لماذا عاد أردوغان إلى أحضان الصهاينة بعد تظاهره خلال السنوات الماضية بعداءهم ..يجيب عن ذلك الدكتور محمد عبد القادر الخبير فى الشئون التركية "بعد مفاوضات اتسمت بالسرية استمرت لجولات وجاءت على فترات متقطعة خلال السنوات الخالية، تم الإعلان مؤخرًا عن التوصل إلى اتفاق بين أنقرة وإسرائيل في العاصمة السويسرية (زيورخ) يقضي بإعادة تطبيع العلاقات المشتركة عبر السعي للبناء على جهود الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" والتي أثمرت في 24 مارس 2013 عن اعتذار إسرائيلي بشأن مقتل مواطنين أتراك ممن كانوا على متن السفينة التركية "مافي مرمرة"، على يد قوات الكوماندوز الإسرائيلية، وذلك في مايو 2010. الاتفاق يقضي بأن يتم التفاوض بين الجانبين على المطالب الخاصة بالسماح بحرية الملاحة للسفن التركية للوصول إلى شواطئ قطاع غزة، مع تعهد أنقرة بعدم ممارسة أية جماعات فلسطينية أنشطة على أراضيها تستهدف أمن إسرائيل. وفي هذا السياق، قامت تركيا بترحيل القيادي صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بأنه مهندس عملية خطف ومقتل ثلاثة إسرائيليين في يونيو 2014. وعلى الرغم من أن بنود "اتفاق زيورخ" المعلن عنها تتعلق بخطوات تطبيع العلاقات المشتركة بين الجانبين، فإن ارتدادات هذا الاتفاق وسياقه وبنوده، تجعله يرتبط بأطراف إقليمية أخرى، في مقدمتها مصر، لكونه يجسد، من ناحية، الطموح التركي لإيجاد موطئ قدم على الشريط الحدودي المصري مع قطاع غزة، على نحو قد يُفضي إلى تحدٍّ أمني مركب للدولة المصرية، وذلك بالنظر لعلاقات أنقرة التقليدية ببعض التنظيمات الراديكالية، ولاعتبارات تتعلق بُمركب توتر علاقات كلٍّ من حركة حماس وتركيا مع الدولة المصرية، ومن ناحية أخرى، لكون الاتفاق -في حد ذاته- قد يمثل محاولة ارتدادية من قبل تركيا للتأثير سلبًا على آليات مؤسسية تحاول القاهرة ترسيخها فيما يخص استغلال ثروات شرق المتوسط والتعاون متعدد الأبعاد والمستويات بين دوله، وذلك بالنظر إلى أن الاتفاق التركي الإسرائيلي يشمل أيضًا التباحث بشأن آليات التعاون الثنائي في هذا المجال. أسباب إعادة "التطبيع": تطورات متلاحقة شهدها الإقليم، جعلت من إعادة تطبيع العلاقات أمرًا محوريًّا بالنسبة للجانبين في هذا التوقيت، خصوصًا أن المتغيرات الإقليمية جاءت في ظل بعض الثوابت التي تحكم علاقات الدولتين، وتتمثل تلك المتغيرات في الآتي: أولا: علاقات "متشابكة" تحتمل الهزات: تركيا كانت ثاني دولة إسلامية بعد إيران تعترف بإسرائيل عام 1949، ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقات تطورات متلاحقة، وباستثناء التوتر الحاصل في العلاقات بسبب حرب الأيام الستة، اتسمت الروابط المشتركة نسبيًّا بدرجة عالية من التعاون الثنائي الذي يمكن وسمه بالعميق. فمع نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، قام الرئيس الإسرائيلي الأسبق "عيزا وايزمان" بزيارة أنقرة في ثلاث مناسبات للتوقيع على اتفاقيات ساهمت في تعميق العلاقات في مجالات شملت الثقافة والفن والتعليم والرياضة، هذا إلى أن بلغت العلاقات مستوى غير مسبوق بعد توقيع اتفاقيات للتعاون الاستخباراتي والعسكري عام 1996، وهي اتفاقات لم يُنهِهَا اتساع نطاق التوتر مع الأزمات السياسية التي شهدتها العلاقات منذ العملية العسكرية الإسرائيلية "الرصاص المصبوب" في قطاع غزة عام 2008؛ حيث ساهم التعاون الاستخباراتي بين البلدين خلال السنوات الماضية في توفير أرضية قادرة على اختراق حواجز التوتر المؤقتة، كما أوجد "توافقات مؤسسية" مشتركة وقنوات للتواصل، وخلق أيضًا مساحات من التداخل لا يمكن "ردمها" كونها تتعلق بأطر تخص تبادل معلومات حيال ما يجري وتشهده دول مجاورة للدولتين. ثانيًا: مصالح متشابكة لم تنقطع كلُّ خيوطها: تحركت علاقات البلدين على المستويات الاقتصادية والتجارية وفق إيقاع مختلف تمامًا عن وتيرة العلاقات السياسية منذ عام 2008، ذلك أن العلاقات الاقتصادية اتخذت