إحدى العمليات الإرهابية فى سيناء يضرب الجيش بعنف أوكار ومعاقل الإرهاب وقوي الظلام في سيناء.. وأثمرت عملياته عن نجاحات ملموسة في دحض التحركات المؤثرة للتنظيمات المسلحة هناك، غير أن بعضًا من فلول الأخيرة لا يزال ينثر عنفه تجاه عناصر الأمن من حين إلي آخر، في عمليات تبدو الأهداف الأساسية لها "شو إعلامي" ونوعًا من "إثبات الوجود" من جانب المتطرفين، كما حدث خلال الفترة الماضية مع كمين الصفا بالعريش فضلا عن عدة استهدافات تالية لارتكازات أمنية بالمدينة، ما خلف مزيدًا من الدماء والشهداء، ليظل السؤال الكبير مطروحًا: من الذي يواصل الحرب علي الدولة في سيناء؟.. فك شفرة علامة الاستفهام السابقة، إنما يرتكز علي تكتيكات العنف من جانب الجماعات الدينية المسلحة في مصر.. فمع صعود التنظيمات المريع إلي الواجهة علي خلفية إسقاط نظام الحكم الإخواني وعزل رئيسه، محمد مرسي، منتصف العام 2013، حدثت تغييرات نوعية عدة في تكتيكات العنف، فيقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، هشام النجار، إن "الزخم الذي كانت تحظي به الكيانات الإرهابية قبل سنتين مثلا جراء سابق تغلغلها وتجذرها علي الأرض تحت عين جماعة المرشد ورجالها، وبتنسيقات لا حصر لها مع جماعات السلفية الجهادية بسيناء وغزة وعناصر من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس المسيطرة علي القطاع، ناهيك عن الدعم الروحي واللوجيستي وبالمقاتلين الأجانب أيضًا، من جانب دواعش العراق والشام، قد تراجع رويدًا رويدًا مع تمكن الجيش من تنفيذ استراتيجيات مثمرة (كحق الشهيد) في مواجهة حروب العصابات والدروب الجبلية مع العناصر التكفيرية المتطرفة. وبالتالي كان القرار الصعب، بلجوء ما تبقي من فلول وخلايا التنظيمات وذئابها المنفردة، وبخاصة في سيناء، إلي سياسة الكمون، ثم توجيه ضربات نوعية قوية من حين لآخر للحفاظ علي بصمة التواجد الموجع".. إذن الجماعات المسلحة صارت تتخذ، وتحت وطأة نيران الأباتشي من جانب الجيش، من تكتيك الكمون الإجباري سبيلًا لبقائها في قلب الأحداث، وبخاصة في ظل حرص القائمين عليها دومًا علي الشو الإعلامي، وبالتالي بدأت توجهات التنظيمات العنيفة لاستهداف المنشآت والأمن، منصبة في عمليات يتم اختيار توقيتاتها بعناية حتي تواكب أحداثاً كبري مهمة للبلد، ومن ثم يتحقق لها "خطة سرقة الكاميرا" من الجميع عنوة. حدث ذلك مثلا في محاولة من يعرفون بدواعش سيناء (ولاية سيناء/ أنصار بيت المقدس سابقًا) السيطرة علي مدينة الشيخ زويد في الأول من يوليو 2015، تواكبًا مع الذكري الثانية ل30 يونيو، واحتفالًا بالذكري الأولي لإعلان تأسيس "خلافة الدولة الإسلامية" المزعومة. قبل أقل من أسبوعين،وتحديدًا في حالة كمين الصفا بالعريش، لم يلحظ كثيرون أن الهجوم الدموي عليه، وقع في 19 مارس، أي في الذكري الخامسة لاستفتاء 19 مارس 2011، والذي بات يعرف في الأدبيات السياسية المصرية، بعد ثورة 25 يناير، بغزوة السلفيين والإخوان للصناديق، حيث تم خلاله تحويل مجرد استحقاق شعبي لتحديد مسار الفترة الانتقالية بعد تنحي الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عن الحكم، للتصويت علي هوية الدولة ومسارها المستقبلي، بين المضي قدمًا صوب الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، أو اللحاق بركب الدولة الدينية الممسوخة، بيد أن النتيجة النهائية للتصويت كانت لصالح الفئة الثانية التي أدت لصعود حكم المرشد والأهل والعشيرة والأخونة والتمكين، والذي كان من أهم فواتير إسقاطه "استنفار جماعات الإرهاب الدينية، لتعود جميعها لسدة المشهد من جديد بمصر، حسب الباحث في شؤون التيارات