بالتعامل مع ظاهرة «التنظيمات الإرهابية الجديدة فى مصر»، خاصة ماظهر منها بعد 30 يونيو، يظهر للمراقب والمدقق، أن جعبة «الأشباح» الذين تطاردهم الدولة بأجهزتها الأمنية، لن تخلو أبداً من المفاجآت غير المتوقعة، وأن واقع التحقيقات والرصد لتفاصيل العمليات الإرهابية والتجهيز لها، أصبح يبرهن بما لا يدع مجالا للشك على وجود ما يشبه «بروتوكول تعاون مشترك»، بين هذه الخلايا أو التنظيمات، على اختلاف أهدافها وتوزيعاتها الجغرافية وانتماءاتها الفكرية أيضاً. وبالتالى توفركل منها الدعم اللوجستى، بالمال والسلاح، والمعلومات أيضا لبعضها البعض إن لزم الأمر، وذلك تحت راية «تجاوز الخلافات» أمام «وحدة الهدف» فى «مواجهة العدو المشترك»، خاصة التنظيمات ذات «الهوية» الفكرية الواحدة، «إخوانية» أو «سلفية جهادية». تحولت مصر بعد ثورة 25 يناير،وفقا للباحث فى شئون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلى، إلى مخزن للأفكار الجهادية، وللحركات الجديدة، فى ظل وجود ما يشبه «الإطار العام» الذى يضم بداخله مجموعة من الأفكار والحركات المتقاربة أيديولوجياً وفكرياً، بما يجعل بعض هذه الجماعات تفكر بنفس الهدف والطريقة، ومع عدم وجود فروق فكرية كبيرة فيما بينها لا يصبح هناك مانع من التعاون والتخطيط لعمليات إرهابية مشتركة. ويرى فرغلى أن ذلك تجسد بوضوح فى حالة «خلية الهرم»، فى شارع اللبينى، حيث ضمت أعضاء من تنظيمات «أجناد مصر» ومن الخلايا النوعية» للإخوان ومن «أنصار بيت المقدس»، فرع «داعش» فى مصر أيضاً. على صعيد آخر يجزم الخبير الأمنى العميد خالد عكاشة، بأن»التزامن» بين الدعوات الإخوانية، فى توقيتات بعينها، بالتصعيد ضد الدولة والنزول إلى الشارع، مع عمليات كبرى نفذها تنظيم «أنصار بيت المقدس»، الذى تحول إلى «ولاية سيناء» ،لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة، وأنه يبرهن بوضوح على وجود تنسيق بين جماعة الإخوان وبين التنظيم التكفيرى فى سيناء. ويدلل عكاشة على ذلك باعترافات سابقة لمحمد الظواهرى شقيق زعيم تنظيم القاعدة، تراجع عنها بعد ذلك، بأنه كان سفيرا للإخوان لدى التنظيمات الجهادية، وأنه تولى شراء شحنة من السلاح لصالح الجماعة من ليبيا. المعلومات المتداولة أيضا ووفقاً للباحث فى المركز الإقليمى للدراسات أحمد كامل بحيرى، تشيرإ لى أن التكفيرى أحمد شحاتة، أحد المتهمين الهاربين من سجن المستقبل بالإسماعيلية، هو فى حد ذاته «مسئول الاتصال» بين تنظيم «ولاية سيناء» وبين تنظيمات أخرى أصغر، خاصة فيما يتعلق بالإمداد اللوجستى بالسلاح، على الرغم من عدم وجود أى رابط فكرى أو أيديولوجى بين تلك التنظيمات. علما بأنه قد تم إلقاء القبض على شحاتة، أعلى معدية سرابيوم أثناء استقلاله سيارة محملة بكمية من الأسلحة والذخيرة، لنقلها من الإسماعيلية إلى سيناء. كذلك فإن العلاقة بين تنظيم «لواء الثورة «وحركة «حسم» الإخوانية، تؤكدها بوضوح عدة شواهد، أولها أن «حسم « كانت أول تنظيم يسارع إلى إعلان التهنئة ل»لواء الثورة» فور تنفيذه عمليته الأولى فى كمين العجيزى بالمنوفية، الأمر الذى يدل على التنسيق بين التنظيمين، أوعلى تقديم الدعم الإعلامى من «حسم» لنظيره الإرهابى، على أقل تقدير. ويتضح التشابه بين التنظيمين، فى استراتيجية عمل كل منهما واعتمادهما على سياسة الاغتيالات باستهداف شخص بعينه والبعد عن استهداف شخصيات كبيرة أو منشآت ضخمة، حيث كانت حسم وراء محاولتى اغتيال النائب العام