منذ أكثر من ألفى عام ولد السيد المسيح فى مذود بسيط للبقر لمدينة بيت لحم الفلسطينية، ومنذ ذلك اليوم البعيد وشخصية المسيح تفتن أغلب سكان كوكب الأرض، لكن تساؤلات تاريخية عدة تدور حول سبب الاختلاف بين الكاثوليك والأرثوذكس فى يوم الاحتفال بعيد ميلاده: هل هو 25 ديسمبر أم 7 يناير؟ وكذا فى أى عام بالضبط ولد المسيح؟ هل ولد فى الصيف أم فى الشتاء؟ وإذا كان العلماء يقولون إن المسيح ولد فى فصل الصيف، فلماذا يحتفل المسيحيون بميلاده فى شهر ديسمبر ويناير وهى فصول شتوية؟ هذه التساؤلات نطرحها بالتوازى مع ذكرى ميلاد المسيح وأعياد الأقباط فى مصر. لغز سنة الميلاد
الأناجيل الأربعة، بالرغم من احتوائها الغزير على أحداث حياة السيد المسيح المتنوعة، من معجزات وعظات وأمثال وتجارب، لم تتطرق إلى تحديد تواريخ أى من هذه الأحداث، فقد كانت العادة فى تلك الأزمنة هى تدوين الأحداث والوقائع بدلا من الأوقات. والمسيحيون الأوائل لم يكونوا منشغلين بمعرفة تاريخ ولادة السيد المسيح بل انشغلوا بتفاصيل حياته ومقولاته أكثر من تواريخها. بمرور الوقت اهتم كثير من العلماء والفلكيون بهذا الموضوع وحاولوا التغلب على هذه المشكلة وتحديد سنة ميلاد السيد المسيح، فذكرت بعض المصادر اللاتينية أن المسيح ولد فى عام 754 لتأسيس مدينة روما. ولو أجرينا حسبة بسيطة سنجد أن ميلاد المسيح تمّ إما فى أواخر سنة 5 ق. م أو فى أوائل سنة 4 ق. م. والدليل على ذلك ما ذكره المؤرخ «يوسيفوس» من أن «هيرودوس الكبير» الذى مات بعد ولادة المسيح بوقت قصير (مت 2: 19 - 22)، مات قبل عام 754 لتأسيس روما، الذى تقابل سنة 4 ق. م. لذلك فالحوادث التى جرت بعد مولد المسيح وقبل موت هيرودس ينبغى أن توضع فى تاريخ سابق للسنة الرابعة قبل الميلاد، وربما جرت هذه الحوادث فى مدى شهرين أو ثلاثة أشهر قبل هذا التاريخ.
هذه الإجابة التى لم نكن نتوقعها تعنى أن السيد المسيح قد ولد قبل الميلاد! وذلك حسب التقويم الغريغورى المُستَخدَم حاليًا فى العالم، وليس من الناحية الفعلية بالطبع. إذا التاريخ الميلادى الحالى لا يؤرخ تاريخ ميلاد المسيح بصورة صحيحة، بمعنى أن سنة واحد ميلادية ليست هى سنة ميلاد المسيح بدقة، لأن استخدام التقويم التاريخ بدأ عام 525، عندما أمر بهذا البابا يوحنا الأول ديونيسيوس الصغير السيثى، الذى يبدو أنه أخطأ فى وضع التقويم الجديد بناء على حسابات غير معروف مصدرها.
الكاثوليك والأرثوذكس
يحتفل الكاثوليك فى كل العالم بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر من كل عام ويسمى «الكريسماس» بينما يحتفل به الأرثوذكس يوم 7 يناير من كل عام، فما سر الاختلاف فى موعد الميلاد بين الطوائف المسيحية؟ القصة أن رسل المسيح أرادوا أن يكون الميلاد فى اليوم التاسع والعشرين من الشهر الرابع القبطى (كيهك) الموافق لليوم الخامس والعشرين من الشهر العبرى وهو (شهر كسلو) لهذا ارتبط عيد الميلاد بهذا التاريخ القبطى. ظل التاريخ القبطى 29 كيهك متفقا مع التقويم اليوليانى بالغرب 25 ديسمبر، وهو الوقت الذى يتم فيه عيد الميلاد إلى سنة 1582. فى عام 1582 عهد البابا غريغوريوس الرومانى إلى الفلكيين فى أيامه بأن يقوموا بإصلاح التقويم لأنه رأى أن التقويم به نقصا مقداره 10 أيام عن الاعتدال الربيعى. فجاء الإصلاح هكذا: اتفق العلماء مع الناس أن يناموا يوم 5 أكتوبر سنة 1582م وعندما يستيقظون يسافرون للمستقبل مسافة عشرة أيام، أى يستيقظون ويجعلون التاريخ فى هذا اليوم 16 أكتوبر، وبهذا قضوا على هذا النقص بالنسبة للاعتدال الربيعى عنه فى السنة القبطية وسمى هذا التعديل «بالتعديل الغريغورى». وسبب هذا النقص الذى عالجه العلماء أنهم رأوا أن السنة فى التقويم اليوليانى 365 يوما وربع يوم. وعند المصريين 365 يوما، لكنها فى الحقيقة أن السنة 365 يوما وخمس ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، أى أنها تنقص 11 دقيقة و14 ثانية من الربع يوم الذى قال به العلماء. هذا الفرق يتراكم كل حوالى 400 سنة ويصبح ثلاثة أيام، ولكى يضبط الغربيون سنتهم تقرر أن كل سنة قرنية أى تقبل القسمة على 100 يجب أن تقبل القسمة على 400. ولكن الأقباط لم يعملوا بهذا التغيير، فكانت سنوات 1700، 1800، 1900 بسيطة عند الغربيين وكبيسة عندنا بحساب التقويم اليوليانى، فتقدم 29 كيهك عندنا ليقابل 5 يناير ثم 6 ثم 7 ولو استمر هكذا فإنه يوافق 8 يناير عام 2100 وهكذا. ولكى يتخلص الأقباط من مشكلة الاحتفال بالعيد فى أيام مختلفة من شهر يناير قرروا الالتزام بيوم 29 كيهك حسب أمر الآباء الرسل، والسنة القبطية سنة مضبوطة وقديمة فهى السنة المصرية القديمة التى وضعها العلامة توت مخترع الكتابة سنة 4241 ق . م، والتاريخ 25 ديسمبر كتاريخ هو صحيح أيضا حيث كان متوافقا فى الماضى مع 29 كيهك حسب أمر الآباء الرسل، فالتاريخان صحيحان ولكن حساب السنة هو المختلف.