الجهادية، ماهر فرغلي. إذن، هناك عناصر وخلايا لا تزال تعمل علي الأرض في سيناء وتضرب كلما أُتيحت لها الفرصة.. تلك واحدة. أما الثانية، فإن الحرب علي الإرهاب ستتواصل لفترات أكبر قادمة، وتلك حقيقة يجب الاستعداد لها جيدًا. يقول فرغلي إن "طبيعة شبه الجزيرة الجبلية، فضلًا عن اندساس العناصر المسلحة في الأوساط السكنية، وأكثريتها علي صلات قرابة بالمواطنين هناك، ومن ثم قد تجد ملاذات آمنة عند اللزوم، علاوة علي العلاقة المعقدة بين الأمن والقبائل العائمة علي تراث من البغض والثأرية المتبادلة، منذ أيام أمن دولة مبارك، وكذا تماس التكفيريين مع جماعات الإجرام والمهربين في صفقات تبادل مصلحة للهروب من أعين الملاحقات الشرطية، كل ذلك يعقد عملية حسم المواجهة مع المتطرفين". ولا يجب أن يغفل الجميع أن وجود عناصر إرهابية ذات كفاءة قتالية وتكتيكية عالية، قد عقد وأطال من أمد الحرب علي العنف الديني المسلح بشكل عام في مصر.. صحيح أن التنظيم المركزي الكبير "ولاية سيناء"، قد أنهك بغير شك، وتم تقليم الكثير من أظافره علي يد الضربات الأمنية، إلا أن أشباح عناصره لا تزال تعبث في بعض الأحيان. وعلي مدار السنوات الخمس الماضية، تعددت الأسماء والألقاب لتنظيمات مسلحة كانت تتبني عمليات الهجوم علي المنشآت الحيوية وعلي أفراد الجيش والشرطة في سيناء، بينما كان أبرزها علي الإطلاق ما كان يعرف ب"أنصار بيت المقدس"، الذي بايع فيما بعد "الدولة الإسلامية" المزعومة (داعش)، وخليفتها الغامض، أبوبكر البغدادي في نوفمبر 2014. حسب الباحث محمد جمعة في دراسته الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، بعنوان"الجماعات الإرهابية الجديدة في مصر.. الأبنية الفكرية والتنظيمية"، فإن ما يسمي بولاية سيناء، هو في الأصل "تنظيم شبكي، يتشكل في صورة خلايا صغيرة ذات مهام مزدوجة ومتعددة، ولهذا تتمتع الجماعة بقدرة عالية علي التكيف واستيعاب الضربات الأمنية والخسائر بين صفوف عناصرها وكبار كوادرها". وفق الباحث، فإن التنظيم سالف الذكر تمكن حتي من قبل أن يتحول من "أنصار بيت المقدس" إلي "ولاية سيناء"، من أن يحشد مجموعة من الشخصيات والخلايا وجمعها تحت مظلة واحدة، من أنحاء متفرقة من مصر ".. "هذه الخلايا ضمت عناصر متخصصة في الإنتاج الإعلامي، والهندسة (تصنيع المتفجرات وضبطها، ضبط الصواريخ...) والهندسة الكيميائية (إنتاج مركبات متقدمة لتصنيع متفجرات أشد فتكا). كذلك استوعبت الجماعة عناصر من جماعات أخري مثل التوحيد والجهاد وكتائب الفرقان ومجلس شوري المجاهدين في أكناف بيت المقدس". أضف إلي ذلك ما يمتلكه التنظيم من "ترسانة سلاح متنوعة، تضم أسلحة خفيفة، أنظمة صواريخ محمولة، صواريخ كاتيوشا وصواريخ كورنيت المضادة للدبابات"، بحسب جمعة، الذي يقطع كذلك بأنه "نظريًا يمكن القول إن مبايعة أنصار بيت المقدس لداعش المركز أمدتها بموارد مالية مكنتها من البقاء والاستمرار في تنفيذ عمليات نوعية كبيرة رغم الضربات الأمنية المتلاحقة..". في رأيه كذلك فمن المرجح أن "ولاية سيناء تتمتع بهيكل قيادي لا مركزي.. خلال السنوات الماضية ترددت أسماء عدد من أبرز كوادره، ومنهم أبو أسامة المصري، وهو أول من أظهر اهتمام أنصار بيت المقدس بداعش وشادي المنيعي وأحمد سلام مبروك" صاحب الخبرة الطويلة في ممارسة العنف والإرهاب المتطرف عبر الإقليم، والذي تربطه صلات قوية بالظواهري والقاعدة".. علي هذا النحو فلا يزال لذلك التنظيم آثار علي الأرض سيستغرق إزالتها بعضًا من الوقت، فيما أن الإجهاز علي فكره هناك، يتطلب أن تتوازي العمليات الأمنية مع خطط تنمية شاملة وعاجلة لسيناء المهملة علي مدار عقود..