الوعود الاقتصادية الضعيفة وارتفاع نسبة البطالة كان سببا فى انضمام عدد كبير منهم إلى الجماعات المتطرفة الشعور العام بعدم تحقيق الأهداف واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء أحد أسباب بعد الشباب عن "التدين الصحيح" البحث الدائم عن الزعامة والهروب من الواقع وراء انضمامهم إلى هذه الجماعات التكفيرية كثيرا ما يربط المحللون بين التطرف والفقر ، فمع الشعور بالحرمان يزيد الشعور بالسخط والحسد على المجتمع الذي تتسع فيه الفجوة بين الأغنياء والمحتاجين ،وقد حاولت دراسة أمريكية أن تشرح العلاقة بين الدين والاقتصاد وتأثير ذلك على الأشخاص والمجتمع وترصد أهم الأسباب التى تدفع الشباب إلى الانضمام للجماعات الإرهابية. فى هذه الدراسة التى نشرت على موقع أكاديمية الأطلسي حاول الباحث توماس ستاروبهار أن يفسر كيف عاد الدين كظاهرة اجتماعية قوية غالبا ما تتعلق بالتوترات المحلية؟ موضحا أنه عندما نفهم أسباب التطرف الديني المكثف يمكننا القيام بما يجب فعله لإضعاف العنف الديني وتوجه الشباب إليه؟ وأوضح الباحث أن التطرف والعنف الديني هو نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية أو ظروف اجتماعية محددة ولكنها تصبح أكثر أهمية بسبب الأهداف الاستراتيجية للجماعات المتطرفة ،وقدرتها وكفاءتها في التنظيم وتعبئة أعضائها. وأشار الباحث إلى أنه بمتابعة الأخبار نجد أن فكرة الدين تنعكس على عمليات القتل اليومية في العراق وسوريا ،وجماعة بوكو حرام وجماعة الشباب الصومالية ،وجماعات أخرى مماثلة قد قامت بهجمات إرهابية في باريس وكوبنهاجن وسيدني بهدف إخافة المجتمعات الغربية ،ولكن هذه الجرائم العنيفة ليست سوى "غيض من فيض". وأوضح أن الأعمال العدائية الاجتماعية المتعلقة بالدين في جميع أنحاء العالم وصلت ذروتها منذ عام 2012 وأصبح حوالي ربع دول العالم يواجهون مستويات عالية من الأعمال العدائية التي تتم باسم الدين داخل حدودها ،والواضح أن العالم يسير بشكل واضح تجاه التطرف الديني ويتوقع أصحاب المدرسة العلمانية أن يكون هناك تحولا كبيرا في الفترة المقبلة. وقال الكاتب إن هناك عددا من القناعات هي التي حددت السياسة الغربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أدت بها إلى مرحلة العلمنة , وأول هذه القناعات كانت قائمة على فرضية التقارب حيث كان الاعتقاد السائد هو ان دول الجنوب الأكثر فقرا يجب أن تلحق بالثراء الاقتصادي الذي تعيشه دول الشمال أي أن الاقتصاديات الأقل نموا من شأنها أن تتلاقى نحو مستويات أعلى من التنمية مع الاقتصاديات الأعلى. أما القناعة الثانية فكانت تعتمد على فكرة العلمنة فقد كان من المتوقع أنه مع زيادة مستوى المعيشة تتجه المجتمعات نحو العلمانية عاجلا أو آجلا ومن شأن ذلك أن يحسن الوضع الاقتصادي الذي يؤدي إلى ارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس وانخفاض معدلات الأمية ،ومن شان ذلك أن يجعل الناس أفضل من ناحية معرفة العلوم الطبيعية ونظرية التطور التي تجعلهم متشككين في المعتقدات الدينية وبالتالي أقل تدينا وبمرور الوقت تحولت فرضيتي التقارب والعلمنة إلى وهم فدول الجنوب لم تستطع اللحاق بالنمو الاقتصادي للدول الشمالية ،ولم تختفي فكرة الدين بل على العكس أصبحت أكثر صعودا ، والواقع هو أن العلمانية تشهد حاليا نكوص أمام التدين. وأشار الباحث إلى أنه يوجد موجة من الصعود للكاثوليكية في أمريكا اللاتينية ،كما أن هناك إحياء للمسيحية الإنجيلية في الولاياتالمتحدة ،وتشهد الظواهر الدينية رواج شعبيا في أوروبا ،كما أن الإسلام ينمو بشكل