ننشر تقرير البرلمان حول تعديل قانون النواب وتقسيم الدوائر الانتخابية    مفاجأة للإيجار القديم.. شروط حجز شقق سكن لكل المصريين 7 لمتوسطي الدخل    إيفان أوس: وقف النار من روسيا شرط لبدء مفاوضات جادة مع أوكرانيا    ترامب يعرب لنتنياهو عن حزنه إزاء الهجوم على السفارة الإسرائيلية بواشنطن    تفاصيل خطة إسرائيل للسيطرة على غزة.. القاهرة الإخبارية تكشف: محو حدود القطاع    البيت الأبيض: إلغاء آلاف التأشيرات الطلابية لمؤيدين لحماس    لا يعرف الفوز خارج الديار.. ماذا فعل بيراميدز في جنوب إفريقيا قبل مواجهة صن داونز؟    رفض استئناف ريال مدريد بشأن عقوبة روديجر    تعرف على موعد قرعة كأس العرب 2025 في قطر بمشاركة منتخب مصر    عمر زهران يغادر قسم الدقي ويعود إلى منزله بعد الإفراج الشرطي    الأحد المقبل أولى جلسات سفاح المعمورة بمحكمة جنايات الإسكندرية    فيلم "المشروع X" يكتسح شباك التذاكر ب3.3 مليون في يومه الأول    من ساحة العلم إلى مثواه الأخير، قصة سكرتير مدرسة بالشرقية وافته المنية أثناء العمل    الأعلى للإعلام يشترط حصول موافقة كتابية من المريض بمحتوى أمراض الأورام    البيئة تنظم فعالية تشاركية بشرم الشيخ بمشاركة أكثر من 150 فردًا    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدا من شباب منحة عبدالناصر    كيف علق نجوم الفن على رقص أسماء جلال بعيد ميلادها ال 30 ؟    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    وزير الشباب والرياضة يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة    "بعد أنباء انتقاله للسعودية".. باريس سان جيرمان يجدد عقد لويس كامبوس حتى 2030    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    السفير الألماني في القاهرة: مصر تتعامل بمسئولية مع التحديات المحيطة بها    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    وزير الخارجية يؤكد أمام «الناتو» ضرورة توقف اسرائيل عن انتهاكاتها بحق المدنيين في غزة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    ماتت تحت الأنقاض.. مصرع طفلة في انهيار منزل بسوهاج    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    «سلوكك مرآتك على الطريق».. حملة توعوية جديدة لمجمع البحوث الإسلامية    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات صائم .. القرآن
نشر في الفجر يوم 08 - 07 - 2015

القرآن العظيم كتاب هدى ونور وشفاء.. وفي هذا الشهر المبارك أنزل.
فحريٌ بنا أن نجتهد في تلاوته وتدبره
عسى الله أن يصلح به أحوالنا ويعظم به أجرنا..
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]
وفي الصحيحين: "أن النبي كان يعرض القرآن على جبريل في رمضان.."
وكان الإمام أحمد (رحمه الله): "..يغلق الكتب في رمضان، ويقول: هذا شهر القرآن"
القرءان هو كلام الله غير مخلوق أنزله على نبيه ورسوله محمد باللفظ والمعنى، والقرآن هو كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، وهداية للناس أجمعين، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، وهو المتعبد بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً.
ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه، قال تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}،
القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مسموع بالآذان، فالاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات، ومن أعظم القربات، كيف لا يكون ذلك، وفي كل حرف منه عشر حسنات، وسواء أكان بتلاوته أم بتدبر معانيه، وقد أودع الله فيه علم كل شىء، ففيه الأحكام والشرائع، والأمثال والحكم، والمواعظ والتأريخ، والقصص ونظام الأفلاك، فما ترك شيئا من الأمور إلا وبينها، وما أغفل من نظام في الحياة إلا أوضحه، قَالَ : "كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}.
هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [أخرجه الدارمي].
هذا هو كتابنا، هذا هو دستورنا، هذا هو نبراسنا، إن لم نقرأه نحن معاشر المسلمين، فهل ننتظر من اليهود والنصارى أن يقرؤوه، قال تعالى: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}، فما أعظمه من أجر لمن قرأ كتاب الله، وعكف على حفظه، فله بكل حرف عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
كلمة لحفظة القرآن:
هنيئاً لكم حفاظ كتاب الله الكريم، هنيئاً لكم هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل، فعن أبِى هريرة رضِى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" [أخرجه مسلم].
