لا بد أولا أن أقدم الشكر والتحية إلى التليفزيون المصرى العريق الذى لم ينس أن يحتفى ويحتفل برموز الفن المصرى، الذين تركوا بصمة حقيقية فى تاريخ الموسيقى الشرقية فى مصر وساهموا فى تطويرها. ماسبيرو لا يتجاهل استحضار سيرة عباقرة الغناء واللحن والطرب الأصيل الذين رحلوا عنا وغابوا منذ سنوات طويلة لتذكير الأجيال الجديدة بماض كان – وما زال- له الفضل الكبير فى صياغة وجدان ومشاعر وعقل وطن وامتد بتأثيره البديع الى أوصال الأمة من المحيط الى الخليج. منذ يومين سعدت بأن أكون ضيفا على برنامج السيرة بقناة النيل الثقافية، والذى يقدمه الاعلامى النابه محمد فتحى ويعده الشاعر سامح محجوب للحديث عن الملحن العبقرى الاستثنائى منير مراد فى مناسبة ذكرى رحيله ال44، فقد رحل يوم 17 أكتوبر من عام 1981 وتتزامن الذكرى مع افتتاح مهرجان الموسيقى العربية فى دورته ال33 وكنت أتمنى أن يتذكر القائمون على المهرجان وبصفة خاصة وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، رئيس دار الأوبرا المصرية الدكتور علاء عبد السلام ذكرى الموسيقار منير مراد للاحتفاء به وتكريمه بما يليق به وبما قدمه للموسيقى والفن المصرى طوال أكثر من 40 عاما رغم وفاته عن عمر 59 عاما. منير مراد يستحق التكريم والاحتفال بذكراه كل عام بإقامة ليلة خاصة بألحانه وأغانيه وأعماله الفنية داخل دار الأوبرا المصرية، فلا يمكن تجاهله أو نسيانه عندما نذكر أسماء كبار وعمالقة التلحين فى جيل الخمسينيات والستينيات. فهو الضلع الرابع فى مربع كمال الطويل ومحمد الموجى وبليغ حمدى ومنير مراد، مع تميزه بأنه متعدد المواهب، وفنان شامل منذ انطلاقه فى الساحة الفنية المصرية بمرحه وخفة دمة المعهودة، ليقدم حالة موسيقية استثنائية فى تاريخ الأغنية المصرية خلال القرن العشرين. فهو الممثل الذى لعب البطولة، وشارك فى 6 أفلام مصرية وأشهرها فيلم أنا وحبيبي مع الفنانة شادية وشارك معها فى دويتوهات غنائية وقدم بصوته عدة أغانى منها اسكتش تقليد الفنانين الشهير ما حدش شافت، وهو أول من قدم هذا اللون من الغناء، وسار على نهجه من بعده كثير من الفنانيين والمونولوجست مثل لبلبلة وسيد الملاح. ورغم عمره القصير فقد ترك تراث موسيقى يتجاوز حوالى 3 آلاف لحن. ولد منير مراد يوم 13 يناير 1922 بالقاهرة فى أسرة مصرية يهودية، ولكنه اعتنق الإسلام فيما بعد مع أسرته. وهو ينتمى لعائلة فنية أصيلة فأبوه هو الملحن المصرى المعروف زكى مراد الذى ذاع صيته فى عشرينيات القرن العشرين مع سيد درويش وأبو العلا محمد و محمد عثمان والحامولى ومحمد عبد الوهاب. وشقيقته هى الفنانة ليلى مراد. ووالدته جميلة روشتو، وهى ابنة متعهد الحفلات إبراهيم روشتو. حبه للفن جعله يترك الدراسة الكلية الفرنسية ولم يتجاوز عمره 17 عاما ليعمل فى محلات البقالة إلى أن دخل مجال السينما كعامل كلاكيت ثم بدأ فى العمل كمساعد مخرج مع كمال سليم فى 24 فيلما فى فترة الأربعينيات. واستمر فى هذا العمل كمساعد مخرج فى حوالى 150 فيلما. اتجه منير مراد للتلحين