اليوم ينتهي شهر الانتحارات، كما وصفه المصريون، إنه شهر سبتمبر الجاري، الذي مات فيه ما يقارب ال11 حالة من المصريين، بينهم ثلاث سيدات وطفلة، لأسباب متعلقة بسوء الأوضاع المعيشية، ومشاكل اجتماعية أخرى، ما أثار هذا العدد الكبير للمنتحرين صدمة باعتبار أن الإقدام على الانتحار غير شائع بين المصريين، وبحسب ما تم رصده في القاهرة والمحافظات، شهد الأسبوع الأخير وحده ست حالات انتحار.
ولم تكن حالات الانتحار جديدة على المجتمع المصري فحالات الانتحار بمصر موجودة من فترة طويلة، ولكنها ازدادت في الأونة الأخيرة مع تردي الأوضاع المعيشية والإقتصادية في مصر ولاسيما في الثلاث سنوات الأخيرة، وحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد قوة العمل في مصر يبلغ 27.2 مليون فرد، وتصل نسبة البطالة بينهم 13.4%، بزيادة تتراوح بين 4% - 5%، على مدارا السنوات الثلاث الماضية وهو الأمر الذي قد يفسر انتشار حالات الانتحار ولاسيما في الفئات العمرية ما بين العقدين الثالث والرابع وذلك لانعدام أي فرص للعمل او للدخل المنخفض أو لزيادة الديون.
مواطنون: الانتحار حالة من فقدان الإيمان والثقة بالله
وتباينت أراء الشارع المصري حول الانتحار وأسبابه، وقال أحمد رضا، موظف بالمعاش، إنه "مع انتشار اليأس والإحباط فى مصر يلجأ شبابنا للتخلص من حياتهم، وذلك لإحساسهم بعدم القدرة علي العمل أو إيجاد أي فرصة في البلد وهو الأمر الذي يتطلب وقفة من الدولة على أكثر من اتجاه أولها اقتصادي لإيجاد فرص عمل ولو بدخل يكفي حياة كريمة لهؤلاء الشباب والثاني ديني لأن الديانات السماوية نهت عن الانتحار"، مضيفًا: "الظروف الاقتصادية قد تؤدي إلى أكثر من ذلك، والصعوبات المعيشية التي يواجهها الجميع من بطالة وارتفاع في الأسعار".
ورأت مروة سعيد، ربة منزل، أن الوضع الاقتصادي المتأزم وتدهور أوضاع البلاد يؤثر علي المواطنين ويدخلهم في حالة يأس عامة، مطالبة بدور سريع وفعال للدولة لإيقاف حالة الانتحار المنتشرة في البلد، وأشار عبد الخالق رمضان، مدرس، إلى أن نقص الإيمان هو السبب الرئيسي الذي قد يدفع شبابا في مقتبل العمر لإنهاء حياتهم بأنفسهم، مؤكدًا أن الفقر لا يجب أن يكون الشماعة التي تعلق عليها جميع الكوارث.
مختصون في الطب النفسي: المواطن يتجه إلى الفرار من كافة الضغوط
وعن رأي المتخصصين، قال الدكتور محمد عبد العزيز، طبيب نفسي، إن الأسباب التي تدفع الشخص للانتحار ترتبط بالأحداث التي يعيشها الفرد انطلاقًا من الأحداث البسيطة إلى الأمور الأكثر خطورة مثل المشاكل المستمرة بسبب ضيق الحالة وصعوبة الحياة لانعدام وسائل المعيشة وفقدان الوظيفة أو القدرة على الدخل وعدم إيجاد بديل وهو الأمر الذي يدفع الشخص إلى فرض عزلة كبيرة على نفسه تنتهي برغبة عارمة في التخلي عن الحياة لعدم جدواها من وجهة نظره لاعتقاده أن الحل الوحيد هو الانتحار حتي يستطيع الفرد التنصل من المسئوليات والعقبات التي أثقلت كاهله.
وأكد الدكتور علي رمضان، طبيب نفسي، أن أسباب الانتحار كثيرة ومتعددة منها عدم القدرة على تحمل المسؤولية، لافتًا إلى أن أصحاب محاولات الانتحار هم مرضى نفسيون أهمل المجتمع ومن قبل الآسرة رعايتهم، خاصة أننا ما زلنا نعامل المريض النفسي على أنه مجنون وعار على المجتمع ولابد من تجنبه وعزله وهو الأمر الذي يرسخ للانتحار عند الفرد ويعظم من الرغبة في فقدان الحياة.
وأضاف أنه لابد من ملاحظة سلوك الفرد من قبل أسرته ومتابعته والعمل علي علاجه وإخراجه من الأزمة النفسية الصارخة التي يمر بها وهي المرحلة الأخيرة قبل الانتحار، مشددًا على ضرورة نشر وعي العلاج النفسي فهو ليس عار أو سبة.
الانتحار فعل يأثم فاعله وفقًا للرأي الشرعي
وعن الرأي الشرعي، قال الشيخ أسامة القوصي، الداعية الإسلامي، إن هذه الظواهر التي يقع فيها الانتحار عن قصد وإرادة حرة، والتي يبدو فيها قصد التقليد للشاب التونسي، هو انتحار يأثم فاعله إثمًا عظيمًا، لقول الرسول (ص): "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو فى نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه فى يده يتحساه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا"، لافتًا إلى أن هذا عقاب كبير يخرج من أقدم عليه من الإيمان إذا استحل لنفسه ذلك بعد علمه بتحريمه، قائلًا: "إنه يظهر السخط وهدم بنيان الإنسان، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الإنسان بنيان الله ملعون من هدمه)، وهو الأمر الذي يستوجب معه نصح الشباب لما في الانتحار خسارة للحياة والأخرة ولابد أن نعمل على رفع الوعي بذلك".