها أشجار البلسم والبخور ويربى فيها النّعام المقدس، وما زالت المنطقة تحمل اسم أرض النعام بحى المطرية حتى الآن، وموضحًا أنها كانت مركز عبادة الشمس، وتضم آثار معابد ومكتبات للفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات، وأن النبى يوسف تعلم فى جامعة (أون) التى يعود تاريخها إلى نحو 5000 سنة، وتعلم فيها علماء يونانيون فلاسفة وأطباء وكان أمحوتب من أشهر المعلمين بها، والمصريون القدماء اعتقدوا أن هذه المدينة هى أول موقع بدأت فيه الحياة. ومن أشهر من تعلموا فى جامعة أون الفرعونية؛ أفلاطون وأرسطو والنبى يوسف، وكان كل ملوك المصريين القدماء يحرصون على تعليم أبنائهم الفلك تحديدًا بتلك الجامعة، خاصة أنها كان بها ما يسمى بعين الفلك، أى المرصد الفلكى. وأكد حواس أن المطرية تضاهى الأقصر وتفوقها فى المعابد والآثار، إلا أنها بحاجة إلى اهتمام بشكل خاص. وتابع حواس أنه أثناء عمله بالمنطقة عثر على الكثير من الكنوز الفرعونية بها، فبها العديد من المعابد للأسرة ال19 ومقابر للأسرة ال16، ومعابد لتحتمس الأول والثالث على مساحات كبيرة جدًا، مشيرًا إلى أن منطقة سوق الخميس التى تسعى الأوقاف لإقامة سوق كبيرة عليها هى منطقة أثرية، وطالب بعدم ضمها للأوقاف ووضعها ضمن المناطق الأثرية، إلا أنه تم التفريط فيها عام 2012 لتتسلمها الأوقاف، وليسارع الأهالى إلى البناء فوق المعابد القديمة، الكائنة تحت المدينة. من جانبه قال عبدالفتاح البنا، أستاذ ترميم الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة «بحسب ما أعلن وزير الآثار فإن التمثال الذى استخرجوه بآلات المعمار من المطرية يعود للملك، الذى ينتمى للأسرة ال26، وهو ما يعنى أنه من 600 سنة ما قبل الميلاد، والمكان معلم فترات متتالية تحمل كل منها آثارًا أقيمت فوق الأخرى، منها الدولة الوسطى والقديمة وما قبل الأسرات، ضاربًا مثالًا بجامع أبو الحجاج بمعبد الأقصر، المقام على أطلال كنيسة، المقامة على جزء من معبد قديم». وشدد البنا على أن المطرية أو مدينة أون كانت بمثابة الأرض المقدسة أو العاصمة الدينية، وهو ما كان يمثل دافعًا كبيرًا للملوك والرؤساء على مر العصور بوضع تماثيل إقامة معابد لهم فيها، اعتبارًا لأنها أول مكان للحياة، وهو ما يؤكد أن هناك آلاف التماثيل والمقابر تحت مدينة المطرية. كما أكد أن منطقة مزرعة السجون تعد القيمة الأكبر لكونها تحوى آثارًا لعصور متعاقبة، مطالبًا بالبدء فى الحفر فيها بشكل جاد وفعال قبل أن يحفر فيها الأهالى.
