بحضور 400 طفل.. «أوقاف القليوبية» تدشن لقاء الجمعة بمسجد في بنها    بشري سارة للموظفين .. 4 أيام إجازة رسمية | اعرف موعدها    413 مدرسة تعليم صناعي تقدم خدمات صيانة ومنتجات وموبيليات بأسعار تنافسية    كل ما تريد معرفته عن قانون رعاية حقوق المسنين| إنفوجراف    الخشت: تخصص الصيدلة وعلم الأدوية بجامعة القاهرة أصبح ال 64 عالميًا    جولد بيليون: الذهب يتجاهل السياسية النقدية الأمريكية ويتحرك قرب مستوى 2400 دولار    توريد 984 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    «آمنة»: الانتهاء من مشروع تطوير منطقة أعلى مفيض ترعة نجع حمادي بسوهاج    المشاط تعقد لقاءات مع مؤسسات التمويل الدولية خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين    فصل الكهرباء عن مناطق بالغردقة ومرسى علم.. اعرف المواعيد والأماكن    لتبادل العلاقات الثنائية.. وزير الخارجية يزور تركيا غدا    أسقطوا الطعام وليس القنابل.. احتجاجات أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب    دوري أبطال أوروبا.. حامل لقب أول نسخة وآخر المتوجين ب «ذات الأذنين»    دوري أبطال إفريقيا| محمد شوقي يطمئن على ترتيبات مباراة مازيمبي    أسطورة ليفربول: الاحتفاظ بصلاح سيكون صعبًا وفان دايك سيبقى    الداخلية تداهم بؤرتين وتضبط 36 كيلو مخدرات قيمتها 16 مليون جنيه    ضبط مسئول محل لبيع المأكولات لحيازته كمية كبيرة من المواد الغذائية مجهولة المصدر    برنامج MEPEP لتطوير مهارات القوى العاملة يشارك في معرض EDUTECH 2024    احذر الرادار.. رصد 8500 سيارة تجاوزت السرعة خلال 24 ساعة    وصول جثمان الفنان صلاح السعدني إلى مسجد الشرطة لصلاة الجنازة    إقبال جماهيري على جناح مصر في بينالي فينيسيا للفنون 2024    الأوقاف: افتتاح 8 مساجد في الجمعة الثانية من شوال.. تفاصيل    ل3 أسباب.. خطيب المسجد النبوي: الله كرم الإنسان حين خلقه في أحسن تقويم    دار الإفتاء توضح مسبعات الجمعة    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    إصابة شخصين إثر حادث تصادم 3 سيارات فى شارع التسعين بمنطقة التجمع    تشكيل فرانكفورت المتوقع لمواجهة أوجسبورج في الدوري الألماني.. موقف مرموش    1490 طنا.. وصول القافلة السادسة من مساعدات التحالف الوطني لأهالي غزة (صور)    إسعاد يونس تنعى الفنان صلاح السعدني بصورة من كواليس «فوزية البرجوازية»    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    تعرف على أبرز مخرجات لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطنى    موعد ومكان عزاء الفنان صلاح السعدني    اعتماد جداول امتحانات نهاية العام الدراسي في الوادي الجديد    وزير التنمية المحلية يعلن بدء المرحلة الثالثة والأخيرة لإزالة التعديات على أراضي الدولة ضمن الموجة ال22    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    "رصدته كاميرات المراقبة".. ضبط عاطل سرق مبلغا ماليا من صيدلية بالقليوبية    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    تمريض القناة تناقش ابتكارات الذكاء الاصطناعي    شهدها البابا تواضروس، تفاصيل وثيقة الكنيسة للتوعية بمخاطر زواج الأقارب    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    وضع حجر أساس مشروع موقف إقليمي جديد بمدينة المنيا الجديدة    إيرادات السينما أمس.. شقو في المقدمة وأسود ملون يتذيل القائمة    مارتينيز: حصلت على بطاقة صفراء ثانية بسبب سمعتي السيئة.. ولا أفهم القواعد    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين يوم الأحد بنظام ال"أون لاين" من المنزل    رضا عبد العال يعلق على أداء عبد الله السعيد مع الزمالك    فتح ممر إنساني نهاية إبريل.. إعلام عبري: عملية رفح محسومة والسؤال عن توقيتها    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    غداء اليوم.. طريقة تحضير كفتة الدجاج المشوية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    السفير نبيل فهمي: مصر ركيزة أساسية لأمريكا وأوروبا في ظل اشتعال الصراع بالمنطقة    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفاجأة في علاقتهما..قذاف الدم يكشف لماذا حبس الحسن الثاني "مبارك والقذافي" في غرفة
نشر في الفجر يوم 22 - 09 - 2014

