هل من الممكن أن تلجأ مصر إلى القوة باعتبارها الخيار الأخير للحفاظ على حقوقها في مياه النيل؟.. تساؤل بات فرضه على الأذهان أمراً محتوماً بعد فشل المفاوضات التي جرت مؤخراً بالسودان في التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف. ولاقى إعلان سامح شكري وزير الخارجية بفشل المفاوضات التى جرت بالعاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع الماضي بشأن أزمة سد النهضة الاثيوبي، غضباً شديدًا من الرأى العام المصرى بعد تأكيده أنها لم تسفر عن مسار محدد أو نتائج محددة يمكن الإعلان عنها. وأكد "شكرى" خلال مؤتمر صحفي عقب انتهاء الاجتماع الثلاثي الذي عقد لبحث الخلافات التى أدت إلى تفاقم أزمة سد النهضة، أنه تم بحث كافة الموضوعات المتعلقة بهذا الملف، وسبل تنفيذ تعليمات زعماء الدول الثلاثة، فيما يتعلق بإيجاد وسيلة للخروج من التعثر الذي ينتاب المسار الفني في مفاوضات السد، من خلال المشاورات الثلاثية لوزراء الخارجية والري ومديري أجهزة المخابرات العامة. وأضاف: تناولنا كل القضايا التي ربما أدت إلى هذا التعثر، وأيضًا الأطروحات المختلفة التي قد تقودنا إلى مسار وخارطة طريق للتعامل مع هذه القضايا، فكانت المشاورات شفافة وفيها كثير من الصراحة وتناول لكافة الموضوعات، لكنها لم تسفر عن مسار محدد ولم تؤت بنتائج محددة يمكن الإعلان عنها. وتابع: سوف نستمر وفقًا لتعليمات القادة فى أن نسعى في هذا الأمر مدة 30 يومًا بدأت منذ 5 أبريل وتمتد حتى 5 مايو المقبل، للامتثال إلى تعليمات الزعماء فى إيجاد وسيلة لكسر هذا الجمود في تلك الفترة. من جانبهم أكد خبراء في شئون المياه، أنه بإعلان فشل المفاوضات أصبحت مصر أمام خيار وحيد، وهو اللجوء للتحكيم الدولي، مؤكدين أن وثيقة إعلان المبادئ يمكن من خلالها الضغط على إثيوبيا. وقال الخبراء إن الحديث عن مهله 30 يوماً من أجل كسر الجمود والتوصل لحل، لا جدوى منه وعلى القيادة السياسية التحرك بشكل سريع لضمان حقوق مصر. ووصف الدكتور هانئ رسلان نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية ورئيس وحدة دراسات السودان ودول حوض النيل، إعلان مصر والسودان معاً فشل المفاوضات الفنية في تحقيق تفاهمات حول النقاط العالقة في أزمة سد النهضة الاثيوبي بالنهاية غير السعيدة للمسار الفني الذي كانت تعول علية القيادة السياسية المصرية من أجل الوصول لحل يرضي جميع الأطراف، قائلاً إن الجانب الإثيوبي استطاع تحقيق ما أراد من كسب للوقت واستمر في بناء السد، ليضع دولتي المصب مصر والسودان أمام أمر واقع. وأوضح أن مصر وقيادتها السياسية تمسكت بسياستها في الحفاظ علي العلاقات الدولية مع إثيوبيا من خلال استمرارها في المسار الفني من أجل التمسك بآخر الحلول، ولكن اثيوبيا لم تكن حسنة النية في التعامل مع الأزمة ، وأظهرت للجميع وجهًا مختلفًا، وكأنها دولة متعاونة وتتفاوض مع دولة المصب، من أجل إقناع الرأي العام العالمي بمدى تعاونها. وعن فرصة الثلاثين يوماً التي تحدث عنها وزير الخارجية سامح شكري، من أجل إعادة النظر في المفاوضات وتحريك المياه الراكدة، أكد رسلان أنها فرصة جديدة لإثيوبيا حتى توفق أوضاعها من جديد خاصة بعد تولي رئيس الوزراء الجديد أبي أحمد، قائلاً إن الأمر أصبح بين يدي الرؤساء الثلاثة، ومن ثم سننتظر الفترة القادمة الإجراءات التي سيتم اتخاذها