تحركات مخابراتية وراء الإفراج عن القيادات التاريخية من سجون سورياوإيران ■ تسريبات إسبانية تكشف مفاجأة إفراج بشار الأسد عن «أبو مصعب السورى» سرا بعد 11 سنة اعتقالاً ■ خطة للجمع بين القيادات التاريخية ونجوم القاعدة الجدد مثل بلمختار وعشماوى لمواجهة داعش فى معركة «السيطرة على الأرض» تسريبات من العيار الثقيل كشفت عنها وسائل الإعلام الإسبانية خلال الأيام الماضية بإفراج النظام السورى عن المنظر العسكرى الاستراتيجى الأشهر والأخطر لتنظيم القاعدة، الإسبانى من أصل سورى، مصطفى الست مريم الشهير بأبى مصعب السورى. المفاجأة غير المتوقعة، من شأنها- إن صحت- أن تزيد المعادلة الإرهابية فى المنطقة تعقيداً، وتضيف إلى الصراع بين القاعدة وغريمتها «الدولة الإسلامية»، «داعش» المزيد من الزخم والإثارة، وربما الدموية أيضا. كما تثير علامات استفهام كبرى بشأن تحركات استخباراتية، تسعى بوضوح إلى تغيير موازين قوى الإرهاب فى المشهد الإقليمى الآن، لصالح ما يمكن تسميته ب«إعادة إحياء القاعدة»، فى مواجهة «داعش»، عبر تدعيمها بقياداتها التاريخية، الإستراتيجية والحركية والعسكرية وإطلاق سراحهم من سجون دول المنطقة، بما يغيرموازين قوى المشهد الإرهابى العالمى، ويحاول ضرب نفوذ داعش كقوة إرهابية عظمى بمفرده، وكلاعب إرهابى وحيد على المسرح الآن. المعلومات التى تم الكشف عنها بشأن الإفراج عن أبى مصعب السورى، جاءت بعد أيام فقط من مقتل رئيس الجناح العسكرى السابق للجماعة الإسلامية، وقيادى تنظيم القاعدة الشهير، رفاعى طه، فى غارة أمريكية بطائرة بدون طيار فى إدلب بسوريا، وهو الحادث الذى كشف عن مهمة سرية ل«طه» فى سوريا كان يقوم خلالها بدور الوساطة، بصفته قيادة تاريخية قاعدية كبرى لعقد صلح و«تحالف» بين الفصائل المسلحة ذات الانتماءات القاعدية هناك. وبالتوازى مع ذلك، ظهرت على السطح كواليس جديدة تتعلق بصفقة التبادل التى عقدتها إيران بالفعل مع فرع تنظيم القاعدة فى اليمن فى سبتمبرالماضى، وحصلت بموجبها على دبلوماسى إيرانى محتجز لدى التنظيم، فى مقابل الإفراج عن قيادات خطرة فى تنظيم القاعدة أيضا ممن كانوا رهن الإقامة الجبرية وعلى رأسهم، أبو محمد المصرى وأبو الخيرالمصرى، عضو مجلس شورى التنظيم، ومسئول العلاقات الخارجية للقاعدة، وكذلك سيف العدل المصرى، وهو الضابط السابق محمد إبراهيم مكاوى، القائد العسكرى الأشهر لتنظيم القاعدة ومسئول استخباراتها، والرجل الثالث فى التنظيم فى حياة أسامة بن لادن، والمنافس الوحيد لأيمن الظواهرى أيضاعلى زعامة تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن، وصاحب مؤلفات ومرجعيات أمنية شهيرة للقاعدة منها «مبادئ الأمن»، و«الأمن والاستخبارات..رؤية شرعية»، و«الأمن الدفاعى»، و«أمن الاتصالات» و«عمليات الكوماندوز الأمريكى فى أفغانستان». نجوم الرعيل الأول، وحواريو أسامة بن لادن، من القيادات التاريخية صاحبة التأثيرالطاغى على جمهور «المجاهدين» فى العالم، والمفرج عنها حديثا من إيران ومن سوريا، بشكل مفاجئ وفى فترة متقاربة، تفيد المعلومات المتداولة أيضا أن جميعهم قد توجه إلى سوريا وأن عددا منهم قد أصبح يقوم بدور مساند بالفعل ل«جبهة النصرة»، فرع القاعدة فى بلاد الشام. وهى المعطيات التى أصبحت تؤسس لمعادلة جديدة داخل تنظيم القاعدة، الذى يتمركز نفوذه فى فروع «المغرب العربى» و«شبه الجزيرة العربية» و«الشام»، وتمهد لعملية إحياء جديدة يتم الجمع فيها بين القيادات التاريخية القاعدية بشهرتها وتأثيرها وتنظيراتها الاستراتيجية للتنظيم، وبين الجيل الجديد من قيادات ونجوم القاعدة الجدد أصحاب العنفوان، على نمط ناصرالوحيشى ومختار بلمختار وهشام عشماوى بميلهم فى كثير من الأحيان لحرب الجبهات المفتوحة وعمليات «السيطرة على الأرض». وهنا بالتحديد تبرز أهمية شخصية بحجم أبو مصعب السورى، بطل التسريبات الإسبانية الأخيرة، التى تتحدث عن إطلاق سراحه، فى إجراء مفاجئ من السجون السورية. أهمية السورى لا تقف عند مجرد كونه أحد أبرز القيادات التاريخية الأشهر فى تاريخ تنظيم القاعدة، أو لقربه الشديد من أسامة بن لادن زعيم ومؤسس