المساعد، والمفتى السابق على جمعة، وهى الاستراتيجية الواحدة التى تثبت أن تلك التنظيمات الصغيرة الإخوانية الانتماء فى النهاية هى عبارة عن «دوائر مغلقة» أسستها، «قيادة عليا مشتركة» وتركت كل منها بعد ذلك يعمل بشكل منفرد بحيث يصعب وصول الأمن إليها. فى كل الأحوال فإن الصلة بين التنظيمات الإرهابية فى مصر الآن، مثبتة ومرصودة من خلال عدة وقائع وعمليات أخرى أيضاً، حيث نجح تنظيم «أجناد مصر» قبل ذلك فى مد جسور تعاون مشترك فى الإمدادات والدعم اللوجستى بينه وبين تنظيمات أخرى كبرى مثل «أنصار بيت المقدس» و»الإخوان المسلمين» بحسب دراسة للباحث محمد جمعة، صدرت عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بعنوان « الجماعات الإرهابية الجديدة فى مصر.. الأبنية الفكرية التنظيمية». وذلك فى نموذج حى لما يمكن تسميته أيضاً ب»الوحدة الشبكية»، ودلت على ذلك عمليتان إرهابيتان متزامنتان هما استهداف قوات الأمن بالقرب من مترو البحوث وقسم شرطة «الطالبية»، حيث أعلنت جماعة «أجناد مصر» وكانت حينئذ تنظيما وليدا غير معروف تبنيها للعمليتين فى نفس التوقيت الذى خرج فيه «أنصار بيت المقدس» ليعلن تنفيذه للعمليتين. بعدها عاد «بيت المقدس» ونفى نسب العمليتين إليه، معتذراً بوصول معلومات خطأ إليه عن تنفيذ أفراد ينتسبون إليه فى نفس المنطقة للعمليتين، وهو التصرف الذى تم التعامل معه من قبل المراقبين بأنه لم يكن اعتذاراً من جانب التنظيم وإنما محاولة منه للدعاية لتنظيم آخر جديد، قدم التدريب لأعضائه أيضاً فى عدد من التفجيرات الجديدة. حالة أخرى اشتهرت بالتنسيق فيها بين تنظيم «أنصار بيت المقدس « وتنظيم إرهابى آخر شهير هو تنظيم «كتيبة الفرقان « بقيادة أستاذ بكلية العلوم، هو محمد نصر، العقل المدبّر لتنفيذ مخطط صنع غواصة لضرب قناة السويس، وكذلك استهداف إحدى السفن المارة بالمجرى الملاحى لقناة السويس 2013. والتقى نصر بتوفيق فريج زيادة قائد تنظيم «أنصار بيت المقدس « فى الهرم، حيث أقنعه الأخير بدمج التنظيمين، وذلك بعد أن يقوم تنظيم»أنصار بيت المقدس»بعمل عدة عمليات ينسبها إعلاميا لتنظيم «كتيبة الفرقان»، ثم يتم بعد ذلك الإعلان عن اندماج التنظيمين،وبذلك يكتسب «الاندماج» بين التنظيمين أهمية لا يستهان بها. أيضاً من حالات التحالف والتنسيق الشهيرة بين التنظيمات الإرهابية المختلفة، حالات «الانشطار» و»التفريخ»،و التى تشهد ولادة تنظيم إرهابى من رحم تنظيم آخر أكبر منه، أصبح فى حالة ضعف، ولكن تظل قيادة التنظيم الجديد تدين بالولاء للقيادة الأم. علماً بأن بعض حالات «الانفصال» لبعض الخلايا عن التنظيم المركزى، وفقا للباحث فى شئون الجماعات الإرهابية هشام النجار، أحيانا ما تكون «متعمدة»، كوسيلة «للمراوغة» وجعل المهمة أكثر صعوبة على الأمن. ومن وسائل التنسيق بين التنظيمات وبعضها، «التنسيق الجغرافى» بين التنظيمات المتعددة ، وكذلك «التوسع الجغرافى» للتنظيم الواحد لتخفيف الضغط على المركز، ونسب العملية الإرهابية الواحدة لأكثر من تنظيم، على سبيل تشتيت الأمن، أو نسبها ل»تنظيم وهمى» غير موجود بالأساس، لمزيد من التشتيت وتحويل الحرب مع الدولة إلى «حرب أشباح». وفى حال انقطاع الصلة بين بعض الأعضاء وبين تنظيمهم المركزى، فيلجأون إلى الاشتراك مع مجموعة من تنظيمات أخرى لتأسيس «خلية فردية» تبدأ فى توفير الدعم اللوجستى لها عبر فتح قنوات اتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعى فى كثير من الأحيان.