فأنتم أهل الله وخاصته، أنتم أحق الناس بالإجلال والإكرام، فعن أبِى موسى الأشعري قال: قال رسول الله : "إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرءان غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط" [أخرجه أبو داود].
أنتم خير الناس للناس، لقد حضيتم بهذه الخيرية على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، فعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: قالَ رسولُ اللَّهِ : "خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ" [أخرجه البخاري].
أنتم يا أهل القرآن أعلى الناس منزلة، وأرفعهم مكانة، فلقد تسنمتم مكاناً عالياً، وارتقيتم مرتقىً رفيعاً، بحفظكم لكتاب الله، عن عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ النَّبِيَّ قال: "إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين" [أخرجه مسلم].
حفاظ كلام الله، أنتم أعظم الخلق أجراً، وأكثرهم ثواباً، كيف لا، وأنتم تحملون في صدوركم كلام ربكم، وتسيرون بنور مولاكم وخالقكم، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ: قال رسولُ اللَّهِ : "الَّذِي يَقرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ، والذي يقرَأُ القُرْآنَ ويتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ له أجْران" [متفقٌ عليه].
أبشروا يا أهل القرآن، أزف إليكم البشرى، بحديث نبي الهدى، والذي يصور فيه حوار القرآن والشفاعة لصاحبه يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ : " يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً " [أخرجه الترْمذي وقال: حديث حسن صحيح]، ويصدق ذلك حديث أَبي أُمامَةَ رضي اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسولَ اللَّهِ يقولُ: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإِنَّهُ يَأْتي يَوْم القيامةِ شَفِيعاً لأصْحابِهِ" [أخرجه مسلم].
فيا حفظة كتاب الله، أينما اتجهتم فعين الله ترعاكم، فأهل القرآن هم الذين لا يقدمون على معصية ولا ذنباً، ولا يقترفون منكراً ولا إثماً، لأن القرآن يردعهم، وكلماته تمنعهم، وحروفه تحجزهم، وآياته تزجرهم، ففيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، فلتلهج ألسنتكم بتلاوة القرآن العظيم، ولترتج الأرض بترتيل الكتاب العزيز، وليُسمع لتلاوتكم دوي كدوي النحل، عَن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: «يُؤْتى يوْمَ القِيامةِ بالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الذِين كانُوا يعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنيَا تَقدُمهُ سورة البقَرَةِ وَآل عِمرَانَ، تحَاجَّانِ عَنْ صاحِبِهِمَا » [أخرجه مسلم]، وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ : "إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ" [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته عامة، ولِحَفَظَة كتاب الله خاصة، تعاهد القرآن بشكل دائم ومستمر، فقال : "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها" [أخرجه مسلم]، ومن تأمل هذا الحديث العظيم، ونظر في معانيه، أدرك عِظَمَ هذه الوصية، وعلم أهمية المحافظة على تلاوة كتاب الله ومراجعته، والعمل بما فيه، ليكون من السعداء في الدنيا والآخرة، فيستحب ختم القرآن في كل شهر، إلا أن يجد المسلم من نفسه نشاطاً فليختم كل أسبوع، والأفضل أن لا ينقص عن هذه المدة، كي تكون قراءته عن تدبر وتفكر، وكيلا يُحمِّل النفس من المشقة مالا تحتمل، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله : "اقرأ القرآن في شهر، قلت: أجدُ قوة، حتى قال: فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك".
وأوصي جميع المسلمين رجالاً ونساءً، بحفظ كتاب الله تعالى ما استطاعوا لذلك سبيلاً، وإياكم ومداخل الشيطان، ومثبطات الهمم، فاليوم صحة وغداً مرض، واليوم حياة وغداً وفاة، واليوم فراغ وغداً شغل، فاستغلوا هذه الحياة الدنيا فيما يقربكم من الله زلفى، فأنتم مسؤولون عن أوقاتكم وأعمالكم وأقوالكم، وإياكم وهجران كتاب الله، فما أنزله الله إلا لنقرأه ولنتدبر آياته ونأخذ العبر من عظاته، قال تعالى: {وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً}، فمن الناس من لا يعرف القرآن إلا في رمضان، وبئس القوم الذين لا يعرفون القرآن إلا في رمضان، ومن الناس من لا يتذكر كتاب الله إلا في مواطن الفتن والمصائب، ثم ينكص على عقبيه، فأولئك بأسوأ المنازل، فأروا الله من أنفسكم خيراً، وجاهدوا أنفسكم، وألزموها حفظ كتاب الله، وتدارس آياته ومعانيه، فالله لا يمل حتى تملوا.