منحى عكسيًّا، فقد ارتفع معدلُ التبادل التجاري بين البلدين من 2.6 مليار دولار عام 2009 إلى ما يتجاوز 5.6 مليارات دولار عام 2014. ويشير معهد الإحصاء التركي (Turk Stat)، إلى أن حجم الصادرات التركية إلى إسرائيل بلغ نحو 2.92 مليار دولار في عام 2014 بدلا عن 1.5 مليار دولار عام 2009، هذا بينما بلغت الواردات من إسرائيل نحو 2.7 مليار دولار بدلا عن 1.1 مليار دولار عن نفس الفترة، هذا في حين وصل حجم السياح الإسرائيليين في تركيا إلى زهاء 200 ألف مواطن، بما يعني أن خُطَى السياسة والاقتصاد تحركا في مسارات غير متوازية. ثالثًا: الاحتياجات الحيوية المتبادلة للجانبين: كان من النتائج الرئيسية لتوتر العلاقات الروسية التركية بعد إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية SU-24 في الأجواء السورية في 24 نوفمبر الماضي، أن تعرضت مشاريع الطاقة المستقبلية بين الدولتين للتجميد من قبل موسكو، كما لوحت إيران باللجوء إلى الورقة ذاتها، وهو ما دفع أنقرة للبحث عن أسواق بديلة جاء في مقدمتها إسرائيل، لعدد من الاعتبارات، أهمها القرب الجغرافي بين الدولتين، وسعي إسرائيل إلى تصدير الغاز إلى أوروبا. وبينما شكل ذلك أهمية استراتيجية لأنقرة؛ فإن إسرائيل بدورها اعتبرت أن أهمية عملية "ذوبان الجليد" بين الجانبين تتعلق باستعادة علاقات متعددة المستويات لا يغيب عنها الشق الأمني، وذلك في مواجهة عددٍ من القوى الإقليمية في مقدمتها طهران. كما أن من شأن الاتفاق أن يوسع من هامش القدرة على المناورة في مواجهة أطراف إقليمية أخرى كمصر، وعلى جانب آخر، فإن الاتفاق قد يمثل فرصة لإيجاد صيغة للتفاهم أو قدر أدنى من التنسيق فيما يخص الملف السوري، خصوصًا أن لدى الطرفين طموحًا لإقامة مناطق عازلة داخل الأراضي السورية، بما يسمح بالتمدد الجغرافي مستقبلا، وهو ما يتناقض مع الرؤى والمصالح المصرية. رابعًا: مواجهة الحضور الروسي بجوار الدولتين: تبدلت المعادلات الإقليمية بعد التدخل الروسي المتصاعدة وتيرته في سوريا، والتي جعلت من موسكو تبدو أقرب ما تكون إلى لاعب إقليمي يُدشِّن تحالفًا مع كلٍّ من سوريا والعراق وإيران، ليُشكِّل حلقةً جغرافيةً تُحيط بتركيا، بما جعل الأخيرة تبدو شبه معزولة في ظل نمط علاقات سمته التوتر مع أغلب الفاعلين الرئيسيين على مسرح الإقليم، بما دفع إلى إعادة البحث عن آليات إعادة إحياء "التحالفات القديمة"، لا سيما في أعقاب الفشل في إيجاد توازنات إقليمية تخدم مصالح تركيا الحيوية خلال السنوات الخالية، حيث خلقت سياسات أنقرة ومغامراتها مشكلات أكبر مما أوجدت فرصًا. وقد اضطلعت الولاياتالمتحدةالأمريكية -في هذا السياق- بأدوار محفزة لتحسين العلاقات بين البلدين، خصوصًا في الآونة الأخيرة، بسبب ما أوجدته التمركزات العسكرية الروسية بالقرب من حدود الدولتين، من تحديات، حيث نظرت واشنطن إلى إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين باعتباره يشكل إعادة تمتين للجبهة المحاذية لهما في الإقليم، خصوصًا بعد الخروج المصري النسبي من هذه "الدائرة". مصر وارتدادات تطبيع العلاقات: ثمة العديد من الارتدادات المحتملة بدرجات متفاوتة لاتفاق إعادة تطبيع العلاقات التركية - الإسرائيلية على الجانب المصري، وذلك بالنظر إلى سياقات هذا الاتفاق وحيثياته، وهي: أولا: على مستوى العلاقة مع قطاع غزة: جعلت تركيا من قطاع غزة جزءًا لا يتجزأ من اتفاق عودة العلاقات مع إسرائيل، بينما استهدفت من ذلك عدم التخلي عن علاقاتها المتشابكة مع الجماعات الراديكالية على مستوى الإقليم. وقد جاء في هذا السياق لقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في سبتمبر الماضي، وذلك لإيضاح طبيعة الموقف التركي الثابت حيال "الحركة"، وتوضيح نمط وماهية الاتفاق مع إسرائيل، خصوصًا أن تركيا قد اتفقت مع إسرائيل على إرسال سفن محملة بالمواد اللازمة لإنشاء مستشفى تركي في القطاع، من المحتمل أن يقوم الرئيس التركي بافتتاحه هذا العام. هذا