كبير ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في أفريقيا وداخل السكان المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية ،حيث تبين أنه في كثير من الأماكن حول العالم لا يزال الدين يلعب دورا رئيسيا في الحياة السياسية والعرقية والثقافية والاجتماعية. أما عن العلاقة بين الدين والاقتصاد فقد أكد الباحث انه لا يوجد أدلة تجريبية ذات دلالة إحصائية على تأثير المستوى المادي على بعض الناس وانعكاس ذلك على إيمانهم بالله أو تدينهم ،كما لا يوجد علاقة بين التدين والمعرفة الفردية التعليمية ،أو مدى إطلاع الفرد على الإنجيل او العهد القديم او القرآن. ومع ذلك يمكن على هذا النهج أن نقيس على المستوى الكلي فكرة العلاقة بين الاقتصاد والدين ،فقد نرى ان الناس ينظمون بطرقة معينة ممارسة ديانتهم على افتراض أن الكيانات الدينية مثل الكنيسة الكاثوليكية الضخمة تعتمد على المشاريع الصغيرة للكنائس الصغيرة المستقلة والتي تتصرف مثل نوادي تقدم الخدمات المشتركة التي تقوم على العبادة والتربية الدينية والأنشطة ودعم أعضائها الأكثر احتياجا لجذبهم وفي المقابل يدفع الأعضاء الأغنى رسوما لتقديم بعض الواجبات المفروضة عليهم ،ويرى الباحث انه بالنسبة لكثير من الناس يكون هدف العضوية في هذه الأندية الدينية روحي بحت وخيار للمشاركة في الأنشطة الدينية الأكثر عمقا ،ولكن البعض الآخر يكون له أهداف إضافية أكثر علمانية ،وأكثر هؤلاء من القادة والممثلين الرسميين للكنائس المهتمين أكثر بالمناصب لأن هذا يعني ارتفاع المكانة وجنى أرباح شخصية أكثر ولكن مع العولمة والتقدم في التكنولوجيا الرقمية أصبحت تكاليف المعاملات والاتصالات لتبادل الأفكار أقل بكثير وأصبحت الخيارات بين المجموعات الدينية المتنوعة أكبر. كل هذه الأمور جعلت الناس أكثر قدرة على الحركة وأكثر استقلالية وأصبحت الهجرة والخروج من الدول أسهل وأرخص ونتيجة لذلك كانت الحرب أصعب على النوادي الدينية للحفاظ على الأعضاء،وفي نفس الوقت جعلت الكيانات الدينية تتوسع جغرافيا بشكل أكبر ،وتبدأ في البحث عن أعضاء جدد في مناطق جديدة وهذا الأمر وسع الخيارات وشحذ التنافس بين الجماعات الدينية المختلفة ،وقد أتاحت العولمة والرقمنة وخفض تكاليف التسويق والدعاية والإعلان توافر خدمات الجماعات الدينية في جميع أنحاء العالم ما أتاح لهم فرص البحث عن أعضاء جدد من بعيد. وبفضل وسائل الإعلام الاجتماعية الجديدة أمكن لقادة الجماعات الدينية التواصل مع الأعضاء بسهولة أكثر بكثير من ذي قبل ،وبطريقة أكثر من أي وقت مضى ،كما تمكنوا من استخدام وسائل الإعلام الجديدة للإبقاء على اتصال مع الأعضاء القدامى وجذب الأعضاء الجدد وكان للعولمة تأثيرا كبيرا على الأعضاء المحتملين من خلال استراتيجة زعماء الجماعات الدينية ،حيث تم استقطابهم من جميع أنحاء العالم. وأوضح الباحث أن العولمة والتكنولوجيا الرقمية أدى إلى اتساع حجم السوق لهذه الجماعات وزاد من المخاطر وأيضا المنافسة بين الجماعات المختلفة لذلك زادت المعارك في السنوات الماضية لتحقيق المزيد من الأرباح والسلطة ،الأمر الذي أصبح التربة الخصبة لزيادة التوتر وحتى العنف بين هذه التنظيمات. وقال الباحث إن المجتمعات الغربية أصبحت في صدمة بسبب اندلاع العنف الديني حيث تفاجئت به وأصبح السؤال الأهم لماذا يكرهوننا؟ وهل أصبح العنف الديني لا مفر منه؟