لم تكن معرفة أحمد قذاف الدم بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك معرفة عابرة، بل يمكن أن تقول إنها كانت مزيجا من العلاقات العسكرية والسياسية والأسرية أيضا، امتدت من جبهات القتال والتدريب سواء في مصر أو في ليبيا، رغم فارق السن بين الرجلين والذي يبلغ نحو ربع قرن، أو من خلال اللقاءات في ثكنات الجيش في الصحارى إلى جانب مقابلات قصور الحكم أو الفنادق في أوروبا وغيرها، بالإضافة إلى خيمة القذافي نفسه بطبيعة الحال.

ومع ذلك لا يخفي قذاف الدم، وهو يتحدث ل«الشرق الأوسط» أن العلاقة بين مبارك والعقيد معمر، كانت في كثير من الأحيان تبدو كأنها تسير إلى الهاوية، إلا أن الظروف تتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكي تستمر العجلة في الدوران.. فقد كانت ليبيا تحتاج إلى مصر في أزماتها الكثيرة مع العالم الخارجي، وكانت مصر تحتاج إلى ليبيا بسبب نحو مليوني عامل مصري يعملون في ذلك البلد النفطي المهم. ويلخص قذاف الدم مجمل ذكرياته عن مبارك، قائلا عنه إن شخصيته تختلف عن شخصية السادات.. ويقول: زرت مبارك كثيرا، وفي أكثر من مكان.. مبارك كان يعمل بمثابرة.. أحيانا كنت أطلب موعدا فيعطيني موعدا في الساعة السابعة صباحا بسبب كثرة الاجتماعات التي عليه أن يرأسها أو يشارك فيها، سواء محلية أو تخص قضايا إقليمية أو دولية. كان يعمل من الصباح الباكر حتى التاسعة مساء.. هو إجمالا رجل بسيط في بيته ومأكله وحياته الخاصة.. وليس بتلك الصورة التي صورتها عنه وسائل الإعلام بعد تخليه عن الحكم. كان رجل جيش منضبطا في مواعيده والتزاماته.


يرفع مبارك القبعة العسكرية ويمسح العرق عن جبينه، ويمر على جنوده وطياريه تحت الشمس الحارقة.. كان ذلك في قاعدة طبرق داخل الأراضي الليبية في شهور الصيف في أوائل السبعينات.. ومن جانبه كان الرئيس السادات يبحث عن أي مدد يمكن أن يزيد من جرأته على خوض الحرب واجتياز المانع المائي وخط بارليف. كان يريد إخافة الإسرائيليين والأميركيين، لكن لم يكن لديه السلاح الغربي اللازم لاستكمال هذه العملية بالطمأنينة المطلوبة. وكان الضابط أحمد قذاف الدم وعدد من زملائه الليبيين، يترددون على الوحدات العسكرية الليبية والمصرية، سواء على جانبي الحدود، أو بعيدا حيث يحرس قذاف الدم مع واحدة من كتائب الدبابات المدخل الشرقي للقاهرة، بقيادة الفريق كمال حسن علي، الذي كان وقتها قد تدرج في عدة مواقع منها منصب مدير سلاح المدرعات وقائدا للفرقة 21 العسكرية المسؤولة عن إمداد الجيش المصري بالدبابات، وغيرها، حتى أصبح، فيما بعد، وزير خارجية مصر.

