غياب القيادات الكاريزمية أشعل الصراعات الداخلية وزاد الانشقاقات وكان سببا فى حرب أهلية بين التنظيمات الإرهابية موت بن لادن كان له تأثيرا سلبيا على وحدة الصف والسيطرة على القيادات فى مختلف الدول التنظيمات الجديدة طرح خطابا دينيا أكثر راديكالية نجحت من خلاله في جذب قواعد عريضة من الجهاديين على مستوى العالم مع انتشار الجماعات المتطرفة في عدد كبير من الدول دأب الباحثون حول الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة وتوصلوا إلى أن هذا الأمر كان نتيجة طبيعية بعد وفاة أسامة بن لادن وانشقاق عدد كبير من التنظيم الأساسي واتجاههم لتكوين جماعات أخرى أكثر تطرفا وقد أعد المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية تقريرا حول هذا الأمر حيث رصد الأسباب الحقيقية وراء التحولات التي ألمت بتنظيم القاعدة وانتشار التنظيمات الجهادية الأخرى . وأوضح التقرير أن تنظيم القاعدة شهد في السنوات الأخيرة تحولات جذرية عميقة خاصة في بنيته التنظيمية ساهمت بشكل كبير في تحجيم حركته وتقليص قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف محددة في مختلف مناطق العالم، وهو ما يعود إلى مجموعة من الأسباب التي يأتي في مقدمتها غياب القيادات الكاريزمية عن المشهد الجهادي، وتفكك الشبكة التنظيمية ل"القاعدة"، وتآكل الشرعية القيادية والعقائدية لقيادات التنظيم، وتعدد البيعات والانشقاقات الداخلية، والدخول في صراعات مسلحة مع تنظيمات جهادية أخرى. لكن ذلك لا ينفي أن التنظيم ما زال يملك من المقومات ما يمكن أن يؤهله للعودة إلى تصدر المشهد الجهادي من جديد. وتتعدد أسباب انحسار نشاط تنظيم "القاعدة"، منها ما يرتبط بأبعاد هيكلية وبنيوية تتعلق بالتنظيم ذاته، ومنها ما يتعلق بتغير خريطة التيارات الجهادية مع ظهور تنظيمات جهادية أخرى مناوئة للتنظيم الرئيسي ،ومن بين هذه الأسباب غيابُ القيادات الكاريزمية حيث ساهم غياب أبرز قيادات التنظيم عن المشهد في إضعاف دوره وتقليص أثره الانتشاري، لا سيما بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين في يونيو 2006، وأسامة بن لادن مؤسس التنظيم في مايو 2011، وهو ما فرض تداعيات سلبية على علاقة القواعد بالقيادات الجديدة، التي لا يبدو أنها نجحت في السيطرة على كافة أفرع التنظيم بشكل تام. والسبب الثاني هو تفكك الشبكة التنظيمية ،فعلى عكس حالة التماسك التي بدا عليها التنظيم حينما نشأ في البداية في أفغانستانوباكستان، باتت الشبكة التنظيمية للقاعدة تعاني من التفكك بشكل ملحوظ، لا سيما بعد تأسيس فروع كثيرة للتنظيم في مناطق مختلفة، كان آخرها، في 4 سبتمبر 2014، عندما أعلن أيمن الظواهري زعيم التنظيم عن تأسيس فرع جديد للقاعدة في شبه القارة الهندية تحت اسم قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية، وهو التنظيم الذي أعلن مسئوليته عن الهجوم الذي وقع في حوض بحري في كراتشي بجنوب باكستان، في الشهر نفسه وأسفر عن مقتل أربعة أشخاص. والسبب الثالث هو تآكل الشرعية العقائدية،حيث يبدو أن قيادة التنظيم لم تعد قادرة على الحفاظ على شرعيتها القيادية والعقائدية، وهو ما انعكس في ظهور خلافات مع القيادات الفرعية، على غرار الخلاف الأخير بين أيمن الظواهري وزعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) أبو بكر البغدادي، والذي أسفر في النهاية عن انشقاق الأخير واتجاهه إلى إعلان دولة الخلافة وتنصيب البغدادي خليفة للمسلمين، حيث استطاع طرح خطاب ديني أكثر راديكالية نجح من خلاله في جذب قواعد عريضة من الجهاديين على مستوى العالم. والسبب الرابع هو تعدد البيعات والانشقاقات الداخلية، إذ أدت العلاقة المتوترة بين الظواهري والبغدادي، والتي انعكست في إعلان الظواهري أن جبهة النصرة لأهل الشام بقيادة أبو محمد الجولاني تمثل جناح تنظيم القاعدة في سوريا، إلى حدوث انشقاقات واضحة داخل بنية التنظيم الجهادي في مختلف الدول، حيث انقسمت القيادات بين الطرفين، ففي الوقت الذي رفض فيه الجولاني مبايعة البغدادي، قام 9 من القادة الجهاديين في أفغانستانوباكستان بمبايعة الأخير، في أبريل 2014، فيما سمى بالبيعة الخراسانية، حيث اعترضوا على المنهج الذي يتعبه الظواهري خاصة عدم تكفيره للشيعة، وعدم جرأته على إقامة حدود الله، فضلا عن إغفاله للأخطاء المنهجية للجماعات المقربة منه، وتبينه خطابا سياسيا دعويا دون الإشارة إلى حمل السلاح. وقد ظلت أفرع التنظيم في بعض الدول على الحياد دون الانضمام لفريق على حساب آخر، حيث اقتصر خطابها على ضرورة نبذ الخلافات بين المجاهدين وتوحيد الصفوف. والسبب الخامس هو الصراعات المسلحة مع التنظيمات الجهادية الأخرى،حيث لم تقف الخلافات بين القاعدة والتنظيمات الأخرى، لا سيما الدولة الإسلامية (داعش)، عند حد تعدد البيعات والانشقاقات، بل وصلت إلى مرحلة الصراع المسلح المفتوح، والذي كشفت عنه المعارك الضارية التي اندلعت بين جبهة النصرة، والتي تمثل فرع القاعدة في سوريا، وداعش، وأسفرت عن سيطرة الأخير على المناطق الإستراتيجية التي كانت تخضع لسيطرة جبهة النصرة، خاصة الرقة ودير الزور، فضلا عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من الجانبين، كان أبرزهم أبو خالد السوري الذي قتل في فبراير 2014، وقد عرف عنه قربه الشديد من قيادات القاعدة وخاصة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وبدون شك، فإن تلك الانتصارات التي حققها داعش على تنظيم القاعدة وفروعه الأخرى أنهكت الأخير وأضعفت قدراته وساهمت في تحجيم تحركاته. وفي النهاية، يمكن القول إن أفول تنظيم القاعدة وانحسار تأثيره مرتبط بشكل كبير بصعود نشاط تنظيمات جهادية أخرى، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن ذلك لا ينفي إمكانية عودة القاعدة إلى تصدر المشهد الجهادي من جديد، خاصة في حالة تراجع تأثير داعش، على ضوء الضربات التي يشنها التحالف الدولي الذي تشكل في الآونة الأخيرة لمواجهته، والتي يمكن أن تتسبب في نزع الشرعية عن قياداته، وإعادة ثقة القواعد الجهادية في قيادات "القاعدة"، لا سيما أيمن الظواهري، الذي فقد الكثير من شعبيته لصالح أبو بكر البغدادي وأنصاره.