في الذكرى الثالثة لوفاة نائب رئيس الجمهورية الأسبق عمر سليمان، خرجت ابنتاه "رانيا وداليا" عن صمتهن لتتحدثان عن رحلة علاجه وكواليس وفاته، والفترة الانتقالية. فكان لهما حوارًا مع الكاتب الصحفي مصطفى بكري، وبحضور عبدالحميد حمدي- زوج "رانيا"، وفرج أباظة.
المرض.. الوفاة بدأت رحلة علاج اللواء عمر سليمان من أبوظبي إلى ألمانيا ثم إلى لندن وأخيرًا في مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة.
قالت ابنته رانيا: لم يكن الأمر جديدًا في منتصف عام 2012 لكننا لم نعلم بخطورة المرض وتداعياته، كان والدي يعاني في فترات سابقة، ولكن كنا نظن أنه حتى هذه اللحظة، الأمر عادي، ولا يخرج عن المألوف في مثل هذه الحالات، كان يمارس رياضته المعتادة، صحيح أنه لم يمارس لعبة "الإسكواش" منذ فترة، إلا أنه كان يمارس الرياضة بين الحين والآخر، وكان يتردد على مستشفى وادي النيل لإجراء بعض الفحوصات ويتلقى العلاج الطبيعي بشكل منتظم.
وأضافت رانيا: سافر والدي إلى ألمانيا أكثر من مرة، ودخل المستشفى في ميونيخ، وآخر مرة كانت يوم 24 مايو 2012، أى بعد إبعاده من الترشح لرئاسة الجمهورية، وفي هذه الفترة تزايدت حدة المرض لديه، كان لديه قلق شديد على مصر بعد أن لاحت في الأفق إمكانية سيطرة الإخوان على شؤون البلاد، وترشحهم لانتخابات رئاسة الجمهورية.
وأشارت إلى أنه في هذه الفترة سافر والدها إلى ألمانيا وكان برفقته د.علاء العزازي طبيبه الخاص الذي كان يتابع حالته جنبًا إلى جنب مع د.حازم عبدالمحسن الذي كان يشرف على علاجه.
وتابعت رانيا قائلة: لقد سبق لوالدي أن أجرى عملية «قسطرة» فى القلب في شهر يونيو عام 2011، ولكن حتى هذا الوقت كان المرض عارضًا، والدي لم يفقد أبدًا التفاؤل، رغم حزنه وألمه الشديدين على مصر بسبب الفوضى التي سادت البلاد في هذا الوقت، وكان يرى أن الحالة التي تعيشها مصر مؤقتة، وستتعافى من أزمتها بعد تحقيق الأمن والاستقرار".
قالت رانيا: عندما كان والدي في القاهرة تزايدت حدة المرض عليه خاصة بعد أن قام بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية استجابة لرغبة الكثيرين وخوفًا على مستقبل البلاد خاصة بعد أن قدم الإخوان خيرت الشاطر ومحمد مرسي للترشح في الانتخابات فحسم أمره ورشح نفسه في اللحظات الأخيرة، يومها قال والدى: «لن أدخل الانتخابات إلا بضمانة 100٪»، وبالفعل في 48 ساعة تم جمع نحو أكثر من 47 ألف توكيل من العديد من المحافظات، ساعتها عندما علمت داليا بدخول والدي الانتخابات قلقت كثيرًا، لأنها كانت تعرف أن الأمر ليس سهلاً، كما أن الحملة من الإخوان وبعض أنصارهم ضد والدي كانت عنيفة وظالمة، المهم في الأمر حدث نقص في التوكيلات وقد طلب والدي من المشير طنطاوي أن يطلب من اللجنة أن تمد ساعتين لحين وصول السيارة المقبلة أسيوط، إلا أن ذلك لم يحدث وعندما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات خروج والدي من السباق الرئاسي، وعندما احتشد الناس رافضين، قال لهم: أنا متشكر جدًا، وأرجو أن تعودوا إلى منازلكم، كل شيء قد انتهى وعسى أن تكرهوا شيئًا ويكون فيه خيرًا كثيرًا".