بالإضافة إلى تأكيد الاتفاق على ضرورة الموافقة على ما أسمته تركيا "حرية الملاحة غير المقيدة" للقطاع بالنسبة للسفن التركية، وذلك لنقل البضائع والمنتجات التركية، وكذلك توفير سفينة تُساهم في توريد التيار الكهربائي للقطاع، ومن المرجح أن تكون مهمتها محض تغطية العجز الناتج عن مصدر الطاقة الإسرائيلي الذي يوفر نحو 120 ميجا واط، تعد الأرخص والأسهل من حيث الوصول وضمان استمرارية التوريد للقطاع حسب التقديرات الفلسطينية. ومن الواضح أن الهدف التركي من ذلك التأكيد على أن عودة الدفء إلى علاقاتها مع إسرائيل لن يأتي على حساب علاقاتها مع حركة حماس، وإنما من المرجح أن يستخدم الاتفاق لتعميق التواجد التركي في القطاع، وذلك في محاولة للاضطلاع بأدوار جعلتها الجغرافيا والتاريخ والمصالح المتشابكة أمنيًّا وسياسيًّا، اختصاصًا مصريًّا. ثانيًا: تعميق أواصر "التحالف الثلاثي": تعمل كلٌّ من قطروتركيا على تعميق العلاقات مع حركة حماس، وإفشال أية محاولات لتحسن علاقات حركة حماس مع الدولة المصرية، وذلك عبر توفير حاضنة إقليمية، تقدم الدعم المالي والمساندة السياسية، وكذلك استضافة عناصر الحركة، وتوفير اللازم من منابر إعلامية للعديد منها. وقد يعني ذلك، احتمالية اتساع نطاق المسافة الفاصلة بين مصر وحركة حماس، التي قد تبدو غير مضطرة للاستجابة إلى الرؤى المصرية للتعاطي بفاعلية حيال التهديدات التي تشكلها بعض الجماعات التي تستوطن القطاع، وتستهدف الأمن القومي المصري، كما أنها قد تكون أقل حماسة لتحسين العلاقات مع مصر، ارتباطًا بضعف الجناح الدافع في هذا الاتجاه، لصالح القوى المرتبطة بكلٍّ من قطروتركيا، هذا في الوقت الذي ستكون فيه قدرة حماس على التصعيد ضد إسرائيل أو التهدئة مع السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة شبه معدومة. ثالثًا: محاولات إعادة تحسين "صورة" تركيا إقليميًّا: على الرغم من أن أحد محركات الاتفاق الإسرائيلي التركي، يتمثل في رغبة أنقرة في شراء بعض برامج التسلح الإسرائيلية، وطائرات من دون طيار، فضلا عن الرغبة في استقدام نظم استطلاع ومراقبة لبعض المقاتلات التركية التي تبتغي تحديثها - فإن أنقرة بالإضافة إلى بعض الجماعات المحسوبة عليها، ستسعى إلى "تسويق" إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل إعلاميًّا باعتباره يحقق مصالح القضية الفلسطينية، وأن هذا يتحقق في الوقت الذي تنصرف فيه دول عربية رئيسية نحو قضايا وملفات فرعية. رابعًا: استهداف تحركات مصر إزاء دول شرق المتوسط: عملت مصر خلال الفترة الماضية من أجل توطيد العلاقات مع دول شرق المتوسط وفق استراتيجية "الكل يكسب Win Win Game"، بما عزل تركيا عن مسار التوافقات الناشئة بين الأطراف المعنية بشأن إدارة ملف ثروات غاز شرق المتوسط، وفي ظل الصعوبات التي تعترض سبيل تعاون أنقرة مع أي من مصر أو اليونان أو قبرص الجنوبية بسبب تعارض المصالح، فإن التقارب مع إسرائيل قد شَكَّلَ إحدى استراتيجيات التعاطي مع هذا الملف الحيوي. وعلى الرغم من أن الطموح التركي قد اصطدم مؤخرًا بالتوجه الإسرائيلي نحو مأسسة العلاقات مع كلٍّ من قبرص واليونان اقتداء بالتحرك المصري، وذلك عبر تشكيل لجان مشتركة تُعنَى بتوثيق العلاقات في مختلف المجالات ومن ضمنها الإعداد للإجراءات اللازمة للاتفاق بشأن نقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى الدول الأوروبية عبر اليونان، وهو الأمر الذي قد يحبط المخططات التركية الخاصة باستيراد الغاز الإسرائيلي لتلبية احتياجاتها ونقله عبر أراضيها للدول الأوروبية. وفي كل الأحوال ستحتاج هذه الخطط إلى سنوات لتنفيذها، وستبدو هذه الدول في حاجة إلى استمرار التعاون مع مصر، كونها تطرح صيغًا للتعاون لا للصراع، ولا ينفي ذلك أهمية التحرك الاستباقي حيال كافة الأطراف المعنية، باعتباره يُعد أمرًا محوريًّا تزداد أهميته لإحباط المخططات التركية حيال المصالح المصرية، سواء في شرق المتوسط أو على حدودها الشرقية.