وشهدت تلك السنوات أكبر عملية تنسيق وتعاون بين الجيشين الليبي والمصري.. وفي تلك الأيام قابل قذاف الدم مبارك في قاعدة طبرق، وهي القاعدة المعروفة أيضا باسم «قاعدة ناصر».. كان مبارك يتفقد بين حين وآخر هذه القاعدة مع قادة عسكريين آخرين من أجل تنفيذ العديد من المهام التدريبية استعدادا للحرب في سيناء، بعد احتلالها من جانب إسرائيل عام 1967. وترقى مبارك بعد ذلك، أي في عام 1972 ليكون قائدا للقوات الجوية.

ويقول قذاف الدم: «قبل ذلك الوقت بنحو ثلاث سنوات كنت قد انتهيت من الدراسة في الكلية الحربية بمصر، والتحقت بالقوات المسلحة الليبية، وبالتحديد في إحدى كتائب الدبابات في لواء ناصر، في ضواحي طرابلس. ثم بعدها جرى تكليفي مع ضباط آخرين بالعديد من المهام السرية من أجل مساعدة مصر في الإعداد للحرب.. انتقلنا، كعسكريين ليبيين، إلى مصر، بالبحر عبر سفينة تابعة للقوات البحرية الليبية، توجهنا بها إلى الإسكندرية ليلا.. وكنا قد غادرنا بالسفينة ميناء طرابلس ثم بعد الاستراحة في ميناء بنغازي، واصلنا الإبحار شرقا.. كنا نتحرك كمتسللين حتى لا ترصدنا أجهزة المخابرات وتخطر إسرائيل حيث كان يمكن استهدافنا وضربنا في عرض البحر. كانت كل حركتنا بالسفينة ليلا.. وكان لا بد أن نصل إلى ميناء الإسكندرية في الليل أيضا، ومن هناك انتقلنا إلى القاهرة برا»..

ويضيف: «كنا قد بدأنا العمل مع القوات المسلحة المصرية منذ ما قبل حرب 1973.. كنا ضباطا وفي الوقت نفسه كانت لدينا مهام أخرى نقوم بها. وكان عبد الناصر قد مات مبكرا.. وبدأ الرئيس السادات في قيادة الدولة المصرية وفي الإعداد للحرب. وكانت هناك مهام وقت الاتحاد الثلاثي بين مصر وليبيا وسوريا.. وكان القذافي يقوم بزيارات في بعض الدول العربية للحشد للمساعدة في الإعداد للحرب التي كان مقررا لها عام 1971، كان متحمسا.. وكنا في سباق مع الزمن، من أجل جلب بعض الأسلحة الغربية التي لم تستطع مصر في ذلك الوقت أن تحضرها من الكتلة الغربية، وكانت ليبيا ما زال لديها علاقات مع الدول الغربية خاصة في أوروبا».

ويضيف أن التكليف بالمهام السرية كان يقوم بها في ذلك الوقت أحيانا قيادات مصرية أيضا، مشيرا إلى أن «ليبيا هي أول دولة عربية تفتح سوق السلاح الفرنسي أمام العرب، من خلال شراء أسلحة من فرنسا لمصر بطريق مستتر، أيام الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو (حكم من سنة 1969 حتى وفاته في 1974) واشترت ليبيا 100 طائرة ميراج، وأسلحة أخرى، ومنظومة دفاع جوي متحرك، وكانت كل طلبات مصر من الأسلحة الغربية يجري تلبيتها انطلاقا من ليبيا. وكانت ليبيا تتولاها من الغرب ومن روسيا أيضا مثل الزوارق المطاطية، وجسور العبور، والخراطيم التي تنسف خط بارليف، إضافة لاستيراد جرافات أميركية جرى استخدامها في إقامة سواتر ترابية للدبابات المصرية.

ومن ضمن المهام «التي قمنا بها»، كما يقول قذاف الدم.. «أننا جئنا في ذلك الوقت بالكلية الحربية المصرية إلى منطقة سوسة في ليبيا، في منطقة الجبل الأخضر في شمال وسط ليبيا، نقلناها بطلبتها وأساتذتها ومعداتها إلى هناك حتى تكون في مأمن أثناء الحرب. بينما تحولت قاعدة طبرق العسكرية لمركز أساسي لتدريب الطيارين المصريين».