واستكملت "رانيا" حديثها قائلة: "في اليوم التالي التقى والدي بحملته الانتخابية وأوصاهم وقال لهم: «احرصوا على مصر وحافظوا على البلد»، وهو كان يعرف منذ البداية أن النار ستفتح ضده من خصومه، ولكنه لم يخف أو يتراجع، بل كان مستعدًا لكل شيء من أجل مصر".
وقالت: كان والدي يشعر بالخطر على مصر إذا تولى الإخوان حكم البلاد، وساعتها بدأت تتزايد حدة المرض، فقرر السفر إلى ألمانيا يوم 24 مايو وبصحبته د.علاء العزازي طبيبه الخاص، وعندما عاد من ألمانيا قرر السفر إلى أبوظبي في 6 يونيو 2012، وذلك لاستكمال الكشوف الطبية في مستشفى الشيخ زايد العسكرى، حيث اصطحب معه حفيده زياد عبدالحميد، ثم سرعان ما سافرت أنا وماما وداليا وزوجها المهندس فرج أباظة للحاق به يوم 21 يونيو.
وأضافت رانيا: عندما بدأنا نسمع عن نتائج الانتخابات الرئاسية واحتمالية فوز محمد مرسي لم نصدق ذلك، وانهمرت الدموع من أعيننا، وقلنا لوالدي: كيف ذلك؟ إن كل الدلائل تقول إن أحمد شفيق هو الفائز وليس محمد مرسي، فقال لنا.. يجب أن تعرفوا أن الأمريكان يريدون الإخوان.
ساعتها سادت حالة من الوجوم، فبادرت داليا بالقول: "ولكن أحد الأشخاص المقربين من لجنة الانتخابات أبلغها أن أحمد شفيق هو الفائز، إلا أن والدها رد عليها بالقول: مهما حدث محمد مرسي هو الفائز".
وقالت داليا: كان والدي يتحدث بلغة الواثق، ربما كان ذلك هو توقعه، أو معلوماته من خلال قراءة الأحداث، ولكن في كل الأحوال كان الحديث مذهلاً لنا، وكان والدي خائفًا علينا وعلى مستقبل مصر في ظل هذه الأجواء.
في هذا الوقت قال لنا إنه لا بد من تقبل الأمر الواقع حاليًا، وعليكم أن تكونوا على ثقة أن من جاءوا بالإخوان هم الذين سيسقطونهم في يوم ما، لأن الإخوان لن يستطيعوا حكم مصر، لأن مواقفهم وأفكارهم تتصادم مع المصريين.
وتكمل رانيا الحديث بقولها: بعدها ساءت حالته النفسية، وظل في المستشفى، ولم يخرج منه سوى يوم عيد ميلاده في الثاني من يوليو، وفي هذا اليوم احتفلنا بعيد ميلاده في الفندق الذي كنا نقيم فيه، وكانت نصيحة الأطباء هى ضرورة أن يسافر الوالد إلى ألمانيا لإجراء المزيد من الكشوفات.
وقالت داليا: "أنا ورانيا كنا بنتخانق من منا تذهب معه إلى ألمانيا، واضطررنا لعمل قرعة، وأنا كسبت الرهان، وبقيت رانيا في هذا الوقت لمتابعة الأولاد والأسرة، سافرنا أنا ووالدي على الطائرة الإماراتية المتجهة إلى ألمانيا، وعندما جاءت المضيفة بقائمة الطعام رفض والدي تناول أى شىء، وعندما وصلنا إلى ألمانيا كانت شقيقتى عبير في انتظارنا، وأيضًا كان موجودًا د.حازم عبدالمحسن المشرف على علاج والدي، بقينا يومين فى ألمانيا، وقد أجرى والدي كشوفًا عديدة، وبعد الانتهاء من إجراء الفحوص، طلب الدكتور منه العودة إليه في منتصف شهر سبتمبر لإجراء عملية جراحية في القلب، وكان التشخيص الطبي للمرض في هذا الوقت هو ضعف في عضلة القلب".
