هل يمكن أن نصدق أن رئيساً مصرياً منتخباً وينتمي إلي تيار إسلامي هو الذي يتصرف بتلك الطريقة تجاه الصهاينة والأمريكان؟!.. إن الشعب المصري يتفاجأ كل يوم بمواقف مهينة يتم اتخاذها في هذا الشأن، وكان اعتذار الدكتور مرسي عن تصريحاته السابقة بشأن إسرائيل والكيان الصهيوني هي آخر حلقة في هذا المسلسل المهين والذي لم نكن نتوقعه من رئيس منتخب جاء لتغيير سياسة مصر الخارجية تحديدا تجاه الكيان الصهيوني والولايات المتحدةالأمريكية. تابعنا جميعا بمزيد من الأسي والحزن ما حدث الأسبوع الماضي عندما أدان البيت الأبيض تصريحات الرئيس محمد مرسي التي أدلي بها عام 2010، حين كان زعيما بجماعة الإخوان المسلمين، واعتبرها "معادية للسامية" وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني للصحفيين إن اللغة التي استخدمها مرسي"مهينة بشدة"، وإن المسئولين الأمريكيين عبروا للحكومة المصرية عن القلق في هذا الشأن. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن مرسي ألقي خطبة قبل ثلاث سنوات كزعيم سياسي إسلامي حث فيها المصريين علي تربية أولادهم وأحفادهم علي كراهية "اليهود والصهاينة".. وأضافت الصحيفة أنه في مقابلة تليفزيونية بعد ذلك بشهور وصف مرسي الصهيونيين بأنهم مصاصو دماء هاجموا الفلسطينيين، ومثيرو حروب وأحفاد القردة والخنازير. وكنا نتوقع أن تكون تلك الإدانة وسام شرف يضعه الرئيس علي صدره ويفخر به كموقف ثابت تجاه كيان صهيوني عنصري يمارس كافة أشكال الوحشية من قتل وتشريد واغتصاب للأرض والعرض، وكنا نتوقع أن يقف الدكتور مرسي ليؤكد أن مواقفه ثابتة في هذا الشأن وأن القبول بإسرائيل وفق البروتوكولات والمعاهدات لا يعني الموافقة علي ممارساتها العنصرية التي يدينها العالم أجمع، ولكن الدكتور محمد مرسي سارع بالاعتذار للصهاينة وقال في بيان علي لسان المتحدث باسم الرئاسة إن تصريحاته في 2010 تم نزعها من سياقها!!.. وهي الطريقة المعهودة في الاعتذار وتقديم فروض الولاء والطاعة للأمريكان والصهاينة!!.. ولو كان رئيس مصر شخصا غير الدكتور محمد مرسي الذي ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين لكان الاعتذار عن تلك التصريحات وارداً، وكان طبيعيا أن نتعامل معها باعتبارها جزءاً من طريقة تفكيره ومن ثوابته الداخلية، ولكن الوضع مختلف مع رئيس من المفترض أنه يعادي الصهاينة والأمريكان ويرفض تركيع بلاده أمامهما، وبكل أسف فوجئنا بالرئيس المنتخب والذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين التي ترفع شعارات محاربة الصهاينة فوجئنا به يسارع بالاعتذار ويخرج خائفا مرتعشا بمجرد إدانة البيت الأبيض لتصريحاته السابقة!! وهذا الموقف يجب أن نتعامل معه وفق معطيات سياسية قادمة خلال أيام، فمن المقرر أن يقوم الرئيس محمد مرسي بزيارة للبيت الأبيض خلال الشهر القادم، فماذا سيكون الوضع قبل الزيارة وبعدها وإذا كانت مجرد تصريحات سابقة قد أثارت غضب الأمريكان فماذا سيكون الوضع وهو يقف في البيت الأبيض؟!.. هل سيواصل الاعتذار أم أنه سيضيف تنازلات جديدة تضيف إلي كاهل السياسة المصرية ما تتحمله من تبعية أزلية للأمريكان والصهاينة؟! إن الأوضاع الحالية تؤكد أن رئيس البلاد ليس كما كان يتصور المصريون من أنه سيقوم ببناء دولة قوية ومستقلة وقادرة علي مواجهة التحديات، وأن مصر ستعود من جديد لدائرة التبعية الأمريكية التي كان الدكتور مرسي نفسه أحد المعارضين لها!!.. ومن قراءة الأوضاع الاقتصادية والسياسية يتبين لنا أن التنازلات للأمريكان والصهاينة ستتجاوز كل المراحل السابقة خاصة في ظل حالة التسول التي ظهرت عليها مصر تجاه قرض البنك الدولي والذي سيفرض علينا جميعا إجراءات اقتصادية إجبارية كما سيفرض أجندة أمريكية معروفة ومعهودة، وسيكون القبول بشروط البنك الدولي مواصلة لسياسة التركيع التي تعاني منها مصر ولن تتحقق أحلام الثورة وأهدافها في بناء وطن حر قائم علي العدل والديمقراطية وقادر علي تحقيق جزء كبير من الاستقلالية عن محور الغرب الاستعماري!! إن الحقائق