منهم. واستبعد رسلان، فكرة اللجوء للتحكيم الدولي، موضحاً أن تدويل قضية سد النهضة غير وارد، ولن يكون ملزمًا لطرف على حساب آخر، ومن ثم على القيادة السياسية دراسة الأمر جيداً والبحث عن حل غير تقليدي يحافظ لمصر علي حصتها التاريخية من مياه النيل. من جانبه قال الدكتور نادر نور الدين الخبير المائي، وأستاذ الأراضي بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إنه بنهاية اجتماعات اللجنة الثلاثية لوزراء خارجية مصر والسودان واثيوبيا في الخرطوم الأسبوع الماضي، يكون قد اُسدل الستار علي مسار المفاوضات الفني والدبلوماسي معاً، ومن ثم أصبحت الأمور أكثر وضوحاً، وعلي القيادة السياسية في مصر التقدم بسيناريوهات جديدة تضمن لمصر حقوقها. ووصف نور الدين، الحديث عن 30 يوما إضافية لبحث بعض الأمور العالقة ب"مضيعة الوقت" المستفيد منها إثيوبيا، مؤكداً أن مصر عليها سرعة التحرك وكفاها 7 سنوات من المفاوضات غير الجادة. وأشار الخبير المائي, إلى أن تحرك مصر تجاه تدويل القضية تأخر كثيراً، ومن ثم يجب علي القيادة السياسية سرعة اتخاذ القرار، مؤكداً أنه كان ينبغي على المفاوض المصري القيام بذلك منذ ست سنوات، ولكن ما شهدته مصر من تغيرات سياسية خلال سنوات التفاوض منح إثيوبيا الوقت لتنفيذ ما أرادت. وطالب نور الدين المفاوض المصرى بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى لا تصبح مصر نسخة من العراق وسوريا، عندما قامت تركيا ببناء سد أتاتورك العظيم وتلاه العديد من السدود ما تسبب فى نقص شديد فى حصة الدولتين. وأضاف, أن الجانب الإثيوبى لم يكن صادق النوايا من البداية، والدليل على ذلك سير المفاوضات التي امتدت من ابريل 2011 وحتى الآن ولم تتقدم خطوة واحدة. وقال الدكتور ضياء الدين القوصى خبير المياه ومستشار وزير الموارد المائية والري الأسبق، أن مصر كانت متمسكة بسير المفاوضات من أجل الوصول لحل يتناسب مع الحفاظ على حصتها من مياه النيل، ولكن مع إعلان فشل مفاوضات الخرطوم الأخيرة أصبح لزامًا على القيادة السياسية اتخاذ قرار بتدويل القضية حتى تستطيع مصر الحفاظ على حقوقها من المماطلة الإثيوبية وحتى لا تجرؤ على إنشاء سدود أخرى قد تؤثر على دولتي المصب مصر والسودان . وقال مستشار وزير الري الاسبق: أظهرنا الكثير من الود والصداقة والحفاظ على العلاقات الدولية مع إثيوبيا، ولكنها تمادت في المماطلة ولي الذراع، ما أدى إلى إضاعة وقت طويل دون فائدة. وأشار القوصي، إلى اتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه عام 2015، بين رؤساء الدول الثلاثة، موضحاً أن هذا الاتفاق يُعد دليلًا وورقة تضمن الحقوق المصرية، في تحركاتها الدولية القادمة، لأنه وضع بنود إلزام لإثيوبيا يمكن الاستناد إليها. وفي المقابل يرى اللواء حاتم باشات، عضو لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب، إنه متفائل بالوصول لاتفاق بين الدول الثلاث حول أزمة سد النهضة الإثيوبى، حيث مازال هناك شهر لبحث النقاط الخلافية. وأضاف، أن الملف الفنى بشأن سد النهضة ما زال به بعض النقاط التى تحتاج للمناقشة خاصة فيما يتعلق بملء الخزان وإدارة السد والشراكة فى إدارته.. مشيراً إلى أن لجنة الشئون الأفريقية تنتظر عقد الجلسات بالبرلمان لعقد لقاءات مع وزير الخارجية لإطلاع النواب على ما تم الوصول إليه بشأن المفاوضات.