الولايات المتحدة تحاول استغلال نفوذها لإجبار السعودية والإمارات والكويت على عدم دعم السيسى مخاوف داخل البيت الأبيض بعد توجه المشير إلى روسيا.. ودخول العلاقات مع مصر فى "نفق مظلم" تسببت سياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية حيال مصر خلال الثلاث سنوات الماضية في تأزم العلاقات بين البلدين ونفور الشعب المصري من الدولة العظمى ،مما دفع بعض الخبراء بالتوجه بالنصح للرئيس الأمريكى باراك أوباما بضرورة إعادة صياغة هذه العلاقة لاسيما مع وجود عبد الفتاح السيسي كرئيس والذي استطاع أن يخلق تحالفا قويا مع دول الخليج ضد واشنطن وألمح بإمكانية توجهه إلى روسيا مما يهدد المصالح الأمريكية. وفي مقال له نشر على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قال ميشيل سينج إن سياسة الولاياتالمتحدة حيال مصر يجب أن تكون محددة وعلى المدى الطويل كما يجب أن تكون متعددة الأطراف بحيث تشمل التعاون الأمني والإصلاح الاقتصادي والسياسي في وقت واحد بدلا من الترنح بين الأهداف قصيرة الأجل وأشار "سينج" إلى أن نجاح عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية يصادف على ما يبدو بداية مرحلة جديدة لبلاده لكن هذا لا يعنى نهاية الاضطرابات السياسية والاقتصادية المستمرة خلال الثلاث سنوات الماضية حيث عانت مصر من مشكلات داخلية وأزمات اقتصادية كبيرة مما أدى أيضا إلى تدهور في العلاقات الثنائية بين القاهرةوواشنطن . وأوضح أن القاهرة بدت غير محتاجة لمشورة من واشنطن كما أنها تحررت من أي تأثير لها بينما بدت أمريكا في حيرة على الرغم من أن المسئولين الأمريكيين وصفوا العلاقات الثنائية بأنها إستراتيجية لكنهم في الواقع كانوا يتعاملون مع الوضع وكأن هناك طرف واحد فقط يحتاج إليهم متناسين أن أمريكا تحتاج مصر في نفس الوقت ،وبحاجة إلى استمرار العلاقات مستقرة بين الدولة العربية الأكبر وإسرائيل وميزة العبور التفضيلي بقناة السويس في حين أن القاهرة تحتاج للمعدات العسكرية والاعتراف الدولي بالخطوات التي تقوم بها حاليا. والمفارقة كما يقول "سينج", إن مصر كانت لها اليد العليا في هذه العلاقة على الرغم من متاعبها والسبب في ذلك هو إيمانها بأنها تستطيع الاعتماد على أطراف أخرى لتلبية احتياجاتها ولو على المدى القصير فمثلا تستطيع الحصول على المعدات العسكرية من روسيا كما يمكنها الحصول على الأموال اللازمة لها من دول الخليج بينما واشنطن لم يكن لها بديلا لمصر. وأكد سينج أن استمرار هذا النهج قصير النظر بالنسبة لكل من القاهرةوواشنطن سيأتي في النهاية بنتائج عكسية لاسيما على الولاياتالمتحدة حيث سينفر المصريون أكثر من الأمريكان وأيضا الحلفاء الآخرين سوف يخشون من انقلاب أمريكا عليهم وسينتهجون نهج مصر ،ولذلك على أوباما أن يحرص على أن تكون القاهرة مستقرة ومزدهرة وهو الأمر الذي يتوافق مع المصالح الأمريكية مما يعني أنه يجب البحث على الأدوات التي يمكن أن تؤثر إيجابا على مسار الدولة العربية الأكبر. وقال "سينج" إن القصة الآن في مصر طويلة وإلى حد كبير خارجة عن سيطرة واشنطن فالسياسة في البلاد لا تنقسم كما هو معروف بين الديمقراطية والاستبداد أو التيار الإسلامي والعلمانية وإنما هناك تفاعل بين