وفي ضوء ذلك قررنا السفر إلى بريطانيا، انتظرنا في مطار ميونيخ لمدة 4 ساعات، وفكرنا في العودة مرة أخرى إلى الفندق، إلا أن أبي صمم على الانتظار، وعندما وصلت الطائرة صعد السلم بصعوبة بالغة، وجلسنا ثلاث ساعات في الطائرة حتى وصلنا إلى لندن، وبقينا هناك من 6 إلى 15 يوليو، وقد لاحظنا فى هذا الوقت تدهوراً سريعًا في صحته، مما استدعى دخوله أحد مستشفيات لندن، كان والدي مهتمًا بالجلوس مع شقيقتي عبير وأولادها أكبر وقت ممكن، لأنها كانت مقيمة في لندن مع زوجها في هذا الوقت السفير أيمن القفاص.
وقالت: عندما رأينا صحته تتدهور، كان القرار بالسفر إلى أمريكا للعلاج، أجرينا الاتصالات وتم الحجز في مستشفى كليفلاند، وبدأنا نعد العدة للسفر، خاصة بعد أن رفض والدي دخول مستشفى لندن، رغم أن نتائج التحليلات لم تكن مطمئنة.
وقالت: لقد اتصل بي د.علاء العزازى وطلب مني عدم السفر لأن الرحلة طويلة وحذرني من احتمال تعرض والدي لأزمة قلبية في الجو، وعندما أبلغت والدي برأي د.علاء العزازى قال: «أنا حطلع الطيارة وأسافر أياً كانت النتيجة»، فقد كان يشعر فى هذا الوقت بضيق شديد فى التنفس، ولكن كان لديه إيمان قوى وحب للحياة، وكان لديه إيمان بأن كل شىء قضاء وقدر، وأتذكر يومها قال للدكتور علاء العزازي: «أنا عمري لم أؤذ أحدًا، وسأموت على السرير مثل أخي جمال أو سأموت شهيدًا».
وقالت رانيا: عندما وصلنا إلى أمريكا يوم الأحد 15 يوليو، نزلنا في فندق ملحق بمستشفى كليفلاند، والليلة الأولى قضاها والدي معنا في الفندق، وكانت غرفتي أنا وداليا ملحقة بغرفته، وعندما أصيب بالتعب في هذا المساء، أعطيناه أكسجين وتناوبنا أنا وداليا متابعة حالته الصحية.
وقالت رانيا: في يوم الاثنين 16 يوليو عملنا دخولاً للمستشفى، وبدأنا رحلة الفحوصات، وكان هناك اثنان من الأطباء الكبار يتوليان متابعة حالته الصحية، أحدهما طبيب من أصل سوري فقال لنا: «أريد أن أتعرف على المريض»، فعندما قال له والدي «أنا كنت رئيس المخابرات العامة ونائب رئيس الجمهورية في مصر»، رد عليه الطبيب وقال: إذن المريض شخص مهم جداً، وطلب منه أن يحكي عن نفسه، فقال والدي «أنا أمارس الرياضة طول عمري بلعب الاسكواش، وأعوم ولا أعاني الأمراض إلا منذ فترة قصيرة، سأله الطبيب عن تاريخ العائلة والمرض، وقابلنا في هذا الوقت د.راندل ستارينج طبيب القلب المعروف، أما المسؤول الإداري بالمستشفى فقد اتضح أنه من أصل مصري ويدعى «بشاى» وكان والده قسيس الكنيسة في كليفلاند ويدعى «القس بيشوي».. وعندما علم بهوية والدي ظل يتابعه في كل كبيرة وصغيرة.