ويضيف: «حين عقدنا صفقة طائرات الميراج الفرنسية، خصيصا لصالح مصر، كان لا بد أن يتدرب الطيارون المصريون عليها في فرنسا.. فأخذنا طيارين مصريين واستخرجنا لهم جوازات سفر ليبية، وأرسلناهم لفرنسا، وتدربوا هناك.. وكان ذلك في عام 1973، أي قبيل موعد الحرب بعدة أشهر. كانت هذه آخر صفقة مع الفرنسيين قبل الحرب. وأيضا كانت هناك وحدات عسكرية ليبية قرب مرسى مطروح غرب مصر من اللواء التاسع الليبي، وكذلك كتيبة من كتائب الصاعقة الليبية. وكان الوقود يأتي من ليبيا لمصر مجانا لتموين القوات المسلحة، بالإضافة إلى التبغ وكل المواد التي يحتاجها الجيش.. كنت أثق في النصر وأحلم بما هو أكبر مما تحقق بكثير. كنا نعتقد أننا سنسترجع سيناء بضربة واحدة».

وكان المعسكر الذي عمل فيه قذاف الدم في مصر أثناء حرب 1973 يقع على طريق الإسماعيلية، في شرق العاصمة المصرية، قائلا: «نحن لم نشارك في العبور، ولكن زملاءنا شاركوا، لأن مهمتنا كانت الدفاع عن القاهرة من الناحية الشرقية».

ووقعت بعد ذلك الخلافات الشهيرة في وجهات النظر حول توقف الحرب والمفاوضات مع إسرائيل، وعليه وقعت القطيعة بين ليبيا ومصر لسنوات، لكن زيارات قذاف الدم لمصر لم تتوقف، بما في ذلك ما تبقى من سنوات حكم السادات. ويقول إنه في فترة مبارك، الذي تولى الحكم منذ عام 1981 «استفدنا من أخطاء كثيرة حدثت في عهد السادات». لكن العلاقات لم تعد بين البلدين إلا في أواخر الثمانينات.. «وعليه قررنا أن نفصل بين الاختلاف السياسي ومصالح الناس، وأصبح لدينا أكثر من مليوني مصري يعملون في ليبيا. ووقعنا الاتفاقيات العشر، ومنها حرية الحركة والإقامة والتنقل دون قيد أو شرط.. وأصبح التنقل بين البلدين في بعض الفترات ببطاقة الهوية الشخصية (المحلية). والحقيقة مبارك أعاد العلاقة بين مصر والعرب». وجاء أول لقاء مباشر بين القذافي ومبارك، على هامش مؤتمر للقمة العربية في المغرب سنة 1989. ويقول قذاف الدم عن الترتيبات الخاصة بهذا اللقاء: «طبعا كان بيني وبين الرئيس مبارك لقاءات كثيرة في مصر أو خارج مصر وعبر الهاتف أيضا.. كنا نتواصل معه، وكنا نمتص كل المشاكل التي تحدث والفتن والدسائس. وفي الحقيقة عندما كنا ذاهبين، كوفد ليبي رسمي برئاسة القذافي، للقمة في المغرب، قام الملك الحسن الثاني، رحمه الله، بترتيب اللقاء مع الرئيس المصري، بعد أن كنت قد تناقشت مع الملك حول تجنب أي مشاكل قد تقع بين الأخ معمر والرئيس مبارك داخل اجتماع القمة.. واقترحت على جلالة الملك أن يلتقي مبارك والقذافي قبل الاجتماع، وذلك في غرفة مغلقة مع بعضهما البعض.. وبالفعل، وصل الأخ معمر، وبعده دخل الرئيس مبارك.. تصافحا، وهنا قام جلالة الملك بالدخول بهما داخل الغرفة، ثم تركهما وخرج، وأغلق الباب عليهما.. ووقفنا ننتظر ونترقب وننصت».