العديد من القوى الكبرى التي تتمثل في بيروقراطية راسخة وعسكرية مترامية الأطراف وإسلام سياسي أصبح قوة جديدة بين الشعب ويتوقع له المشاركة السياسية كما هو الحال في تركيا وتايلاند ،والتفاعل بين هذه القوى لا يتبع خط مستقيم نحو نتيجة واضحة ولكنه يسير وفق تعرجات ومسارات مضطربة تتطلب الصبر والاهتمام المتواصل من واشنطن وفقا للكاتب. وأضاف "سينج" أنه مع كل هذه المعطيات الموجودة في مصر فإنه من غير المرجح أن تكون القاهرة على طريق الديمقراطية الصحيحة ،ومع ذلك يجب استئناف المساعدات العسكرية والاقتصادية ،مع العلم بأن العودة لنفس مستوى العلاقات السابق والذي تدهور بالفعل منذ سنوات لا يجب أن يكون هدف واشنطن ولا القاهرة ،وبدلا من ذلك يجب النظر إلى نجاح المشير عبدالفتاح السيسي للوصول للرئاسة كفرصة لإعادة تعريف العلاقة بحيث يمكن تسميتها مرة أخرى بأنها استراتيجية.ومن هنا يجب على أمريكا ضبط سياستها حيال مصر في عدة مجالات رئيسية . وفيما يتعلق بالتعاون الأمني فقد كان واضحا في العلاقات بين البلدين في السابق ولكن مقياس نجاحه والحكم عليه كان مراوغا فعلى سبيل المثال ووفقا لتقرير المحاسبة الحكومية عام 2006 فإن برنامج المساعدات العسكرية لمصر يدعم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية وأمنها القومي ولكن لم يقل التقرير إلى أي مدى ساهم هذا البرنامج في تحقيق الأهداف. وقال سينج إن برنامج المساعدات العسكرية لمصر كان يتم تعديله لثلاثة عوامل هي الخوف من أن تقوم القاهرة بإبطال المميزات التفضيلية لعبور السفن الأمريكية لقناة السويس او تقليلها أو أن تخفف من تعاونها الأمني مع إسرائيل ،بمعنى أن حجب المساعدات العسكرية كان سيأتي بنتائج عكسية فمن شأنه أن يحد من النفوذ الأمريكي على القاهرة ،كما أن الشركات الأمريكية كانت ستعاني اقتصاديا وفي المقابل سيستفيد المنافسين الأجانب من هذا الوضع . ومع ذلك فيمكن وفقا للكاتب أن يتم تعديل برنامج المساعدات الأمريكية لمصر ليلبي عدد من الاحتياجات الأخرى ،وتصميمه ليناسب مصالح كلا البلدين في الوقت الحالي ،وينبغي أن يشمل هذا البرنامج حلفاء آخرين بحيث يتعاونون ماليا وعمليا وينبغي بذل مزيد من الجهد لزيادة المساعدات الاقتصادية وفي إطار هذا النهج يجب أن تكون مساعدات أمريكا شاملة جزء لمكافحة الإرهاب كما يجب على الحكومتين تبني وجهة نظر موحدة حيال الإرهابيين بحيث لا تشمل المعارضة السياسية السلمية. وقال سينج إن مطالب ثورة 25 يناير 2011 بتحقيق تقدم سياسي والحفاظ على حقوق الإنسان دفع المسئولين الغربيين إلى تشكيل آمال غير واقعية لتحول البلاد بشكل سريع وهذا الأمر لم يحدث ،بينما لا ينبغي أن تيأس واشنطن من الضغط على القاهرة لمتابعة المسار الديمقراطي ،وينبغي أيضا أن تركز على أهداف واقعية يمكن أن تكون بمثابة التقدم لبناء البلاد من جديد ،ومنها تراجع المؤسسة العسكرية عن المشاركة السياسية وعدم السماح بوجود حملات دعائية مفتوحة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة ،كما يجب أن تلعب السلطة التشريعية دورا قويا في تحديد مستقبل البلاد وألا يكون للرئيس "شيكا على بياض" للتصرف كما يشاء. وأشار سينج إلى أن السيسي تعهد بأن يلتزم بالحدود الزمنية