130طالبة فى «الاقتصاد والعلوم السياسية» تشكو أستاذًا منحهن الدرجات بناء على «مقاييس الجسم» *«التعليم العالى»: لم نتلق شكوى بشأن الواقعة.. ورئيس جامعة القاهرة: أنتظر تقرير لجنة التحقيقات عندما قال الشاعر أحمد شوقى «قف للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا»، لم تكن مصر وقتها قد عرفت التحرش الجنسى، ولم يكن المعلم نفسه مضطرًا لأن يعمل «سباكًا» حتى يصرف على أسرته.. لكن بعد عقود من كلمات شوقى، تغيرت الحال، أصبحت شوارع مصر ساحة مفتوحة للتحرش، وأصبح المعلم متهمًا رئيسيًا فى العديد من الجرائم، تحرش، إرهاب، قتل، اغتصاب. لا يختلف الوضع كثيرًا بين المدارس، بجميع مراحلها، وبين الجامعات، بجميع طبقاتها، فاليوم لم يعد هناك رسل، من الذين قصدهم شوقى، بعدما شهدت أقسام الشرطة العديد من المحاضر التى تتهم العديد من المعلمين وأساتذة الجامعات بالتحرش الجنسى بالطالبات، لفظًا وفعلًا، ووصل الأمر إلى حد مساومتهن، «الجنس مقابل النجاح». فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الأعرق والأقدم فى الجامعات المصرية والعربية، وقّع أكثر من 150 طالبًا وطالبة بالفرقتين الثالثة والرابعة فى قسم العلوم السياسية، على شكوى جماعية ضد أحد الأساتذة، يتهمونه بالتحرش بالطالبات داخل المحاضرات، أو ساعاته المكتبية، مؤكدين أنه أجرى تقييمًا لطالبات الفرقة الثالثة بُناء على أسئلة غير أكاديمية، وإنما تتعلق بمظهرهن، وأماكن سكنهن، كما طلب من بعض الطالبات السير أمامه داخل المدرج، لمعاينة أجسادهن، ووضع الدرجة بناء على التقييم الجسدى وليس العلمى. وما إن انفجرت تلك الفضيحة فى الأوساط الأكاديمية مؤخرًا، حتى انتشرت تفاصيلها سريعًا على مواقع التواصل الاجتماعى، التى عبر روادها عن غضبهم واستيائهم من الواقعة، كما أعلن العشرات من الطلاب والمعيدين فى الكلية نفسها عن تضامنهم مع الطالبات، مما كشف بعدها عن المزيد من الحكايات، المسكوت عنها داخل الجامعة، حول نفس الأستاذ الجامعى، والذى سبق له التورط فى وقائع مشابهة، وفقًا لما روته طالبات أخريات فى الفرقة الرابعة. وتواصلت الطالبات المتضررات من الواقعة، مع مبادرة أطلقها طلاب كلية الإعلام، بعنوان «احكى»، لتشجيعهن على الكشف عن أى مواقف أو شهادات بشأن تعرضهن للتحرش داخل الحرم الجامعى، وذلك بالتعاون مع وحدة مكافحة التحرش فى الجامعة، وكانت المفاجأة أن المبادرة جمعت خلال ساعات قليلة من نشر استبيان، نتائج تشير إلى أن 130 طالبة من إجمالى 150 وقعوا على الشكوى ضد الأستاذ الجامعى، حكوا مواقف تحرش مختلفة تعرضوا لها، أو كانوا شهودًا عليها، مما دفع الدكتورة هالة السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إلى تبنى تقديم شكوى جماعية إلى الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، مشترطة التحقق من صحة الواقعة. ولم تكن واقعة جامعة القاهرة هى الأولى فى الأوساط الأكاديمية، ففى عام 2013، شهد قسم اللغات الشرقية فى كلية آداب عين شمس واقعة مماثلة، عندما وجه طلاب اللغة العبرية فى الكلية الاتهام إلى الأساتذة بالتحرش جنسيًا بالطالبات، كما هددوا بتصعيد الأزمة فى حالة عدم توفير الحماية لهم من تهديدات الأساتذة المتورطين فى تلك الوقائع. وكشفت واحدة من طالبات القسم عن العديد من الممارسات التى صدرت من عدد من الأساتذة، الذين حاولوا إقناع الطالبات بالحصول على دروس خصوصية لديهم، كوسيلة لتسهيل التحرش الجسدى واللفظى، مقابل تسريب الامتحانات لهن، استنادًا إلى أن الخجل سيمنع الطالبات من الإفصاح عن تلك الوقائع، خاصة مع تهديدهن بالرسوب فى الامتحانات. واستكملت الطالبة، التى تحفظت على ذكر اسمها، الحكاية مؤكدة «البجاحة وصلت ببعض الأساتذة إلى ممارسة تلك الأعمال الفاضحة مع طالبات داخل منازلهن، دون أى خوف من الأهالى، ولن يستطيع أى منهم الإنكار، فأنا شخصيا كنت واحدة من الطالبات اللاتى تعرضن للتحرش اللفظى من أحدهم، حيث غازلنى عندما تواصلت معه ليشرح لى بعض النقاط