وفي الغرفة بدأ صوت كل من مبارك والقذافي يصل عبر الباب، وينقل كل طرف منهما للآخر كلمات فيها نوع من العتاب واللوم والمواجهة.. ويقول قذاف الدم: «طبعا أنا كنت قد أبلغت الأخ معمر بشخصية الرئيس مبارك وطريقته في التعامل وبساطته ووضوحه، ونحن كنا نعتبر أن الرئيس مبارك ورث وضعا يمكن تصنيفه كوضع يقع ما بين حالة عبد الناصر وحالة السادات، بالإضافة إلى ما ورثه من تداعيات الحروب والقطيعة مع العرب والوضع الاقتصادي في مصر.. وأشرت للأخ معمر أن مصر تحتاج إلى الوقوف معها ودعمها، وأن مصر القوية هي التي يجب أن تنهض ويجب دعم الرئيس مبارك والوقوف معه في هذه المرحلة. كما أن الأخ معمر جاء بهذه الروح.. ولذلك، بعد قليل، ونحن وقوف أمام باب تلك الغرفة التي فيها مبارك والقذافي، بدأنا نستمع إلى ضحكات تنبعث من داخلها. وهنا عاد الملك الحسن الثاني واصطحبهما إلى القاعة التي فيها الرؤساء، وانطلقت الاجتماعات.

وبعدها - كما يقول قذاف الدم - «وفي نفس الليلة، استدعاني الرئيس مبارك.. ذهبت إليه لآخذ انطباعه عن هذا اللقاء، وكان انطباعا إيجابيا، وقال لي: لقد اتفقت مع الأخ معمر على كل الأشياء، وفي اليوم التالي دعانا الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، على الغداء؛ الرئيس مبارك والأخ معمر.. وجلسا مطولا في نقاش لبعض التفاهمات، ثم عدنا من المغرب. وفي اليوم الذي يليه رتبنا قمتين بين مصر وليبيا على جانبي الحدود عقدت الأولى في مدينة مرسى مطروح والثانية في مدينة طبرق. وبعد ذلك بأيام قليلة جئت للقاهرة وحملت رسالة من الأخ معمر وأعلنا عودة العلاقات رسميا وفتح السفارات، واستمرت العلاقات منذ ذلك الوقت بزخم كبير. لكن الأساس في نجاحها هو أننا اتفقنا على الفصل بين العلاقات الثنائية وبين خلافاتنا فيما يتعلق بالعدو الصهيوني أو بعض الأمور التي تخص مصر في علاقاتها مع الدول وفيما يخصنا نحن أيضا.. وشهدت العلاقة في عهد حسني مبارك ازدهارا كبيرا وتعاونا في كافة المجالات».

لكن الخلافات اشتعلت فجأة، بين مصر وليبيا، مجددا، لكن هذه المرة ليس بسبب السلام مع إسرائيل، وإنما بسبب نيران الغزو العراقي للكويت سنة 1990 والتي كادت أن تحرق ملفات العلاقة الوليدة بين البلدين وذلك أثناء القمة العربية التي عقدت في القاهرة على عجل بشأن الموقف من الغزو. ويقول قذاف الدم: «في الحقيقة لم يكن أي من القاهرة وطرابلس على علم بعملية الغزو إلا بعد الاتصال الذي أجريته مع القذافي ومبارك، وذلك عقب علمي بالموضوع بمحض الصدفة، حين أخبرني أحد أصدقائي ممن يديرون سلسلة فنادق عالمية، بدخول الجيش العراقي الكويت».

يوضح قذاف الدم: «كنت في بيتي بالقاهرة عندما تلقيت ذلك الاتصال. وقال لي صديقي إن الجيش العراقي يقف أمام الفندق في الكويت الآن. وأجريت اتصالات حتى تأكدت. بل تحدثت مع مدير الفندق في الكويت، وقال لي إنه يمكنه أن ينادي على أحد الضباط العراقيين الذين أصبحوا يتمركزون أمام الفندق لأتحدث معه. وهنا اتصلت بأصدقائي في القاهرة، فلم يكن لديهم علم، ثم اتصلت بالأخ معمر، ولم يكن لديه علم أيضا، لكنني أكدت له صحة المعلومات بشأن وقوع الغزو.. ومنذ تلك الليلة بدأت التداعيات، وقال لي الأخ معمر إنه سيبدأ في الدعوة لقمة عربية طارئة وطلب مني أن أتصل بالرئيس مبارك، لكن الوقت كان متأخرا، وكان الرئيس نائما، فتركت خبرا للرئاسة حيث اتصلوا بي في نحو الساعة السادسة صباحا وطلبوا مني الحضور لمقابلة مبارك، ورويت له ما حدث، فاتصل بالأخ معمر، وكان الوقت ما زال مبكرا في ليبيا، بسبب فرق التوقيت، وقال لي مازحا: (كنتم تريدون إيقاظي في منتصف الليل.. حسنا سوف أوقظ معمر من نومه الآن). لكن حين طلبه وجده مستيقظا، وقال له إنه لم ينم منذ أمس، وأن العديد من الزعماء وافقوا على حضور القمة، وأنه سيتوجه للقاهرة حالا ليكون أول الحاضرين..