التنظيم، ولكن يعتبر أبو مصعب السورى، ويعرف أيضا باسم عمر عبدالحكيم، أحد أهم منظرى الاستراتيجيات العسكرية والحركية فى تاريخ القاعدة وتنظيمات الجهاد المسلح قاطبة. ويأتى اسم أبو مصعب السورى كواحد من ثلاثة أسماء، بالإضافة إلى محمد خليل الحكايمة وسيف العدل، يرجح أن واحدا منهم هو المؤلف الحقيقى لكتاب إدارة التوحش، الذى يعتبر الدستور الاستراتيجى والحركى لتنظيم الدولة الإسلامية، «داعش» بزعامة أبوبكر البغدادى الآن، ولغيره من التنظيمات الإرهابية المسلحة، علما بأن الكتاب يحمل اسما مستعارا لمؤلف مجهول هو أبوبكر ناجى. أبو مصعب السورى الذى يشار إليه بأنه مؤسس تنظيم القاعدة فى إسبانيا، والعقل المدبر لتفجيرات مدريد 2004 ، هو صاحب، واحد من أخطر المؤلفات الاستراتيجية للتنظيمات الإرهابية فى العالم وهو كتاب «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» فى عدة أجزاء، وينظّر فيه إلى أن أسس بناء التنظيمات الجهادية التقليدية ومقوماتها المركزية لم تعد صالحة فى ظل المتغيرات الدولية الجديدة، وأعلن عن تبنيه لاستراتيجية جديدة فى المواجهة هى «سرايا المقاومة الإسلامية العالمية» التى تقوم على أساس الجهاد الفردى أو المجموعات الصغيرة، وليس على أساس التنظيم المركزى، وهى النظرية التى اعتبرت فيما بعد، التأسيس الأول لظاهرة الذئاب المنفردة التابعة للتنظيمات الإرهابية فى أوروبا بعد ذلك، وعلى رأسها القاعدة وداعش. وذلك بالإضافة إلى مؤلفات «المنهج والعقيدة القتالية»، و»التربية والعقيدة القتالية» و»الجبهات والجهاد الفردى»، و»الأسس الشرعية للإرهاب»، و»التدريب والإعلام والتمويل». علما أيضا بأن «جبهة النصرة»، الاسم الذى يحمله فرع تنظيم القاعدة فى بلاد الشام، مأخوذ بالأساس من أحد النداءات التى يوجهها أبو مصعب السورى فى نهاية كتابه «أهل السنة فى الشام فى مواجهة النصيرية والصليبية واليهود»، فيقول:»من الشام المباركة فى مطلع الستينيات كانت بداية انطلاق الجهاد، وفيها ازدهرت فى الثمانينيات، وإليها تعود اليوم إن شاء الله،.. فالنصرة النصرة يا إخوة الجهاد». وتعتبر عدد من مؤلفات السورى هى المرجعية الاستراتيجة الرئيسية ل»جبهة النصرة»، ومن أهمها كتاب دعوة المقاومة الإسلامية العالمية الذى ينظر فيه لما يسميه «الجيل الثالث من الجهاديين»، وكتاب الدعوة العالمية، وكتاب ملاحظات التجربة الجهادية فى سوريا، ويقيّم فيه التجارب الجهادية السابقة فى سوريا لاسيما تجربة الطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين، خاصة أن مصطفى بن عبدالقادر- كما هو معروف فى سوريا- قد انتسب فى بداية حياته، حيث كان لايزال يدرس الهندسة الميكانيكية، إلى تنظيم «الطليعة المقاتلة» التابع للإخوان المسلمين الذى أسسه مروان حديد فى سوريا، ثم هرب إلى العراق، وانتقل منها إلى أفغانستان، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة. انتقل بعدها إلى بريطانيا وشارك فى تأسيس «الجماعة الإسلامية المسلحة» الجزائرية، كما تحول إلى علم فى التنظير الاستراتيجى، فى جميع المنابر «الجهادية» فى العالم على الإنترنت، وفى جميع نشرات الجماعات الجهادية التى كانت تصدر من أوروبا، حيث كان دائم الانتقال بين بريطانيا وإسبانيا، بعد أن حصل على الجنسية الإسبانية وتزوج من فتاة من مدريد، هى هيلينا مورينو اعتنقت الإسلام بدورها. ينسب إلى أبو مصعب السورى أيضا تأسيس «معسكر الغرباء» فى قاعدة «قرغة» العسكرية الشهيرة فى كابل بأفغانستان بالتعاون مع وزارة دفاع طالبان حيث بايع الملا عمر، وذلك بالتوازى مع تأسيسه»مركز الغرباء للدراسات الإسلامية والإعلام»، كما أصدر مجلة «قضايا الظاهرين على الحق، وعمل فى إذاعة كابل ووزارة الإعلام أثناء حكم إمارة طالبان أيضا. واعتقلته المخابرات الأمريكية فى باكستان عام 2005، وقامت بترحيله إلى سوريا، ثم انتشرت الشائعات بأن بشار الأسد قد أفرج عنه فى 2012، كما سبق أن تلقت «جبهة النصرة» دعوات فى 2015 بمساومة النظام السورى على إطلاق سراح طيارين من الجيش السورى كانا قد وقعا فى قبضة التنظيم، مقابل إطلاق سراح أبومصعب السورى.