فى المنهج». وأضافت أن «الأشخاص الذين يقومون بهذه الأفعال معلومون للجميع، وقدمنا الكثير من الشكاوى ضدهم، سواء داخل القسم أو الكلية، وآخر تلك الشكاوى تقدمت بها أنا، وأوضحت فيها علمى بأسئلة امتحان إحدى المواد بالكامل، نتيجة لحصولى على درس خاص من أحد هؤلاء الأساتذة، لكن كل هذه الشكاوى لم تؤد إلى أى نتيجة، وعلى العكس، زادت تلك التصرفات من جانب الأساتذة، وكأنهم آلهة، لا يستطيع أى شخص الاقتراب منهم، أو منعهم عن وقاحاتهم». وأشارت إلى أن «5 أساتذة كانوا يمارسون تلك الممارسات الفاضحة، خرج اثنان منهم فى إعارة إلى خارج البلاد، بينما استمر الباقون فى ممارسة نفس الابتزاز للطالبات، والغريب أنهم مسئولون عن مناصب مهمة، وأوكلت لهم مهمة الإشراف على كنترولات الامتحانات الخاصة بالطلاب». ونقلت الطالبة روايات عن زميلاتها اللاتى تعرضن لوقائع تحرش من جانب الأساتذة، قائلة: «حكت لى زميلاتى أن أحد الأساتذة تحرش بها لفظيا، طالبا منها الحديث عن الخطوبة والزواج وجمال العيون»، موضحة أنه «دكتور كبير فى السن، وكان معروفًا بأنه طلب الزواج من كل بنات الدفعة تقريبًا، خاصة طالبات الفرقة الأولى». أما الطالبة «ح. ع» فروت ل«الصباح» واقعة أخرى، مؤكدة أن عددًا كبيرًا من أصدقائها حصلوا على نسخة من دردشة على مواقع التواصل الاجتماعى بينها وبين أحد الأساتذة، تتضمن عبارات غزل صريحة، منها «كنت قمر النهاردة»، بالإضافة إلى عبارات أخرى خادشة للحياء، منها أسئلة عن مقاسات جسمها، بحجة شراء هدايا، وأضافت الطالبة «عندما ييأس أحدهم من طريق المغازلة، يعرض على الطالبة أن يعطيها دروسًا خصوصية فى بيتها، كطريق للتحرش». وقالت طالبة أخرى: إن أستاذًا معروفًا بأنه دائم التجول داخل المدرج أثناء المحاضرات، وفى إحدى المرات وقعت عيناه على إحدى الطالبات، فأمرها بالوقوف، وأن تتمشى أمامه داخل المدرج، مضيفة أنه يستخدم إيحاءات لفظية خادشة للحياء فى الحديث مع بعض الطالبات، أثناء تسليمهن الأبحاث، وسبق له أن تعرض للفصل من الجامعة لمدة عام، بسبب التورط فى واقعة تحرش. وعندما انفجرت قصص التحرش فى «عين شمس»، أعلنت الدكتورة ليلى أبو المجد، رئيس القسم وقتها، عن تضامنها من شكوى الطلاب، وصعدتها إلى إدارة الجامعة، خاصة عندما تقدمت لها الطالبات بشكوى من تعرضهن للمساومة على الجنس مقابل النجاح، كما اعترضت رئيس القسم على إجراءات التحقيق مع الأساتذة المتورطين فى تلك الوقائع، حيث اكتفت إدارة الجامعة لسماع أقوال رئيس القسم السابق، وسكرتيره، وطالبة واحدة ليس معها أدلة، ورفضت دخول طلاب آخرين بحوزتهم أدلة. وأكدت طالبة فى إحدى الجامعات الخاصة حدوث «علاقات خاصة» بين طالبات وعدد من أعضاء هيئة التدريس، وصلت فى إحدى المرات إلى الزواج العرفى بين معيد وطالبة فى الفرقة الأولى، بعدما أقنعها المعيد بأنه سيتقدم للزواج منها رسميا بعد تخرجها، ثم انتهى الأمر بأن سافر إلى الخارج بعد 7 أشهر، وتركها خلفه دون أن يطلقها أو يعترف بزواجه منها، مضيفة «ظلت الواقعة طى الكتمان بين الأصدقاء المقربين للطالبة». ومن جانبه، أكد الدكتور عدلى رضا، المستشار الإعلامى لوزير التعليم العالى، عدم تلقى الوزارة أية شكاوى رسمية بشأن واقعة كلية الاقتصاد والعلوم السياسة، مضيفًا أن «الوزارة ليست مسئولة عما يقوله الطلاب، طالما لم يتم التحقيق فى تلك الوقائع رسميًا، وفى حالة ثبوت تلك الاتهامات سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد عضو هيئة التدريس المتهم»، وشدد على أن الوزارة تدين مثل تلك الوقائع، إذا حدثت بالفعل، «لأن المعلم من المفترض أن يكون قدوة لمن يدرس لهم».
وقال الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، إن مجلس الجامعة قرر إحالة الأستاذ المتهم بالتحرش بطالبات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية خلال الساعات المكتبية، إلى لجنة تحقيق، بعد ورود شكوى من عميد الكلية حول الواقعة، مضيفًا «أنتظر صدور تقرير لجنة التحقيق، لاتخاذ قرار بشأنه».