■ محرر "الفجر" قضى 20 دقيقة ب"مفتاح إنجليزى" على القضبان.. ولم يعترضه أحد ■ طن مخلفات القضبان يتراوح سعره بين 9000 و12000 جنيه.. وأسواقه معروفة ■ محطات محافظاتالشرقيةوأسيوط الأكثر استهدافًا من "مافيا سرقة الفلنكات" ■ الكيلو ب"5 جنيهات".. والخسائر 7 مليارات جنيه سنويًا لم يكن خروج خمس عربات كاملة عن القضبان من القطار رقم 465 أمام قرية الجماع التابعة لمدينة دمنهور؛ نتيجة سرقة بعض «بلنجات» تثبيت السكة الحديد الحادث الأخير من نوعه، حيث تكرر الأمر مرتين متتاليتين على خطوط مختلفة فى نفس الشهر. لم يكن الأمر صدفة إذًا، بل هو باب لكوارث قد لا تنتهى، لكن من الذى فتحه، «الفجر» حققت فى الموضوع، واكتشفنا أن السبب فى ذلك يرجع إلى «عصابات سرقة الفلنكات»، سرقة القضبان ومهماتها هى الكابوس الحقيقى الذى يواجه السكك الحديد منذ عقود مضت، وحتى الآن لم تتوصل مباحث هيئة سكك حديد مصر إلى حل يؤمن ثانى أعرق خطوط سكة حديد بعد بريطانيا. القضبان قديما استهدفتها عصابات البحث عن المال، لكن الشهر الماضى تجلى دافع آخر، حيث قال المسئولون إن المتسبب فى تعطل حركة القطارات بثلاثة خطوط مختلفة هى «الشرقية، البحيرة، دمنهور» خلال شهر يوليو الماضى كانت جماعات تستهدف تخريب الدولة، من هنا التقطنا طرف الخيط فى البحث عن الدوافع الرئيسية لتلك العصابات ومن يقف وراءها، سألنا اللواء مدحت شوشة، رئيس هيئة السكك الحديد عن ذلك فقال: لم تعد هناك سرقة قضبان فى الفترة الحالية مقارنة بما عانيناه قبل ذلك، ولكن عصابات الفلنكات تعتمد بشكل رئيسى على سرقة مسامير البندرول التى تربط بين القضبان والبلنجات، والهيئة تعمل على تغيير البندرول والبلنجات بوسائل حديثة، وستنتهى قريبا منها على مستوى خطوط السكك الحديد. مسامير البندرول التى أكد رئيس الهيئة أن سرقتها كانت سببا رئيسيا فى حوادث توقف حركة القطارات فى شهر يوليو، عبارة عن سوستة من الحديد، تربط بين قضيب القطار وبين الفلنك، وطرق سرقته بسيطة للغاية، فبمطرقة صغيرة يسير مستهدفها على القضبان ويخبط عليها ومن ثم ينتزعها، بعدها لا تصلح القضبان لسير أى قطار، وإلا سيؤدى إلى خروجه عن المسار كما حدث فى قطار طنطا. 1- مغامرة على القضبان المنسية من حيث انتهى رئيس الهيئة كانت لنا مغامرة على أحد القضبان، استهدفنا منها معرفة الإجابة عن السؤال: «من يواجه عصابات قضبان السكة الحديد فى مصر؟»، الإجابة البديهية هى شرطة النقل أو عامل التحويلة، لكن اكتشفنا أن هذه لم تكن الإجابة الصحيحة، دخلنا محطة قطار بنها، المحطة المحورية لجميع قطارات وجه بحرى من ناحية الشرق، ونحمل حقيبة بداخلها مفتاح إنجليزى كبير يفى بغرض فك قضيب السكة الحديد وشل حركة القطارات الذاهبة من محطات الوجه البحرى للقاهرة والعكس. خطوات قليلة ونزلنا من رصيف الانتظار، بعدها أخرجنا المفتاح الحديدى من الجراب وقطعنا المسيرة على الشريط الحديدى التى لم تتجاوز دقائق من مبنى المحطة الرئيسى حتى وصلنا إلى نقطه نرى فيها كشكا لعامل أحد مزلقانات المدينة، أخرجنا الكاميرا وبدأنا التقاط بعض الصور، واضعين المفتاح فى وضعية فك الصواميل، تجولنا ذهابا وإياباَ عدة مرات على قضيب السكة الحديد، الوقت الذى استغرقناه لنحاول لفت نظر أى من المسئولين كان عشرون دقيقة، خلال كل تلك المدة لم يعترضنا أحد. وقال مصطفى أبوالمكارم، رئيس الهيئة السابق، ل«الفجر»: فى عهدى كانت السرقات تنحصر فى بلنجات القضبان، وهى عبارة عن قطعة من الحديد الصلب من نوع خاص، يتم استيراده من الخارج، يربط بين القضبان بستة مسامير، كانت عصابات الفلنكات تنتزعها لتبيعها لمسابك الحديد بأسعار كبيرة، وهناك دوريات على السكة الحديد باستمرار قبل قدوم القطارات، وفى حالة الخطأ البشرى فإن عدم ملاحظة وجود بلنجات قد يؤدى إلى ضحايا إذا كان القطار يتحرك بسرعة كبيرة، وبديل البلنجات حتى الآن هو لحام القضبان. 