المسموح بها لتداول السلطة وهذا الأمر في حد ذاته يعد خروجا حادا مرحب به على ما كانت عليه مصر خلال العقود الستة الماضية من تاريخها. ومع ذلك يجب على واشنطن الضغط من أجل تحقيق هذه الأمور الواقعية ويجب عليها استمرار في التحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية ،كما أن الدعم لا يجب أن يقتصر على التصريحات فقط ولكن يجب مساعدة مصر على بناء مؤسسات ديمقراطية مثل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وإقامة نظام قانوني عادل يعمل بشكل جيد فعلى سبيل المثال يجب إزالة الخيار الزائف بين الديمقراطية والسلطوية ويجب على واشنطن التأكد من أن برنامج بناء القدرات في القاهرة لديه أهداف واضحة وتقيم فعاليته بدقة وتنسق بشكل متعدد الأطراف لزيادة تأثيره ،وينبغي أيضا توسيع نطاق التوعية والمشاركة من خلال كبار المسئولين الأمريكيين لضمان اتصالهم بالمجتمع المصري على ألا يتم تجزئة هذا الأمر كنشاط هام للتنمية . وأكد "سينج" أن ما يطلبه من أمريكا هو أمر تحقيقه في غاية الصعوبة نظرا لأنه يتم النظر لأي وجود أجنبي من خلال عدسة الطائفية وكراهية الأجانب وفقا له ،مدعيا أن عمال الإغاثة والصحفيين الأجانب يخضعون للاضطهاد ،ويمكن للولايات المتحدة أن تزيد من احتمالات نجاحها في هذا الأمر من خلال وضع العلاقة الشاملة على مسار استراتيجي أكثر حزما من خلال العمل بالتنسيق مع حلفاء آخرين ومع المصريين أنفسهم والتصرف بطريقة موجهة ضد منتهكي حقوق الإنسان بهدوء أو علنا وهذا يجب أن يتوقف على الظروف وألا يكون رهينة لتقلبات السياسة المصرية ومع كل ذلك فإن من المتوقع أن يكون التقدم في العلاقة بطيئا . وأوضح سينج أن الاستقرار الاقتصادي هو واحدا من أخطر ما يهدد الاستقرار في مصر وربما سيؤثر على سيادة الحكومة المقبلة ،وقد ساعد تدفق المساعدات الخليجية للحكومة الانتقالية على تحفيز الاقتصاد لكن ما حدث هو مجرد إصلاحات قصيرة الأجل ،فالبطالة والعجز المالي والتجاري لا يزال مرتفعا كما أن مشكلات الطاقة لم تحل ونمو الاقتصاد متوقف والقطاع الخاص مقيد . وقال سينج إن استمرار تدفق المساعدات الاقتصادية على مصر دون شروط لن يخدم الانضباط المالي على القاهرة المفروض عليها من خلال صندوق النقد الدولي أو غيره من الجهات التي تقدم مساعدات متعددة الأطراف ،مما يجعل أي جهود غربية لربط المساعدات بظروف اقتصادية أو سياسية أمرا صوريا. وأوضح أنه بعد نجاح السيسي في الانتخابات الرئاسية سوف يكون حلفاء واشنطن في الخليج أكثر انفتاحا على توجهات السياسة المصرية ،ولكن لن تنجح القاهرة اقتصاديا على المدى الطويل دون إصلاح هيكلية التعامل مع الإعانات الضخمة وغير الفعالة وأيضا إصلاح القطاع الحكومي المتضخم وغيره من المشكلات التي تؤثر على قضايا الاستقرار السياسي والأمني عن طريق تأثيرها على النمو الاقتصادي والتوظيف. لافتا إلى أن المساعدات غير المشروطة من الإمارات والسعودية والكويت لمصر لن تساعدها على المدى الطويل ويجب على واشنطن الضغط من أجل دفع حلفائها بربط هذه المساعدات بالإصلاح الاقتصادي والسياسي وينبغي على واشنطن وأوروبا أن تكون على استعداد لاتخاذ خطوات أخرى لتعزيز القطاع الخاص المصري وتقديم حوافز للتجارة والاستثمار.