الهاجس الأمني لدى الحكومة الحالية والذي وصل إلى حد المرض النفسي قد يصل بمؤسسات الدولة واقتصادها إلى خراب حتمي، فالخوف الزائد الهستيري لابد أن يؤدي إلى شلل تام في مناحي الحياة المختلفة. وقد جاء قرار إيقاف حركة القطارات يوم 14 أغسطس الماضي، بعد فض اعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة، وفرض حظر التجوال، "خرابا" على هيئة السكة الحديد بعد خسارتها ملايين الجنيهات و«مكسبا» للعصابات المسلحة، التى استغلت الغياب الأمني، فى سرقة عربات القطارات والقضبان والفلنكات، الأمر الذى قد يؤدي إلى وقوع حوادث على خطوط السكة الحديد في الفترات القادمة، حسب شهادات مهندسين وفنيين. فيوميا ومع اقتراب دقات الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل يتحرك مجموعة من الأفراد المسلحين ينقسمون إلى مجموعات إحداها للحراسة والأخرى للسرقة وثالثة لتحميل المسروقات على سيارات كارو، في ظل غياب الأمن .. هذا مشهد شبه يومي يرويه أحد العاملين بقطاع تشغيل القطارات، حسبما نقلت عنه "المصري اليوم" بمحطة قطار بنها بمحافظة القليوبية وأحد شهود العيان على وقائع السرقة، تحفظ على ذكر اسمه، خوفا من استهدافه بالعقاب من الهيئة. يقول :"استغلت عصابات سرقة القطارات الانفلات الأمني وقت إيقاف الحركة بعد 14 أغسطس وسرقت محتويات العربات المخزنة داخل أحواش المحطات، سرقوا أجزاء مثل القنطرة والصدادات المسؤولة عن امتصاص الصدمات بين العربات وبعضها، بالإضافة إلى (رفايع السكة) مثل مسامير القضبان وغيرها بخلاف الخردة، ونحن لا نستطيع التعامل مع هؤلاء رغم مشاهدتنا ذلك خوفا من التعدى علينا، فجميعهم مسلحون ونحن لا نحمل أي أسلحة". على بعد أمتار من رصيف إحدى محطات الوجه البحري، وقفت إحدى عربات قطار مميز وأخرى مكيفة على خطوط السكة سرقت محتوياتهما، العربتان تحطم زجاجهما بالكامل، وسرق اللصوص من داخلهما صندوق الخطر المسؤول عن إيقاف القطار إجباريا في حال وجود مشكلة، وكذلك محتويات سقف القطار بالكامل التي تحتوي على لمبات إنارة وأسلاك الكهرباء وبعض القطع المعدنية والألوميتال الذي يحيط بزجاج العربة، «لا تتوقف مشكلة سرقة عربات القطار على إهدار المال العام فقط، وإنما تشريك بعضها»، هذا ما أكده أحمد صلاح مهندس صيانة بالسكة الحديد قائلا: «العربة المميزة ستتكلف عشرات الآلاف من الجنيهات لإعادة تصليحها من جديد، لكن المشكلة تكمن في إعادة تشغيل العربة المكيفة، والتي ستقوم الهيئة بتصليحها إلإ أنها لن تعمل على الخط كعربة مكيفة مرة أخرى وسيتم تشغيلها كعربة قطار مميزة». في السنوات الماضية كان الدخول إلى أحواش المحطات أمرا صعبا نظرا للتواجد الشرطي الكثيف، إلا أن التجول داخل الأحواش بمحطات القطارات يعتبر حاليا أمرا سهلا رغم وجود مكاتب للشرطة داخل جميع محطات القطار إلا أن الحراسة الأمنية غابت وسط انتشار العصابات المسلحة وسطوها على عربات وقضبان السكة الحديد، محمد رمضان، عامل مزلقان بالسكة الحديد، أحد ضحايا العصابات المسلحة، أصيب بطعنة في الصدر الشهر الماضي من أحد اللصوص بعد التصدي لهم عند محاولتهم خلع «مسامير الصلب» من شريط السكة الحديد. يروى قصة الاعتداء عليه: «كنت في وردية الليل وسمعت صوت حركة قادمة على بعد خطوات من المزلقان، فتوجهت بسرعة هناك وفوجئت بشخص يحاول فك مسامير القضبان ويصاحبه شخص آخر فهددتهما بإبلاغ الشرطة إذا لم يبتعدا عن المكان، إلا أنهما طلبا مني السكوت أو الاعتداء علي فرفضت الرضوخ لهما فاعتدى علي أحدهما بسلاح أبيض وسقطت على الأرض فاقدا وعيي، وكدت أفقد حياتي لولا مرور أحد الأهالي بعد انتهاء المشاجرة وتطوع ونقلني إلى المستشفى وحررت محضرا بالواقعة». أحمد رأفت مهندس في السكك الحديدية يؤكد أن الهيئة لن تستطيع العودة بكامل أسطولها عند إعادة تشغيل القطارات لأنها تأثرت بنسبة 70%من عمليات السرقة التي تعرضت لها، موضحا :"رحلة واحدة على خطوط السكة الحديد تكشف لنا عن تنامي سرقة القضبان والفلنكات بشكل كبير، وتؤكد أن سرقة القطارات لم تكن عملا فرديا بل عمل ممنهج تقوم به عصابات كبيرة على مستوى الجمهورية، الأمر الذي سيضع الهيئة في مأزق عند قرارها إعادة تشغيل القطارات، ولن تستطيع تشغيل جميع القطارات على الخطوط لأنها بذلك ستعرض حياة المواطنين إلى الخطر». وأرجع رأفت أسباب انتشار عمليات السرقة خلال فترة تعليق الخدمة عقب فض الاعتصامين إلى استغلال العصابات توقف حركة القطارات وفرض حظر التجوال. يقول: «المال السايب يعلم السرقة والحرامية شايفين الخردة أمام عيونهم من غير حراسة، واستغلوا توقف القطارات وهدوء الشارع بسبب حظر التجوال وهجموا على ممتلكات الدولة، صحيح كان في سرقة في السنوات السابقة لكن الهيئة كانت تستطيع معالجته لأنه لم يكن بنفس الحجم الذي نراه الآن». وحذر رأفت من إمكانية وقوع حوادث في الفترات القادمة "إذا لم تفق الهيئة من غيبوبتها"، "الهيئة لم تستغل قرار منع قيام القطارات من محطة مصر لعمل صيانة داخل الورش بل تركت ممتلكاتها فريسة سهلة للعصابات المسلحة التي قامت بسرقة الفلنكات وتخليع القضبان الأمر الذي يهدد بوقوع حوادث قطارات في المرحلة القادمة».