حالة من الانفلات المهنى والأخلاقى أصابت الإعلام الفترة الأخيرة لدرجة اقتربت من الفوضى اللهم إلا قليلا، فالحرية التى ينتزعها الإعلام أصبحت غير مصحوبة بمسئولية، وأصبحت الشتائم والسباب، ليس من الضيوف الذين يظهرون على الشاشات فقط، لكن الأخطر هو أن تصدر من الإعلاميين أنفسهم بحالة من عدم الاتزان المهنى أولاً وعدم احترام جمهوره الذى يشاهده ثانياً، وبغض النظر عما بدر من المنتج أحمد السبكى رغم أنه جريمة فى حق الإبراشى، إلا أن الإبراشى أخطأ أيضاً حين زج بنفسه كطرف فى القضية التى يناقشها ووصف السبكى بالبلطجى، وكان انفعاله على الضيف أثناء المداخلة سبباً فيما حدث، فى الوقت الذى يجب أن يلتزم فيه بالحياد، أيضاً الإعلامى يوسف الحسينى الذى أخرج بعض الشتائم والسباب فى نيويورك لمنتقديه ولم يتحكم فى نفسه، رغم أن ما قام به منتقدوه يعد جريمة فى حقه أيضاً، هذا بخلاف أحمد موسى الذى ضرب مثالاً لا يمكن وصفه إلا بالهراء الإعلامى حينما عرض مقطعاً لفيديو من لعبة إلكترونية على أنها لقطات من ضرب روسيا لسوريا، وغيرها الكثير من السقطات الإعلامية التى يفاجأ بها الجمهور يومياً على الشاشات. وفسر الدكتور ياسر عبد العزيز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة هذا الأمر بأن هذا الانفلات السبب فيه هو أن الإعلام يعمل بلا تنظيم، وأن المتضرر ليس أمامه سوى القضاء، ولكن الإعلام يحتاج إلى بناء أنظمة تقييم للأداء، إما عن طريق التنظيم الذاتى من خلال نقابة الإعلاميين التى يجب أن تنشأ أو من خلال هيئة ضابطة تتمثل فى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المنصوص عليه فى الدستور، ويرى سرعة إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لبناء التنظيم الذاتى بمهنة الإعلام لأن القضاء وحده غير قادر على حل هذه المشكلات. وعما ما يتداوله الإعلام المصرى حالياً قال الدكتور محمد رضا حبيب الخبير الاعلامى: «للأسف الإعلام المصرى أصبح جزءا من الأزمة التى نعيشها حالياً، بسبب ممارسات بعض الإعلاميين التى أفقدت رجل الشارع الثقة والمصداقية فى مهنة ورسالة الإعلام ككل، لدرجة أن بعض ما يقدم لا علاقة له بالإعلام من قريب أو بعيد سواء ما حدث من انتصار فى قناة «القاهرة والنَّاس» أو من «السبكي» مع «وائل الإبراشى» أو حتى لغة الحوار التى تبتعد كثيراً عن المهنية وتصل لدرجة ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون على الهواء سواء باستخدام ألفاظ خارجة تخدش الحياء العام أو التحريض على الفسق والفجور أو جرائم سب وقذف. وأوضح حبيب أن ما يحدث له أسباب كثيرة أولها أنه لا يوجد فى مصر إعلام حقيقى، وأن القنوات الخاصة مملوكة لمجموعة من رجال المال يبحثون عن حماية مصالحهم وزيادة ثرواتهم حتى لو تعارضت مع مصالح الدولة، وبعض الإعلاميين جهلاء وغير مؤهلين ويبحثون عن الإثارة و«الفرقعة» وإثارة الجدل، أما الإعلام الرسمى فيعانى من مشاكل يعرفها الجميع من عشرات السنين بسبب سيطرة نظرية ثقافة الموظفين. ويعتقد أنه آن الأوان لتطهير الإعلام من الجهلاء والسماسرة