وكان صدام حسين بعث بكلمته للقمة مكتوبة وجرى توزيعها عن طريق الوفد العراقي على الأعضاء، وكانت عبارة عن ألغام وهجوم على القادة العرب، وتسببت في انقسامات حادة في مواقف الدول العربية، بشكل كان يهدد بالفشل في اتخاذ قرار يترقبه الملايين في منطقة الشرق الأوسط على الأقل. ولجأ مبارك، الذي كان يدير الجلسة، إلى غلق باب النقاش لأنه كان يستغرق وقتا طويلا من جانب كل متحدث دون جديد. وقرر طرح قرارات القمة للتصويت عليها، وهو أمر رفضه القذافي». ويقول قذاف الدم الذي حضر هذه الوقائع: «أخطر نقطة مرت علينا، في العلاقات المصرية الليبية أيام مبارك، كانت في القمة العربية الخاصة بغزو العراق للكويت».

ويضيف: بدأت مجريات القمة، ووقعت مشادة كبيرة.. فالرئيس صدام (الذي لم يحضر وحضر وفد عراقي نيابة عنه) بعث خطابا يحمل كلمته، وجرى توزيعه على الرؤساء داخل القاعة، مما تسبب في رفع درجة الحرارة، لأنه كان يتضمن هجوما على بعض الرؤساء وعلى الرئيس مبارك نفسه. وبعد ذلك الرئيس مبارك استُفز، وأسرع بغلق النقاش، واحتج معمر على ذلك في القاعة، وبدأت مشكلة كبيرة ورفع مبارك الجلسة، إلا أن معمر بقي داخل القاعة غاضبا وكان معه الرئيس عرفات ومجموعة من الرؤساء.. الحقيقة أنا خرجت مسرعا، ولحقت بالرئيس مبارك، وكان قد اقترب من ركوب سيارته أمام قاعة المؤتمرات، فتحدثت معه وكان منفعلا أيضا، وقلت له إن الأخ معمر زعلان وجالس في القاعة، ولا ينبغي ذلك، ولا يصح تركه هكذا، لأنه في النهاية هو ضيفك. ولم يكن مبارك وحده الذي يشعر بالضيق والانفعال من مجريات القمة ومن تداعيات الغزو العراقي، بل كان غالبية الحضور يرون أن الحدث جلل، ويمكن أن يجر على المنطقة ويلات لا يعلم مداها إلا الله، ويبدو أن مبارك تحدث عن هذه المخاوف مع عدد من الزعماء في ردهات القمة قبيل انعقادها. كما أن البرقيات التي كانت ترد للزعماء لحظة بلحظة عن التطورات، لا تبشر بخير. وكان الحمل ثقيلا على الجميع. وتوقف مبارك على صوت قذاف الدم، ولم يركب السيارة، وظل يستمع إليه واقفا، وبعد أن هدأ قليلا اتخذ قراره بالعودة في محاولة لتطييب خاطر القذافي. ويقول قذاف الدم: «في الحقيقة استجاب الرئيس مبارك، وعدنا سويا إلى القاعة.. وبينما نحن في الطريق، قابلنا الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وكان نحيفا ذا شعر يميل للبياض ونظرة عسكرية ثاقبة، فلاحظ وجود جدل بيني وبين الرئيس مبارك وأنا أمسك بذراعه، فسأل: ما لكم؟ ما الذي يجري؟ فقلت له إن الأخ معمر زعلان وما زال هناك لا يريد أن يغادر القاعة، فقال لي: لا.. لا.. لا يجب أن نترك أخانا. فدخلنا نحن الثلاثة.. وكان الموقف محتدا وصعبا، وكان معمر ما زال غاضبا.. وبدا أن غضبه ازداد عن ذي قبل، لكن بدخول مبارك وبن جديد إلى القاعة والتوجه إليه، بدأت أساريره تنفرج، ثم قاموا بتجاذب أطراف الحديث معه عن مجريات القمة وما كان يجب وما لا يجب، وهدأ ذلك من غضب القذافي. وأنا كنت أخشى، لو عدنا إلى ليبيا بعد القمة مباشرة، ودون لقاء مبارك والقذافي، أن تنتهي العلاقات بين البلدين من جديد وهي ما زالت في المهد.

