ما من يوم يمر في هذه البلاد إلا ونسمع مزيداً من الأهوال، ومزيدا من الخلافات والمشاحنات بين هذا وذاك وبين جماعة وأخري، وللأسف بين الصفوة (أو الذين نحسبهم كذالك!). وتدخل اليوم في صراع ، وغدا في صراع آخر، ونمضي ونحن علي يقين أننا سنتقابل بعد غدٍ في صراعات أخري في أماكن أُخر، ويمضي بنا الحال هكذا ،ونترك وراءنا مزيداً من الخلافات ولاشى ء غير الخلافات والاختلافات،ولاغرو ولا عجب .. فهذا ما يحدث دائما،وبدلاً من أن نتقدم خطوة للأمام نتأخر خطوات للخلف ، فنُخطئ الهدف، هنالك عند عوادم السيارات ،وبرغم أننا نودع في كل أسبوعٍ شخصا أو أشخاصا نحو مثواهم الأخير وسط جمع غفير، نعود لنستعد لبقية الخلافات التي مازالت عالقة ومُعَلقة في ملفات مُغْلقة ومُنمقة.
ندفن موتانا ونعود ونِصْفنا مَرضي في عداد الموتى لنكمل الخلافات قبل أن نموت، وتركنا كل مشاكل الأمة دون حلٍ يذكر ونسينا أننا أيضاً (مغتربون في غربة واغتراب) من أجل بناء أُسر، بل من أجل بناءِ الحياةِ التي طالما حَلُمْنَا بها،وجئنا إلي هنا وهناك من أجلها.
وبدلاً من إكمالها عَمِلنا ومازلنا نعملُ علي إهمالها، وتركناها بعيدا لنبدأ في الهدم من جديد،ونغلق هذا ونطمس ذاك، ولماذا ..لأن الشخص القائم علي هذا العمل بيني وبينة خلاف، كان من الممكن أن يُحَل لو تدخل الذين سيحاسبهم الله علي تقاعسهم وعدم تدخلهم للإصلاح لحظة وقوع الخلاف، وتركوه لينظروا من بعيد ماذا سيحل بهذا الشخص من الويل والوعيد ؟
وأسألكم ونفسي ماذا لو رأي الواحد منا شخصاً يَسْتلُ سكينناً ليقتل إنساناً ولم يحاول إنقاذه ، بل أغمض عينيه حتى يقتل الآخر. ماذا يكون حسابه عند الله ؟
ومثل ذلك كثير وكثير بين أفراد الجالية ،والبعض ينتظر وقوعا للجريمة حتى يفضون النزاعات لاحقاً..ولمَاذا ؟
حتى نراهم وهم المَثل الأعلى والمُثُل.. وهم يحلونها علي موائد الطعام والإطعام وربما أمام عدسات الكاميرات
(ونسوا الله فأنساهم أنفسهم).
بالله عليكم ماذا نفعل ونحن نري القدوة والصفوة وهم ينحدرون إلي هذا المنحدر بخلافاتهم الشخصية والتي تصيبنا في أنفسنا، وفي أولادنا ، وفي أرزاقنا، وبدلا من أن نبني دولة ننشر خبثها علي مرآي ومسمع من الدول،وبدلاً من أن نقدم الأوراق والمستندات للجهات المعنية في مصر ومن بعدها السفارة المصرية والقنصلية هنا في النمسا.. ليتخذوا الإجراء اللازم أو علي الأقل يساعدوننا في هدوء وصمت ومعالجة الأمور بحكمة وموضوعية ، وننتظر حتى تنتهي القضية بحلوها ومُرِها،ونتقبل الحقيقة التي يُشْتقُ اسمها من الحق الذي هو اسم من أسماء الله، نصرخ هنا وهناك ،ونتبادل الاتهامات ،ونتعارك وتظهر الخبايا علي السطح ، فقد كانت كامنة منذ زمن تنتظر لحظة الخروج والثوران .. وكأن البركانَ أتتهُ اللحظة الحاسمة للخروج.
وهنا أسألُ سؤالاً ..
لماذا والنفوس مرضية تتلاشي الخلافات وتندثر وتكثر المنافع ، وفي المقابل تضيع منافع أناس أُخر أقل حظاً، وعندما نختلف تظهر كل العيوب التي تجاوزناها برضانا أو رغماً عنا ولماذا وصلنا إلي هذا المستوي ؟
أهي المصالح التي عندما تكون لصالحنا نرتضي، وغير ذلك نختلف ونختلف ليحتار الكل في أمرنا وتضيع مصالح العباد لكثرة خلافاتنا،أهكذا كل من أهداه الله عقلاً... له طريقته الخاصة ، بدلاً من أن يستخدمه فيما ينفع به الناس، وينتفع به هو في الدنيا والآخرة، يتفنن به في تدمير الأمة بكاملها.
وللأسف أصبحنا نسمع حديثا جديدا .. أننا أبناء(ثورة 25 من يناير) ونسوا وتناسوا أن الذين قاموا بالثورة هم الذين أشعلوها هناك ..بعقولهم وقلوبهم وبأرواحهم ودمائهم ،وزد علي ذلك الحرب الطاحنة هناك من أجل تحقيق العدالة والحرية والمساواة ،والوفاء بالعهود والوعود ، وتحقيق المطالب الرئيسية ، وانتشالهم من العوز والحاجة ، بل من الفقر المدقع ،ومطالب كثيرة كانت ولا زالت هي لُبّ الموضوع لكثير من الجموع التي تتطلع يوما لبصيص من النور.
أما هنا فالحرب كانت ولازالت من أجل الهدم لا البناء،والمسابقة علي تحقيق المكاسب السريعة علي حساب الأبرياء من الناس الذين لا يليق بهم أن يسمحوا مجرد السماح لأنفسهم أن يتدنوا إلي هذا المنعطف الرديء من تدني الأخلاق، وكثرة النفاق،وضياع الشرف في الجري وراء المكاسب المشبوهة التي كانت محللة عندما كانت توزع بينهم بالتساوي.