وكان مغروما وعاشقا بموسيقى الجاز التى كانت رائجة وقتها فى الغرب ولكنه واجه صعوبات فى الترويج لها وإقناع المنتجين بها إلى أن كانت بدايته الحقيقية بتلحين أغنية «واحد.. اتنين» لشادية فى فيلم " ليلة الحنة" من اخراج زوج أخته فى تلك الفترة الفنان أنور وجدى الذى شجعه للعمل معه مساعد مخرج وتلحين الأغنية التى كانت سبب شهرته وفتحت أمامه الطريق أمامه وكانت بداية مولد نجم صانع الفرح كما أطلق عليه. كان منير مراد، غزيز الإنتاج الموسيقى، وصاحب بصمة وعبقرية خاصة، وارتبطت أشهر ألحانه بالفنانة شادية. فلا يمكن أن نتحدث عن منير مراد كملحن متميز دون أن نذكر شادية، حيث كان منير مراد من أكثر الملحنين الذين تعاونت معهم، فقدم لها حوالى 70 لحنا على مدار تعاونهم الفنى الذى استمر 20 عاما. ألحانه المميزة كانت أشهر أغنياتها وأجملها، فكان صوتها أنسب الأصوات لألحانه، وعلى الرغم من أن كثيرا من الأغنيات التى قدمتها شادية من ألحانه تتسم بخفة الظل والمرح مثل: "دبلة الخطوبة" و"يا دنيا زوقوكى" و"شبك حبيبي" و"لسانك حصانك" و"دور عليه تلقاه" و"سوق على مهلك" و"ألو ألو"، إلا أنه قدم أيضا نمط مختلف عن الأغانى الخفيفة مثل "إن راح منك يا عين"، كما لحن لها الدويتو الشهير الذى قدمته مع عبد الحليم حافظ فى فيلم معبودة الجماهير "حاجة غريبة"، ودويتو " تعالى أقولك" فى فيلم دليلة. المحطة الغنائية الثانية والأهم أيضا فى مشوار منير مراد الفنى كانت محطة عبد الحليم حافظ، فالنجاح الكبير الذى حققه منير مراد مع شادية، لفت أنظار العندليب الأسمر إليه، حيث شعر حليم بذكائه الفنى أن منير مراد ملحن متميز، لديه فكر مختلف فى التلحين، ويميل إلى التجديد والابتكار، فغنى من ألحانه العديد من الأغنيات سواء كانت رومانسية ناعمة، أو تلك التى تتسم بالبهجة والفرح، ومن أشهر تلك الأغنيات، و"حياة قلبى وأفراحه"، التى تعد أشهر أغنية للناجحين حتى الآن، و"أول مرة تحب يا قلبي" و"بكرة وبعده" و"بحلم بيك" و"دقوا الشماسى من الأوبريت الغنائى قاضى البلاج فى فيلم أبى فوق الشجرة" و"مشغول" و"ضحك ولعب وجد وحب"، وغيرها من الأغنيات الجميلة. ولم تقتصر العلاقة بين عبدالحليم ومنير مراد على العمل فقط، فكان منير من أقرب أصدقاء العندليب الأسمر، وخاصة فى السنوات العشر الأخيرة من عمره، وكثيرا ما كان يصاحبه فى رحلاته العلاجية فى لندن ودفن الى جواره فى مقبرته. المحطة الثالثة والمتفردة فى ألحان منير مراد هى ألحانه للفنانة شريفة فاضل، فقد أراد منير أن يتحدى بها ملحنى عصره الذين كانوا يعتبرونه "خواجة الأغنية" المتأثر بألحان الغرب والعاشق لموسيقى الجاز والغير قادر على التنوع . فقدم لشريف فاضل التى كانت تعتبره مستشارها الفني، وكان دائم السهر فى الملهى الليلى التى كانت تمتلكه فى شارع الهرم مع صفوة المجتمع وكبار الفنانين والسياسيين، ألحان شعبية كانت سببا فى شهرتها وانتشارها لدى شرائح اجتماعية جديدة مثل أغاني "الليل" و"لما راح الصبر منه" و"فلاح كان فايت بيغني" و"وحياتك يا شيخ مسعود" و"حارة