لكن ثورة القذافي كانت تستعر في داخله، على عكس ما كان يبدو للجميع من رضا، وكان قد حزم أمره على الرحيل من مقر القمة إلى المطار فطرابلس رأسا، وليس إلى الفندق كما كان مقررا. وأمر بإعداد طائرته لكي تطير به إلى طرابلس. وقال: «جهزوا الطائرة!». ويضيف قذاف الدم أنهم خرجوا من القاعة، وركبوا السيارة الطويلة مع مبارك، حتى ينسى القذافي موضوع المطار، «وكنت بصحبتهما، أنا وأسامة الباز أيضا (سكرتير الرئيس مبارك للمعلومات)». لكن أحمد قذاف الدم احتال في الأمر للإبقاء على القذافي مزيدا من الوقت في مصر ومع مبارك، لأنه كان يعلم أنه لو سافر إلى ليبيا وهو على هذه الحالة من الغضب، فإن العلاقة مع مصر ستكون قد انتهت.

ويشرح ملابسات هذه الحيلة التي أفضت إلى عقد قمة مصغرة في الإسكندرية بشأن استكمال تدارس الوضع في العراق، مشيرا إلى أن هذه القمة لم يكن مخططا لها أصلا. ويضيف موضحا أنه حين وجد أن القذافي ما زال غاضبا من مبارك، قال له، وهو معهم في السيارة التي كانت تعبر الشوارع في اتجاه الفندق وليس المطار، إن هناك قمة مصغرة يوم غد، ويجب أن نشارك فيها، فسألني القذافي وقد تفاجأ: «قمة! لماذا؟ ألم نكمل القمة هنا وانتهينا».. فقلت له: نريد أن نجلس من أجل استخلاص النتائج وما قد يحدث بعد هذه القرارات التي اتخذناها في قمة القاهرة، وقلت له أيضا إن الرئيس حافظ الأسد والرئيس الشاذلي بن جديد سيحضران أيضا.

وهنا التفت مبارك وقال للقذافي: «صحيح.. إلى أين أنت ذاهب، ونحن لدينا قمة مصغرة يوم غد». ووصلت السيارة للفندق، ونزل معمر ودخل إلى الجناح الخاص به، بعد أن شيعه الرئيس مبارك في البهو.. وحين بدأ مبارك يخطو عائدا في اتجاه الباب الخارجي، تبعته لأودعه، فوقف أمام الفندق، أي قبل أن يركب السيارة، وقال لي: «ما هي حكاية القمة المصغرة التي تتحدث عنها؟ ألم ننته من القمة اليوم؟». فقلت له: «لا.. اتفقت أنا والدكتور أسامة الباز أن نعمل غدا قمة مصغرة». ويضيف قذاف الدم أن الباز كان في هذا الوقت يقف إلى جواره، فسأله الرئيس مبارك: «إيه الموضوع يا أسامة.. قمة إيه؟». فقال له: «نعم، سيادتك.. نلتقي بكرة مجموعة من الرؤساء الذين يحبون الحضور، في اجتماع غير رسمي، نناقش الأمور». فأجاب مبارك قائلا: «خلاص.. لكن في الإسكندرية وليس هنا». فقلت له: «هذا أفضل». وبعد أن ركب مبارك السيارة ومضى، أمسك أسامة بيدي، وسأل مستهجنا كل الملابسات الخاصة بموضوع القمة الذي لم يكن له أصل، وقال لي: «ماذا تفعل».. وأضاف باللهجة المصرية منزعجا: «إيه اللي بتهببه ده؟» فقلت للباز: «لا مشكلة.. القذافي ومبارك أصبحا موافقين على القمة المصغرة في الإسكندرية.. أنت هات رئيس وأنا آتي برئيس، ودعنا ننجز هذه القمة».