والمنافقين حتى لو اضطر الأمر لفرض حالة الطوارئ الإعلامية، وأكد أنه لابد للنظام من الإسراع فى إقرار قانون التشريعات الإعلامية بمهنية دون أى تدخل من المالك سواء كانت الحكومة أو رجال المال، وحتى يحدث ذلك ينبغى توعية الشعب بكيفية التعامل مع الإعلام من خلال التربية كأحدث وسائل التصدى لحروب المستقبل ليست باعتبارها «مشروع دفاع» يهدف إلى الحماية من حروب الجيل الرابع فحسب، بل هى «مشروع تمكين» أيضاً، يهدف إلى إعداد الرأى العام لفهم كيفية التعامل مع الإعلام وتعلم مهارات التفكير الناقد لحسن الانتقاء والاختيار منها والمشاركة فيها، سواء عن طريق تدريسها فى مناهج التعليم أو دورات تدريبية أو برامج توعية فى وسائل الإعلام. أما الدكتور سامى عبد العزيز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة فيرى أن الإعلام المصرى فى حالة ضرورة لمراجعة نفسه وإعادة تفعيل الضمير قبل تفعيل ميثاق الشرف الإعلامى لأن الضمير هو الأساس، وأكد عبد العزيز أن هذه اللغة وهذه التجاوزات والمفردات الغريبة والشاذة المستخدمة فى الإعلام المصرى حالياً تزيد من حالة الفوضى والتشتت فى الشارع المصرى خاصةً فى أوساط أصحاب المستوى التعليمى المتوسط أو دون المتوسط. وأضاف أن الإعلام حالياً يثير قضايا لا تفيد المجتمع ولا تدفعه إلى الأمام، وكلها قضايا فرعية من وجهة نظره، كما يعتقد أن حاجز وحائط الصد الذى لابد من العمل على إخراجه هو قانون تنظيم الإعلام، خاصةُ أن بعض القنوات التى تعانى من الخسائر المادية، ربما تجد فى هذا النوع من البهارات الفاسدة سبب لبقائها واستمرارها لجذب الإعلانات وتحقيق نسبًا مشاهدة عالية، ويعتقد أن النهاية المحتومة لهذا الإعلام هى أن الجمهور سيلفظه لأنه لا يجد فيه شخصيته أو قضيته أو احتياجاته. وأكد دكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن كل ما يحدث من بذاءات أو تصريحات أو تصرفات شاذة على الهواء، هو فى بعض الأحيان نتيجة استضافة الشخصيات «المنفلتة»، وأن كثيرًا من الممارسات التى تتم فى الأداء الإعلامى الحالى هو نتيجة فتح المجال لعدد غير قليل من الضيوف المنفلتين، وفى الكثير من الحالات يتم المبالغة فى توجيه اتهامات لبعض الشخصيات دون أدلة وشواهد، وعما حدث مع الإبراشى قال: «برنامجه يمتد من العاشرة مساءً وحتى الرابعة فجراً، وهو ما يبعد عن المهنية تماماَ فى مدة تناول قضية معينة، ويؤكد العالم أيضاً أن الإبراشى دائماَ يتعمد تجاهل القضايا الكبيرة الموجودة فى البلد سواء ارتفاع الأسعار أو الانتخابات البرلمانية، ويتناول قضايا لمجرد الجدل وإثارة الرأى العام» وقال العالم: «كيف يتم اختزال قضية الانتخابات فى سما المصرى تنزل البرلمان ولا متنزلش». أما تصريحات انتصار فى برنامج «نفسنة» فيرى العالم أن سبب ما حدث هو أنه ليس كل فنان يصلح للقيام بتقديم برنامج تليفزيونى، وأن هناك فرقًا كبيرًا وشاسعًا بين أداء الممثل فى الإطار الدرامى أو السينمائى وبين أدائه منفرداً فى برنامج تليفزيونى، حيث إنه يعمل ويتحدث على الهواء دون توجيه من أحد مثلما حدث مع انتصار.