وحسب ما أوضح عبدالفتاح البنا، فإن استمرار الإهمال فى شبكة الصرف الصحى بهذا الشكل فى المطرية سيؤدى إلى الاستغناء عن الآثار، وعدم القدرة على استخراجها، موضحا أن هناك طريقة مثلى للعمل فى المنطقة دون عوائق مياه الصرف الصحى، وهى وضع مجارير فخارية على عمق 5 أمتار أو أكثر ويتم توصيلها ببيارات لتجميع المياه، لتساهم فى سحب كل المياه الجوفية إلى البيارات، الأمر الذى يساهم فى الحفر على أعماق كبيرة دون ظهور المياه الجوفية. وأضح البنا «الآثار الموجودة تأقلمت مع التربة الموجودة بها، وخروجها وتعرضها لبيئة مغايرة يمكن أن يتسب فى أضرار، وهو ما يحتاج إلى وعى عال بوضعها فى بيئة قريبة تدريجيًا حتى تتأقلم مع البيئة الجديدة». وعلى الصعيد ذاته أكد حواس أن مياه الصرف الصحى حالت دون عمليات الحفائر التى كانت تتم، وأن عدم وجود شبكة صرف صحى محكمة ومطابقة يؤدى إلى عوائق كبرى فى عمليات الحفائر سواء فى المطرية أو غيرها. وأكد حواس أن الآثار والمعابد موجودة تحت مياه الصرف الصحى بحوالى مترين تقريبًا، وهو أمر لم يوضع فى الحسبان أثناء توصيل شبكة الصرف الصحى بالمطرية، مطالبًا الحكومة والسلطة الحالية بضرورة وقف البناء على أراضى المطرية ومنطقة سوق الخميس، حيث إنها ما زالت أرض فراغ يمكن من خلالها الوصول إلى المعابد والمقابر الموجودة بالمنطقة. خبير ترميم بوزارة الآثار، فضل عدم ذكر اسمه، اعترف بأن «الوزارة أخطأت أكثر من مرة بشأن المطرية، المرة الأولى حينما لم تكمل حفائر الثمانينيات، والتى كانت إيجابية بشكل كبير، واستخرج على إثرها آلاف القطع الأثرية، وكذلك فى المرة الثانية فى التسعينيات حيث لم تكن الحفائر على درجة تليق بمنطقة المطرية التى تعد أقدم مدينة تاريخية فى مصر، أما المرة الثالثة، والتى استنكرها هى تسليم الأراضى للأوقاف بعد ثورة 25 يناير، على الرغم من أن قيمتها التاريخية والحضارية والأثرية معلومة جيدًا للوزارة والعاملين فيها». وأشار إلى أن إحدى الكوارث التى حلت بالمطرية وبمصر عامة هى مشاريع الصرف الصحى، نظرًا لأنها غير مطابقة، وتسببت فى الكثير من الكوارث وتدمير الآثار، وأنها تؤثر بشكل كبير على الأحجار الجيرية والرملية، ويكون تأثيرها أقل على الأحجار التى تنتمى إلى فصيلة البازلت، مشيرًا إلى أنه فى التسعينيات كان استخراج الآثار يتم أثناء حفر مشروع الصرف الصحى بشكل عشوائى، متابعًا «كان من الواجب على الوزارة أن تضع التمثال المستخرج فى بيئة مشابهة للبيئة التى كان موجودًا بها، وتقوم بتخفيف الأملاح نسبيًا حتى تصل إلى معدل الهواء، فوضعه فى بيئة مغايرة تمامًا سيؤثر عليه نظرًا لتغيرات العوامل الجوية». فيما كشف (أحمد ، ع)، وهو من أهالى المطرية أنه «بعد استخراج التمثال الفترة الماضية، وعقب تصريح الدكتور زاهى حواس بأن كل بيت تحته آثار، انتبه جميع سكان المنطقة، إلى التنقيب عن الآثار خلال الفترة القليلة المقبلة»، مضيفًا أن هناك عمليات إقبال يومية من سماسرة العقارات للبحث عن أى أراضٍ للبيع أو عقارات بالمطرية بمبالغ كبيرة. ولم يقتصر الأمر على منطقة المطرية بالنسبة لتأثير مياه الصرف الصحى حيث امتد إلى منطقة الأهرامات وميت رهينة، حيث أكد علاء الشحات مدير عام منطقة القاهرة والجيزة، أن هناك تعاونًا مع الوكالة الأمريكية للتنمية للتخلص من المياه الجوفية فى منطقة ميت رهينة والأهرامات، وهناك بعض المنح تخصص لهذا الأمر، ولإزالة الحشائش التى تظهر نتيجة المياه الجوفية، وتتم طبقًا لدراسات وأبحاث سواء فى الأهرامات أو المناطق الأثرية. وأضاف الشحات «وجود مياه الصرف الصحى فى أى منطقة أثرية بما فيها المطرية يؤدى إلى تدمير الآثار المكونة من الأحجار الجيرية، نظرًا لأنها أحجار مسامية تمتص المياه والملوحة»، مشيرًا إلى أن الوزارة تدرس الملف فى الفترة الحالية لإعادة النظر فى العمل فى المنطقة، فأحد معوقات العمل هم البلطجية الذين يسيطرون على منطقة مزرعة السجن الأثرية، وكذلك عدم استجابة الأوقاف لضرورة لضم المناطق الأثرية لوزارة الآثار».