وجرى الاتصال من جانب أحمد قذاف الدم وأسامة الباز بكل من الرئيس حافظ الأسد ووافق، وكذا وافق الرئيس الجزائري والرئيس الفلسطيني عرفات.. ويقول قذاف الدم: «أصبح هناك خمسة رؤساء.. وذهبنا بالطائرات من القاهرة، ونزلنا في قصر المنتزه بالإسكندرية. وعقدنا القمة هناك، وتناولوا الغداء، ثم غادروا، بينما بقينا نحن في الإسكندرية، أي الجانب الليبي والجانب المصري، وعالجنا الحالة الثنائية التي بين مصر وليبيا قبل أن تتفاقم في تلك الظروف الدقيقة.

وفي الإسكندرية أيضا جرى توضيح الصورة بشكل أكثر تفصيلا للقذافي لأنه كانت لديه شكوك في أن الولايات المتحدة الأميركية تدخلت في القرار الذي وافقت عليه تلك القمة العربية الخاصة بقضية غزو العراق للكويت. وجرى شرح الموقف للقذافي بأن سبب التوتر أساسا كان توزيع رسالة داخل القاعة فيها تهديد من الرئيس صدام، موجهة ضد بعض الرؤساء بالاسم وفيها نوع من الاستفزاز. ويقول قذاف الدم: «كنا ضد غزو صدام حسين للكويت، وكنا أيضا ضد الوجود الغربي الأميركي في المنطقة، لأنهم إذا دخلوا لن يخرجوا. وهذا الذي أوصلنا إلى كل تلك الخلافات». وبعد مضي نحو أربعين عاما من أول لقاء له مع مبارك في شرق ليبيا، يقول قذاف الدم إن الرجل ظل، حتى تخليه عن الحكم في 2011، «هو نفس الشخص الذي قابلته في قاعدة طبرق.. لم يتغير ولم يغتر، وكان حريصا، كما هو، ويتابع كل الأشياء بدقة وبنفسه.. وأذكر واقعة لا أنساها، لأنها تحضر إلى ذهني كلما قرأت ما يكتب عن تبذير مبارك وإسرافه وتبديده للمال العام.. وهذه الواقعة كانت حين قابلته في التسعينات على هامش مؤتمر غير رسمي عقد في أوروبا، وكان المؤتمر لمدة يوم واحد، وكان هو يريد أن يغادر في نفس اليوم.. فطلبت منه أن يرتاح، وقلت له: «يا ريس.. لماذا تسافر في نفس اليوم.. ابق يوما أو يومين. هذه بلد جميلة وارتح قليلا، ونذهب غدا للغداء في مطعم أو في مكان مريح.. كما تحب».

ويتابع قذاف الدم: «هنا، أي بعد أن أنهيت كلامي، صمت مبارك قليلا، ثم قال لي: فكرة جيدة.. وبعدها سكت مرة أخرى لفترة أطول كأنه يفكر تفكيرا عميقا، ثم قال: لا.. لا أستطيع.. لدينا شغل كثير والتزامات. فقلت له إن الالتزامات لن تنتهي.. فأجاب قائلا: انظر يا أحمد.. هل تعرف كم تبلغ تكلفة الإقامة لليلة واحدة في هذا الفندق؟ في إشارة إلى ارتفاع سعر المبيت ليلة في ذلك الفندق. وقرر أن يرجع إلى مصر في نفس اليوم». ويضيف قذاف الدم: «لا أنسى هذه الكلمات التي قالها لي، وأنا أستمع إلى الذين يتهمونه بأنه أخذ مليارات.. أنا أثق في أنه كان حريصا على المال العام.. الرجل الآن يخضع للمحاكمة، وقد لا يفيدني في شيء، ولكن لا أستطيع، بعد أن عرفت هذه الأشياء عنه، إلا أن أقولها للتاريخ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.