الميلاد الصيفى أعياد الميلاد فى العالم كله تكون مواكبة لفصل الشتاء لكن هناك من يعتقد أن المسيح ولد صيفا، وخرجت أبحاث ودراسات كثيرة تتناول هذا الموضوع، حيث كشف مجموعة من علماء الفلك عن أنهم خلصوا بعد مجموعة من الحسابات إلى أن عيد الميلاد يجب أن يكون فى شهر يونيو وليس ديسمبر، كما هو الحال الآن، وذلك من خلال الرسوم البيانية لمظهر «نجمة عيد الميلاد» التى قال عنها الإنجيل أنها اقتادت الحكماء الثلاثة إلى مسقط رأس السيد المسيح، وزعم العلماء أن نجمة عيد الميلاد هى على الأرجح توحيد واضح لكوكبى الزهرة والمشترى، اللذين كانا قريبين جدا من بعضهما الآخر وتضىء بشكل براق للغاية ك«منارة للضوء» ظهرت بشكل مفاجئ. وقالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن عالم الفلك الأسترالى «ديف رينيكى» كان قد استعان ببرمجيات الحاسوب المعقدة لرسم الأماكن المحددة لجميع الأجرام السماوية والقيام كذلك برسم خريطة لسماء الليل كما ظهرت فوق الأرض المقدسة منذ أكثر من ألفى عام. وهو ما كشف عن أحد الأحداث الفلكية حول توقيت ميلاد المسيح. وقال رينيكى إن الحكماء ربما برروا هذا الحدث على أنه الإشارة التى ينتظرونها كما تقفوا أثر «النجم» لمحل ميلاد المسيح فى إسطبل ببيت لحم، كما ورد بالكتاب المقدس. وفى كتاب بابا الفاتيكان السابق «بنديكت السادس عشر» بعنوان «طفولة يسوع» والذى أثار الكثير من الجدل فى الأوساط الأكاديمية والدينية المسيحية، اعتبر أن الكثير من الأمور التى تعتبر من «المسلمات» بالنسبة لميلاد المسيح هى فى الواقع غير صحيحة، بينها التاريخ الدقيق للميلاد والظروف المحيطة به، ويهتم الكتاب بذكر الروايات التاريخية حول ولادة المسيح وطفولته، ويقول إن التقويم المسيحى الحالى يعتمد على جهود راهب فى القرن السادس أخطأ فى حساباته بعدة سنوات. كما يعتمد بعض العلماء فى تقديرهم لميلاد المسيح صيفا، على أن إنجيل لوقا يؤكد أن الميلاد كان فى وقت يكون الرعى فيه ممكناً فى الحقول القريبة من «بيت لحم» المدينة التى ولد فيها المسيح عليه السلام، وهذا الوقت يستحيل أن يكون فى الشتاء؛ لأنه فصل تنخفض فيه درجة الحرارة -وخصوصا بالليل- بل تغطى الثلوج تلال أرض «فلسطين» وهذا هو نص الإنجيل، «وكان فى تلك الكورة رعاة متبدون، يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب حولهم، فخافوا خوفا عظيما، فقال لهم الملاك: «لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم، يكون لجميع الشعب، إنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلِّص هو المسيح». واعتبر بعض المختصين أن البابا يرغب من خلال كتابه هذا فى توفير صورة أوضح للمسيح تُظهره بصفته شخصية تاريخية عاشت على الأرض وخاطبت الناس كسائر الشخصيات، مشددا على أن الهدف ليس تصحيح «الأساطير» المرافقة للقضية، بل جعل الناس تقترب من الجانب الإنسانى فى المسيح.