«الحرم الجامعى».. تعبير له قدسية خاصة لدى القاصى والدانى، ويعد محرابًا لتلقى العلم والمعرفة على أيدى معلمين فى مرتبة الأنبياء والرسل، لكن الواقع له رأى آخر، فلم تعد الجامعة محرابًا مقدسًا للعلم، بل أصبحت مدنسة بأفعال مشينة يمارسها المؤتمنون على عقول طلابنا وطالبتنا. ومازال مسلسل التحرش الجنسى الذى بدأ العام الماضى على أيدى أعضاء هيئة التدريس بقسم العبري فى كلية الآداب بجامعة عين شمس، مستمرا، ليتكرر هذا العام بجامعة القاهرة، وفى أعرق كلياتها «الاقتصاد والعلوم السياسية» بعدما حرر 150 طالبا وطالبة شكاوى ضد أستاذهم «المتحرش»؛ نظرا لمعاكساته وتحرشه اللفظى بالطالبات. يقول عبد الرحمن صلاح، أمين مساعد اللجنة الاجتماعية باتحاد طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إن الشكاوي التي تقدمت بها طالبات الكلية علي صفحة مبادرة "احكي" والتي اختصمت جميعها عضو هيئة التدريس بالكلية، وتتهمه بالتحرش بالطالبات منذ بداية العام الدراسي، لفتت انتباه الاتحاد، مشيرا إلى أن الاتحاد يدعم الحقوق المشروعة للطالبات. وأضاف "صلاح" أن الاتحاد دشن استمارة إلكترونية لتلقى جميع شهادات الفتيات اللاتي تعرضن لحوادث تحرش، متابعا أن الأستاذ الجامعي يدرس مادة "البحث اللاتيني" للفرقة الثالثة، و"الرأي العام" للفرقة الرابعة، وأنه في الخمسينات من عمره، وغير متزوج، وموضحا أن وقائع التحرش الجنسي، كانت لفظية فقط، ولم تتطور إلي التحرش الجسدي. وأشار "صلاح" إلى أن عام 2014 لم يكن الأول الذي تم الكشف فيه عن سلوكيات الأستاذ الجامعي غير المنضبطة، لكن تم إيقافه عن العمل في عام 2004 جراء واقعة مماثلة من التحرش الجنسي، موضحا أن الشكاوي الإلكترونية التي تم تلقيها، حتي الآن، شملت خريجين للكلية من سنوات ماضية أكدوا ارتكاب الأستاذ الجامعي وقائع مشابهة من التحرش والمعاكسات أثناء دراستهن، لكن لم يكن هناك متنفس ووسيلة للإعلان والإفصاح عن ذلك مثل اليوم. وأكد الحصول علي 150 بلاغا وقعن عليه طالبات وطلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عبر الاستبيان الإلكتروني الذي دشنه الاتحاد، والذي مازال يتلقى الشكاوي، ليتم رفعها بعد ذلك إلي إدارة الكلية؛ لاتخاذ جميع الإجراءات القانونية التي تراها لمصلحة الطلاب والطالبات. وعن الإجراءات التي يريد الاتحاد أو الطالبات اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي اتخاذها ضد الأستاذ المتحرش، قال "صلاح": «نحن نثق فى الإجراءات القانونية التي تتخذها إدارة الكلية، لكن هناك اقتراحات من الطالبات والطلاب مثل تنحية الأستاذ المتحرش عن تقييم ومنح درجات مادته التي تعتمد علي البحث وليس الامتحان التحريري، واستبداله بآخر لضمان حق الطلاب في النجاح، وهناك مطالب أخري بإيقاف وفصل المتحرش عن التدريس». من جانبها، قالت الدكتورة مني مجدي فرج، المدرس بقسم الإذاعة والتليفزيون بإعلام القاهرة وصاحبة مبادرة "احكي"، إن المبادرة مستقلة نادي بها مجموعة من طلاب السنة الرابعة بكلية الإعلام الشعبة الإنجليزية في 24 ديسمبر 2014، كمساحة "حكي حرة" للفتيات داخل الجامعة ليسجلوا فيها شهادتهن وما تعرضن له من تحرش جنسي، مضيفة: «بمجرد انطلاق الصفحة، تلقت بشكل سريع عشرات الشكاوي