التي تتكشف كل يوم تؤكد أننا بصدد دولة تابعة جديدة، وليست الخطوات التي يسير فيها مرسي في هذا الاتجاه مفاجئة بالنسبة لي، ولم أتوقع من الدكتور مرسي أي رد فعل آخر تعليقا علي تصريحات البيت الأبيض، ولكني أقدمها اليوم لكل الذين توهموا ببناء دولة مستقلة وغير تابعة للصهاينة والأمريكان، وكل خطوات الدكتور مرسي منذ وصل إلي الحكم تؤكد أن مصر مقدمة علي مرحلة تركيع غير مسبوقة، وكتبت هنا عن زيارة هيلاري كلينتون التي وصلت القاهرة بعد أيام من وصول الرئيس محمد مرسي للحكم، وكان عنوان «الموجز» يومها "مصر الثورة تركع تحت حذاء هيلاري ونتنياهو!! شكرا يا مرسي"!!.. لذلك فكل مواقف الرئيس تجاه الصهاينة والأمريكان ليست مفاجئة بالنسبة لي، فالمؤشرات تؤكد أن الغرور الأمريكي مازال مستمرا وأن الرئيس مرسي يمارس نفس دور الرئيس السابق في الخضوع للإرادة الأمريكية الصهيوينة، وقامت الثورة المصرية وكان من أهم أهدافها عودة السيادة المصرية ورفع السيف الأمريكي من علي رقاب العالم العربي والإسلامي. ولاشك أن التيارات الإسلامية التي لم تتوقف عبر السنوات الماضية عن التظاهر ضد الأمريكان وضد الوحشية الأمريكية وضد وجود سفارتهم في قلب القاهرة بدأو يتعاملون مع السياسة الجديدة بكل الرضا رغم أن اللوبي الصهيوني الأمريكي لم يتغير أو يتبدل، بل إنه عاد ليفرض كلمته علي مصر التي تعتبر قلب الوطن العربي، والسؤال للرئيس وباقي التيارات الإسلامية التي صدعت رؤوسنا بالجهاد ضد الصهاينة والأمريكان: أليست هذه هي أمريكا التي تقتل العرب والمسلمين في كل مكان؟!.. أين بيانات الشجب والإدانة والاعتصام أمام السفارة الأمريكية؟!.. وهل البيت الأبيض يعمل دون الرجوع إلي الجاليات اليهودية التي تمول حملات الرئيس الانتخابية؟! إن الحقائق تكشف كوارث في سياسة التعامل بين جماعة الإخوان والبيت الأبيض، فقد انتهج البيت الأبيض سياسة احتضان الإخوان المسلمين منذ ظهورهم علي الساحة في انتخابات البرلمان المصري عام 2005 وتمت عشرات اللقاءات داخل السفارة الأمريكية وفي مقر «الحرية والعدالة» وفي قلب واشنطن، وعندما جاء أوباما في أول زيارة لمصر وألقي خطابا في جامعة القاهرة كان واضحا أنه قرر التحالف مع الإخوان المسلمين باعتبارهم تياراً إسلامياً سنياً معتدلاً بل والسعي لجعلهم القوي الأكثر قوة في المنطقة وان يكونوا حلفاء للولايات المتحدةالأمريكية.. وبعد الثورة المصرية قال موقع «ديبكا» الاستخباري الإسرائيلي إن السياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي أوباما في المنطقة العربية هدفها دفع الإخوان المسلمين ومساعدتهم لاعتلاء الحكم بدلا من الزعماء العرب الحاليين، حيث يري أوباما أن مصلحة إسرائيل الاستراتيجية تكمن في دعم الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط باعتبارهم قوي إسلامية معتدلة من بطن السنة تقف في وجه تنظيم القاعدة المتطرفة. وتحققت الرؤية الأمريكية وكانت وجهة نظرهم ثاقبة وبعيدة المدي ونموذج التنازلات التي يقدمها الرئيس مرسي يؤكد ذلك كل يوم، وعلي كل المصريين أن يتوقعوا مزيدا من تلك التنازلات في الزيارة المقبلة للرئيس مرسي إلي البيت الأبيض، فالرئيس المصري مدين للأمريكان وعلينا أن نتذكر الفضيحة التي هزت أمريكا عندما تقدم عضو الكونجرس الأمريكي فرانك وولف بمذكرة قانونية للكونجرس الأمريكي يطالب فيها بالتحقيق مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في المستندات المنسوبة إليهما من جهات أمنية أمريكية تفيد دعمهما لجماعة الإخوان المسلمين بحوالي 50 مليون دولار في الانتخابات الرئاسية المصرية في جولة الإعادة لصالح الدكتور محمد مرسي مرشح حزب «الحرية والعدالة»، وقال وولف الذي يعتبر واحداً من أشهر أعضاء الكونجرس عن ولاية فرجيينا إنه يمتلك الأدلة والمستندات التي تكشف كيف تلاعب أوباما وكلينتون بأموال الشعب الأمريكي لتصعيد مرشح جماعة الإخوان في مصر، وأكد أنه سيقوم بعمل حملات إعلانية في كبري الصحف العالمية لفضح مخطط أوباما وهيلاري كلينتون.