2- أسواق العصابات وجدنا قطعة صغيرة من «فلنكات القطار» يغطيها الصدأ وملقاة على جانب قضبان محطة شبرا الخيمة، تحتوى على مسمارين بندرول، استطعنا الخروج بها من المحطة دون أن يعترضنا أحد، كانت القطعة بمثابة الكنز لمعرفة أبعاد رحلة ما بعد السرقة والوقوف على سعر قضبان السكة الحديد بسوق المسروقات، وعلى إحدى عربات «الروبابيكيا» سألنا عن سعرها. وزنها كان ثمانية كجم، أما سعرها - بحسب ما أعطاه لنا شاب الروبابيكيا - فهو حصيلة ضرب وزنها فى خمسة جنيهات، حاولنا الحصول منه على معلومات تفيد، فقال لنا إنها تعد خرده تذهب مع الحديد إلى المصاهر بعد مرورها على تاجر الجملة، ليعاد تدويرها، لكن السعر الذى أعطاه لنا كان قليلا جدًا، لأننا نعلم أنها تتكون من صلب خالص، حسبما قال لنا أبوالمكارم. وفى العكرشة، إحدى أهم مناطق تدوير المخلفات فى مصر، حاولنا أن نعرف، هل يأتى لهم حديد القضبان أو مهماته أم لا، وما سعره بالتحديد؟ فقال لنا محمد مسعد، صاحب فرن لصهر النحاس، بحكم عملى فى المنطقة لم ألحظ دخول أى حديد للقطارات منذ أربعة أعوام، خاصة أنه بعد الانفلات الأمنى عقب ثورة يناير كانت تأتى عربات محملة بسكك الحديد مقطعة لتباع لمسابك الحديد فى المنطقة، ولكن هذا لا يحدث الآن. ونفى حسام، صاحب مسبك حديد بالمنطقة، وجود أى شىء من هذا القبيل، ولكن قد يتم بيعه وصهره فى مسابك خارج منطقة العكرشة، كون أصحاب المصانع هنا لن يقبلوا بمثل تلك البضائع ويتعاملون مع مصانع توريد، وعلى حسب معلوماته فإن طن مخلفات الحديد الصلب يتراوح بين 9000 جنيه و12000 جنيه فى وقتنا الحالى، وبناء على ذلك نستنتج ثمن طن البلنجات المصنوعة من صلب مستورد. «بص يا باشا.. أنا هجيبلك الخلاصة بس ماتجيبش اسمى»، هكذا اتفق معنا صاحب مسبك للحديد بمحافظة الشرقية، أدلى لنا بمعلومات عن مافيا القضبان فقال: «فى منها نوعين، نوع رسمى.. وده اللى بيدخل المزادات وياخد خردة السكة الحديد بتراب الفلوس بعد ما يظبط اللى ماسكه، والنوع التانى هو ما يجلبه اللصوص الذين يستهدفونها ليلا، يتحركون على عربات كارو لتسهل عليهم الحركة ويستهدفون القضبان القديمة أو القطع الحديد المتناثرة على جوانب السكة»، وعندما سألناه عن تجارها قال: «دول حيتان.. مش هتعرف توصلهم، هم رأس الأفعى، يوزعون صبيانهم ولهم مسالك لبيع الغنيمة». بخلاف مسامير البندرول التى يسرقها أحيانا الأطفال لوضع البارود بها واستبدالها بالألعاب النارية القادمة من الصين، والبلنجات التى أدت إلى ثلاثة أزمات خلال شهر واحد، هناك هدف ثالث ل«عصابات الفلنكات»، وهو القضبان القديمة المهملة على أطراف السكك الحديد العاملة، حيث أكد أحد أفراد شرطة النقل والمواصلات أنها تعتبر هدية إهمال من السكة الحديد للصوص، هناك نقاط معينة يعرفها اللصوص لا تكون عليها حراسات، يأتون بأدوات القطع وتحمل قطع الحديد على عربات كارو لتنتقل بعدها إلى تاجر ومن تاجر لتاجر حتى يتم صهرها وإعادة تصنيعها كحديد خام. 3- الخسائر بالمليار صرح وزير النقل خلال لقاء جمعه بمحافظ الشرقية، بأن المشكلة التى تواجهها السكة الحديد فى الوقت الحالى هى سرقة قضبان القطارات، وأكدت مصادر من الوزارة والهيئة أن أعلى معدلات لسرقة القضبان على مستوى الجمهورية من نصيب محافظة الشرقية، خاصة خط السنبلاوين، تليها محافظة أسيوط وبالتحديد مركز البدارى، والخسائر بسبب سرقة القضبان تتجاوز السبعة مليارات جنيه سنويا.