لطالبات سياسة واقتصاد تؤكد وقائع تحرش من أستاذ مادة البحث اللاتيني لديهم». وتابعت: مبادرة "احكي" حركت المياه الراكدة في بحر عمل "وحدة مكافحة التحرش والعنف ضد الفتيات"، التي تم تأسيسها حديثا في بداية العام الدراسي، على يد الدكتور جابر نصار، رئيس الجامعة، لكن كانت مازالت تبحث عن آليات لتفعيلها، مشيرة إلى أنه جاري التنسيق بين المبادرة ووحدة مكافحة التحرش الجنسي والعنف ضد الطالبات خلال الأيام المقبلة، وأن هناك اقتراحات من مؤسسي المبادرة ليكونوا الوسيلة لتلقي شكاوي الطالبات داخل الحرم الجامعي وبلورتها وبحثها مع وحدة مكافحة التحرش، بل وتحويل الشهادات الالكترونية التي وقعت عليها الفتيات ضد أستاذ سياسة واقتصاد "المتحرش" إلي شهادات ورقية؛ لرفعها إلى رئيس جامعة القاهرة. وأوضحت "فرج" أن هناك عدة أسباب وراء انتشار ظاهرة التحرش الجنسي داخل الحرم الجامعي، الذي يعتبر محرابا للعلم منها، صمت الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي خوفا من اللوم أو إلقاء المسئولية عليهن، ومن هذا المنطلق، خرجت مبادرة "احكي" للنور؛ لتشجيع الفتيات علي البوح وعدم الصمت، وتنمية ثقتهن بأن صوتهن قوة وليس "عورة"، لافتة إلى غياب الوعي والمعرفة بمفهوم التحرش الجنسي وأنواعه، فالكثير من الطالبات يعتقدن أن التحرش هو الجسدي فقط، لكن هناك تحرش بالنظرة والإيماءة والحركة واللفظ، قائلة: «كان أحد أهداف المبادرة، رفع وعي الطالبات بالتحرش الجنسي وأنواعه، وأنه جريمة يعاقب عليها القانون». واستطردت: بعد انتهاء امتحانات منتصف العام، سوف تقوم مبادرة "احكي" بمزيد من الفاعليات علي أرض الواقع، بالإضافة إلي الحكي الإلكتروني سواء الصوتي أو المكتوب في رسائل، وذلك من خلال تنظيم ندوات ولقاءات في كل جامعات مصر؛ لتنمية وعي الطلاب والطالبات بجريمة التحرش الجنسي وكيفية مكافحتها ورفع وعي الطالبات بحقوقهن والإجراءات اللاتي يتخذنها للإبلاغ علي متحرش، وكيفية توثيق شهادتهن، والإرشادات النفسية حال تعرضهن للتحرش الجنسي. وفى نفس السياق، قالت الدكتورة مها السعيد، رئيس اللجنة التنفيذية لمناهضة التحرش والعنف ضد المرأة بجامعة القاهرة، إن الوحدة سوف تُصعد الشكاوي الموقعة لطالبات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذي وقع عليهن الضرر من الأستاذ المتحرش، إلي رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار؛ لأنه المسئول الوحيد الذي يمتلك تحويل الملف إلي الشئون القانونية بالجامعة للتحقيق في واقعة التحرش الجنسي. وأكدت "السعيد" أن وحدة مكافحة التحرش لن تسمح أو تتهاون مع أي واقعة عنف أو تحرش جنسي تحدث داخل الحرم الجامعي، وسوف تسعي بكل الطرق لردع المتحرشين وملاحقتهم قانونيا. واختتمت سعاد الديب، عضو المجلس القومي للمرأة، أن الجامعة ليست مكانا منفصلا عن المجتمع الذي انهار فيه السلم القيمي خلال الأربع سنوات الماضية، مؤكدة أن تطبيق القانون هو الحل وبالأخص داخل الحرم الجامعي، فلا يجب ان تكتفي الطالبات داخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالتحقيق والعقاب الإداري، بل يجب تحرير محاضر إلي النيابة، ويتم تطبيق قانون مكافحة التحرش الجنسي وعقوبته بالحبس والغرامة علي الأستاذ المتحرش.