السقايين". كما لحن لمحمد رشدى واحدة من أشهر أغانيه وهى أغنية "كعب الغزال" ولحن لعادل مأمون "ابعد عن الحب وغنى له"، وكان صاحب فضل كبير فى انتشار وشهرة الفنان هانى شاكر عندما قدم له لحن "قسمة ونصيب" فى بداية عام 73 ثم لحن "وتصادف الأيام". ولمحرم فؤاد "شفت الحب" ولعفاف راضى "ابعد يا حب"، ولصباح "اللى اتمنيته لقيته"، ولوردة "من يوميها" ولعايدة الشاعر "أنا أحبك". وقدم مع فؤاد المهندس أشهر ألحان أغانيه فى أفلامه واشهرها "قلبى يا غاوى 5 قارات" و"رمضان" و «يا واد يا مفكر وهايل»، وغيرها مثل "ياسو، وممنون". عانى الموسيقار منير مراد من العديد من الشائعات فى حياته، منها ما يتعلق بحقيقة إسلامه، حيث ذكر البعض أنه أسلم ليتزوج من الفنانة سهير البابلى، ولكن هذا لم يكن صحيحا، حيث أسلم قبل زواجه بفترة كبيرة، وتحديدا فى نهاية الأربعينيات، وغير اسمه من موريس لمنير، وأصبح اسمه يُكتب فى تترات الأفلام التى عمل بها كمساعد مخرج منير مراد. وبعد انفصاله عن سهير البابلى، لم يسلم من الشائعات أيضا، فقيل أنه عاد لديانته اليهودية مرة ثانية، ولكن هذا أيضا لم يكن حقيقيا، حيث ظل على إسلامه، وكانت زوجته الثالثة فتاة مسلمة، كما أنه عقب وفاته لم يرثه ابنه زكى الذى هاجر الى أمريكا عقب وفاة والده، لأنه كان يهوديا، أما منير مراد فكان مسلما، ومن الشائعات أيضا التى قيلت عنه، أنه لم يقدم أغانى وطنية كغيره من الملحنين، وأن ذلك يعود إلى أصوله اليهودية، ولكن الحقيقة أنه قدم العديد من الأغانى الوطنية فى أعياد الثورة، والمناسبات الوطنية المختلفة ومنها انتصار أكتوبر، فقدم لشادية أغنية "عربى فى كلامه"، و"بلد السد"، و"أيامنا الحلوة جاية" التى كتب كلماتها صلاح جاهين، ومن أغانيه الوطنية شدت ليلى مراد من ألحانه "عيد الكرامة"، كما لحن لمها صبرى أغنية "نصر السد"، ولكن الأزمة أن أغانيه الوطنية لم تكن بشهرة أغانيه العاطفية، فاعتقد الكثيرون أنه لم يقدم أغانى وطنية فى حياته. على الرغم من أن منير مراد لحن لمعظم نجوم عصره، إلا أن أحد أحلامه الرئيسية كان التلحين لسيدة الغناء العربى أم كلثوم، وبالفعل قرر أن يفاتحها فى هذا الأمر، خاصة عندما بدأت تعمل مع الملحنين الشباب فى ذلك الوقت مثل بليغ حمدى، و محمد الموجى، و كمال الطويل، فطلب منها أن تغنى من ألحانه، ولكن كان أمرا صعبا، لأن ألحان منير مراد لا تتناسب مع صوت أم كلثوم القوى، فاقترح عليها أن تغنى لحنا من ألحانه بين الوصلات الطويلة التى تقدمها على المسرح، فوعدته بالتفكير فى الأمر، ولكن فى النهاية لم يتحقق حلم منير مراد. ظل منير مراد حتى وفاته يقدم ألحانه المتميزة للعديد من النجوم، وإن كان فى سنواته الأخيرة قل عدد الأعمال التى يقدمها، وفى يوم 17 أكتوبر عام 1981 توفى عن عمر يناهز 59عاما، وقد جاء رحيله فى هدوء دون أى اهتمام إعلامى، لأنه توفى بعد أيام قليلة من اغتيال الرئيس السادات واعلان حالة الطوارئ و سار فى جنازته عدد قليل للغاية ولم يعرف الوسط الفنى بنبأ وفاته إلى بعد فترة طويلة.