، وتشير الأدلة التجريبية إلى أن العوامل الاقتصادية مثل الفقر او التحصيل العلمي ليست قادرة على إعطاء إحصائية حول سبب توجه الأشخاص للعنف ،والواقع يقول إن الصحوة الإسلامية ليست حركة طوائف دينية إنعزالية ولكنها حركة إحياء واسعة مستندة على أفراد من الطبقة الوسطى المتعلمين والموهوبين ،ولذلك بدلا من النظر للعنف الديني على أنه رد مباشر على ضعف الفرص والجهل يجب النظر له على أنه رد غير مباشر على السياسة والمشاعر طويلة الأمد بالمهانة والإحباط التي سببتها العوامل الاقتصادية, فالحرمان النسبي والحسد والتطلعات صعبة المنال والحراك الاجتماعي المنخفض وعدم المساواة في الدخل او الفقر ربما يكونوا شروط مسبقة للعنف لكنها في الأساس توفر تربة خصبة للشعور العام بالإحباط وتحفيز رغبة الناس واستعدادهم لتصحيح الوضع الاقتصادي غير المتكافيء إلا أن السياسة الاجتماعية والاقتصادية هي دائما سبب الأزمة. وتختلف قوة التنظيم ورقابته الداخلية حسب القدرة على الحشد بين الجماعات المختلفة ويزداد النجاح كلما كان الفكر حادا وكلما كان هناك شعورا بالتكاتف في جميع أبعاد الحياة, وقد تصبح بعض التنظيمات أكثر نجاحا من الأخرى من خلال ما تقدمه من فرص لأعضائها للتقدم في التسلسل الهرمي الداخلي والحصول على مكانة بين الأعضاء مما يعطيهم الهيبة والوضع الجيد لاسيما إذا كان هؤلاء من الذين كانوا يعانون من عدم وجود فرص سياسية واجتماعية في بلدانهم وكذلك يجب ان تكون هذه التنظيمات قادرة على تقديم حزمة شاملة من الإجابات على الأسئلة الروحية الأساسية وتقديم الحلول للمشاكل اليومية حتى تكون قادرة على البقاء على قيد الحياة. كذلك تدل الأدلة التجريبية على أن الجماعات الدينية الليبرالية هي الأقل نجاحا في جذب أو الحفاظ على أعضائها الفاعلين من الجماعات الأصولية المحافظة بقوة ،فالجماعات المتطرفة تبدو أقرب إلى الناس لعدة أسباب: أولها, أن القادة في الجماعات المتطرفة يمكنهم أن يستفيدوا من الوعود الاقتصادية الضعيفة والشعور العام بعدم تحقيق الأهداف واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ،فهذا الأمر يعد مرتعا خصبا لهم للبحث عن مزيد من الأعضاء الجدد للحصول على المزيد من السلطة من خلال أساليب عدوانية وانتهاج العنف. ثانيا:استخدام التكنولوجيا الرقمية يتيح نشر المعلومات بسرعة وبالتالي من خلال شبكة الانترنت يمكن للناس الأقل في المستوى ان يتعرفون على أشكال أفضل من الحياة في الولاياتالمتحدة أو اوروبا مقارنة بالأوضاع في أماكن أخرى من العالم مما يجعلهم يشعرون بالظلم والاجحاف وهذا يشجعهم على التشدد والتطرف في ظل هذه الظروف ،وبالتالي فإن قيادات الجماعات تلعب مباراة سهلة فى هذا الشأن لجذب الشباب الصغير اليائس من خلال تقديم الأمل لهم في حياة وعالم أفضل . وثالثا فإن تقنيات الانترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية والاتصالات السلكية واللاسلكية الجديدة سمحت بسرعة نقل الرسائل والأنشطة في وقت قصير ،على الرغم من أن الجماعات المتطرفة تستخدم هذه الوسائل بشكل سيء فكل فترة نجد "داعش" تنشر فيديو مروع يظهر قطع رؤوس من يطلق عليهم التنظيم كفار وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الأمور قد تجد صدى عند الشباب بينما المسلمين المعتدلين يرون في ذلك مخالفة للدين. ويرى الباحث أن أي استراتيجية لمواجهة العنف الديني يجب أن تقدم منافع أعظم للقادة الدينيين في حال تخليهم عن العنف، مع العمل على زيادة تكلفة استخدام العنف، ويكون ذلك عن طريق العديد من الوسائل مثل حرمان تلك الجماعات من مصادر التمويل، واعتبار أي من أعمالها بمثابة جرائم حرب أما بالنسبة للأعضاء، فيجب توفير وتقوية البدائل غير العنيفة التي تتيح نفس الخدمات للأفراد حتى تصبح الجماعات الدينية أقل جذبا.