ومن لم يستطع حفظ كتاب الله تعالى، ومن لم يكن له أبناء في حلقات التحفيظ، فليبادر قبل انقضاء الأوقات والأعمار، ثم لا ينفع الندم، فميدان السباق مفتوح، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً.
كلمة للأولياء:
وهذه كلمة لأولياء الأمور، أيها الآباء والأمهات، استوصوا بالأجيال خيراً، نشئوها على حب كتاب ربها، علموها العيش في رحابه، والاغتراف من معينه الذي لا ينضب، فالخير كل الخير فيه، وتعاهدوا ما أودع الله بين أيديكم من الأمانات، بتربيتها تربية قرآنية، كي تسعدوا في الدنيا قبل الآخرة، فما هانت أمة الإسلام إلا بهجرها لكتاب ربها وبعدها عنه، ووالله لو تمسكنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، لأصبحنا أمة عزيزة، أمة أبية شامخة.
فالله الله أيها الآباء الكرام، فالأبناء أمانة في أعناقكم، ولقد ائتمنكم الله عليهم، فإياكم وخيانة الأمانة، فخيانتها صفة ذميمة، وخصلة دميمة، مقت الله أهلها، وأبغض فاعليها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" [متفق عليه]، فمن خان الأمانة فقد صنفه الله من المنافقين، والله توعدهم بأسفل مكان في النار، فقال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً}، فكم نرى اليوم من شباب الإسلام وهم يتغامزون، ويتراقصون، ويسرقون وينهبون، ويسهرون، تركوا الصلاة والصيام، وعطلوا أغلب الأحكام، لا يُقدِّرون لإنسان قدره، ولا يقيمون لجار حقه، فأي تربية هذه، وأي أداء للأمانة هذا، أليس ولي الأمر مسؤولاً عنهم يوم القيامة؟ بلى والله، إنه لمسؤول، قال تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون}.
وأذكِّر أولياء الأمور بأهمية أداء الأمانة وعدم خيانتها، فهي منوطة بهم، وقد حذرهم الله من خيانته أو التساهل في رعايتها، فقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون "، فهذه الأجيال التي بين أيديكم ستسألون عنها يوم تعرضون على ربكم لا تخفى منكم خافية، وسيتعلق بكم أبناؤكم يوم العرض والحساب، فإياكم أن يكون أولادكم أعداء لكم، فقد قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم "، فاحذر أيها الأب المبارك، أن يكون ولدك عدواً لك في دنياك وأخراك، وأرع هذه الأمانة بكل إخلاص وصدق، فالأبناء كالبذرة، إن اخترت لها مكاناً طيباً نشأت طيبة، وإن كان غير ذلك فلا تلومن إلا نفسك، قال تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون} [الأعراف 58]، فإن خنت الأمانة وفرطت فيها، وتركت الحبل على غاربه لأبنائك، ولم ترعهم بنصحك، فوالله لقد أقحمت نفسك مكاناً لا تُحسد عليه أبداً، واسمع قول النبي حيث قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" [متفق عليه]، فهل تريد أن تموت وأنت غاش لرعيتك، تاركاً لأمر ربك، ثم يكون مصيرك النار وبئس المصير.
ولا أنسى أن أهنئ الأولياء الذين عرفوا أهمية الرعاية السليمة الصحيحة لأبنائهم، وفق كتاب الله تعالى، ووفق سنة نبيه ، فقاموا بما أوجب الله عليهم من الرعاية بالأبناء، وأحاطوهم بالاهتمام والنصح والإرشاد، فهنيئاً لهم أولئك الأبناء الصلحاء النجباء، الذين يحملون كتاب الله بين جنباتهم، وإلى كل أب وأم أدركا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما، وأدياها كما يجب، أُبشرهما بهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه الذي قَالَ فيه رَسُولَ اللَّهِ : "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا"، فهنيئاً لكم أيها الأولياء هذه البشارة النبوية من الذي لا ينطق عن الهوى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.