وتقول رانيا: قبل وصولنا إلى أمريكا بيوم واحد، جاءتنى مكالمة من الطبيب المختص فى مستشفى زايد العسكرى، وقال لى: لقد وصلتنا نتيجة المرض من ألمانيا، وأن النتيجة أكدت أن المرض المصاب به والدي هو مرض «إميلويدوزيس» الذي من شأنه أن يقلل المناعة، كما أن تأثيره على الجسم لا يظهر إلا بعد سنوات من الإصابة به، وأن هذه الفترة قد تستمر لعشر سنوات.
وتقول داليا: عندما علمنا بالمرض وتأثيراته ازداد قلقنا على حياة والدي، وأبلغنا الطبيب المختص بنتيجة التحاليل الألمانية للمرض، وكنا نذهب بشكل منتظم للجلوس مع والدي من 6-9 مساء يومياً.
وتقول رانيا: في يوم الأربعاء 18 يوليو، جلس المسؤول الإداري «بشاى» مع والدي للتخفيف عنه، فحكى له والدي عن ذكرياته في حرب 67، وعن حرب 73، وعن الأوضاع في مصر خلال الفترة الأخيرة، وفى هذا الوقت بعد أن علم د.علاء العزازي بنتيجة التحليل الألماني، اقترح إجراء عملية زرع قلب فقال الأطباء: إن المرض خطير وإن هناك صعوبة في إجراء العملية رغم أن «كونسولتو» من الأطباء كان قد أجرى الكشف عليه يوم الثلاثاء وقال إنه سيعيش بهذه الحالة، ولكن بشرط أن يكون المجهود محدودًا.
وتقول داليا: عندما ذهبنا يوم الأربعاء 18 يوليو إلى غرفة والدي بالمستشفى، وكان معنا السفير أيمن القفاص وراجي سليمان ابن شقيقه، ظللنا معه في هذا اليوم حتى الثانية عشرة مساء على غير العادة، وكان الوالد سعيداً جداً في هذا اليوم، وكان يتحدث معنا بشكل طبيعي.
وتقول رانيا: في هذا الوقت اتصل والدي بزوجي المهندس عبدالحميد أحمد حمدى وطلب منه الاهتمام بمائدة الرحمن في شهر رمضان وزيادة الأعداد فى هذا العام عن أى مرة سابقة، وعندما علم والدى بالمرض من طبيبه الخاص لم يهتز، بل تلقى الخبر بهدوء كامل، حتى إن الطبيب المعالج قال: «هذا رجل عظيم ولديه إيمان حقيقى».
وبعد أن انتهينا من زيارته ذهبنا إلى الغرفة فى الفندق المجاور، وكان أيمن القفاص قد ترك رقم هاتفه في المستشفى لاستدعائه في حال حدوث أى طارئ، وفي نحو الثانية صباحاً اتصلت به إدارة المستشفى، وفوجئ بوالدي في حالة صحية سيئة، وقالوا له إنه يحتضر، ففوجئنا به يطلب منا الحضور سريعاً، وعندما ذهبنا إلى هناك كان الأطباء يجرون صدمات كهربائية لتنشيط عضلة القلب، وقد استمرت الصدمات لنحو ثلث ساعة على غير المعتاد، ولكنه كان قد أسلم الروح، ولم نصدق ما حدث، فانهرنا جميعاً وكنا في حالة من الصدمة، ثم بعد أن شاع الخبر بدأت الاتصالات تتوالى علينا، فقد اتصل جورج تينت رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق وقدم لنا العزاء، لأنه كان يعرف والدي جيداً، ويومها تولى المهندس عبدالحميد أحمد حمدى إبلاغ المشير طنطاوى واللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة بخبر الوفاة، وأبلغونا بأن السفارة سترتب كل شيء، بحيث يتم نقله من مستشفى كليفلاند إلى نيويورك ومن هناك يتم نقله إلى القاهرة ورفضنا ذلك وقلنا هذه بهدلة لن نقبل بها، وصممنا أن يعود إلى أرض بلاده بكرامته مباشرة من المستشفى إلى القاهرة.